الكاتبة البريطانية أغاثا كريستي.. ملكة الغموض والجريمة ورائدة الروايات البوليسية
آخر تحديث: 12/9/202209:42 م (بتوقيت مكة المكرمة) احفظ المقالات لقراءتها لاحقا وأنشئ قائمة قراءتك
مدة الفيديو 02 minutes 43 seconds 02:43 روائية وكاتبة بريطانية ولدت في بلدة توركاي بمقاطعة ديفون جنوب غرب إنجلترا، يوم 15 سبتمبر/أيلول 1890، وتوفيت في 12 يناير/كانون الثاني 1976. عرفت بأنها أشهر كاتبة للروايات البوليسية في القرن العشرين، وحطمت مبيعات كتبها أرقاما قياسية جعلتها الكتب الأكثر مبيعا في التاريخ بنحو ملياري نسخة. المولد والنشأة ولدت أغاثا ماري كلاريسا ميلر في بلدة توركاي بمقاطعة ديفون جنوب غرب إنجلترا، يوم 15 سبتمبر/أيلول 1890، لأب أميركي يدعى فريدريك ألفا ميلر وأم إنجليزية اسمها كلاريسا مارغريت بويمر. عاشت في البداية طفولة هادئة وسط الفلل القديمة الشاسعة في منطقة توركاي، وكان مسكن أبويها مليئا بحدائق الزهور والنخيل، ونعمت فيه بسعادة الطفولة مع أخيها مونتي وأختها مادج اللذين يكبرانها. بدأت أغاثا كتابة الشعر والقصص القصيرة منذ الصغر، ومارست المسرح وهي ما تزال طفلة، وجربت أيضا الغناء وحاولت أن تنضم إلى فرقة أوبرا في نيويورك.
أغاثا كريستي اضطرت لاستخدام اسم مستعار لكتابة روايات غير بوليسية (غيتي إيميجز) وفي عام 1901 عكر الحزن طفولتها، وتوفي والدها بسكتة قلبية وهي في الحادية عشرة من عمرها، وعاشت بعده هي وأسرتها ظروفا صعبة. بعد سنوات قليلة انتقلت إلى العاصمة الفرنسية باريس بغرض دراسة الموسيقى والغناء وتعلم العزف على البيانو، لكن لم يطل بها المقام هناك لأن معلميها حكموا على أدائها بالفشل ونصحوها باختيار سبيل آخر. زارت مصر أول مرة وعمرها 17 سنة، وأمضت فيها 3 أشهر بناء على نصيحة من الأطباء لإمضاء فترة نقاهة من المرض، كما زارت فيما بعد العراق وسوريا، فأحبت هذه البلاد واستلهمتها في بعض أعمالها الروائية فيما بعد. إعلان تزوجت عام 1914 العقيد أرشيبالد كريستي، وهو طيار سلاح كان حديث التعيين في الطيران الملكي البريطاني، وبينما كان هو في الجبهة في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى، تطوعت هي في أحد المستشفيات في بلدة توركاي ممرضة لتداوي الجرحى. كما اشتغلت أيضا صيدلانية، وتعلمت الكثير عن السموم والمواد الكيميائية وصناعة الأدوية، وهو ما ساعدها لاحقا في نسج أحداث كثير من رواياتها، و"استخدام السموم" في جرائم القتل التي صورتها. وبعد نهاية الحرب العالمية، تدهورت العلاقة بينها وبين زوجها، وخاصة بعد موت والدتها عام 1926، حيث اعتبر أنها بالغت في الحزن عليها، وأن ذلك أثر على حياتهما وحياة أسرتهما. ومما دمر العلاقة أيضا بين أغاثا وأرشيبالد أنه أغرم بامرأة أخرى تدعى نانسي نيل، وبدأ يخونها معها، وهو ما طعن في كرامتها فردت عليه بحادث غريب كثرت بشأنه التأويلات، وبقي غامضا إلى اليوم. فقد اختفت أغاثا كريستي 11 يوما كاملة، من 3 إلى 14 ديسمبر/كانون الأول 1926، وشارك في البحث عنها آلاف من رجال الشرطة، إضافة إلى نحو 15 ألف متطوع من الشعب البريطاني، وتصدرت الصفحات الأولى للجرائد، وخصصت صحيفة "ديلي نيوز" مكافأة بمقدار 100 جنيه إسترليني لكل من يدلي بمعلومة مفيدة عن مكانها أو مصيرها.
أغاثا كريستي توقع النسخة الفرنسية لإحدى رواياتها سنة 1950 (غيتي إيميجز) وتم العثور على سيارتها قرب إحدى البحيرات، فانطلقت التحليلات والفرضيات والسيناريوهات في تفسير ذلك الاختفاء الغامض، بين قائل إنها انتحرت، ومرجح لقتلها ومتهم في ذلك زوجها، ومفسر لما جرى بأنه حادث مروري أو عملية خطف، حتى إن البعض ذهب إلى القول إنه حادث مدروس من أجل الشهرة وإثارة الانتباه. وبسبب الحملة الإعلامية الكبيرة آنذاك، وتسابق كبريات الصحف لكشف ملابسات الحادثة، تعرف أحد العمال في فندق ببلدة يوركشاير (شمال البلاد) -البعيدة عن توركواي بنحو 500 كلم- على امرأة تتحقق فيها كل أمارات الروائية المختفية التي قلبت بريطانيا رأسا على عقب. اتصل برجال الشرطة وأحضروا زوجها إلى الفندق، وفعلا تعرف عليها وتبين أنها أغاثا كريستي، لكن تبين أيضا أنها لم تتعرف عليه ولا على نفسها، ولا تعرف من تكون ولا من أهلها ولا من أين جاءت، وأكد الأطباء فيما بعد أنها أصيبت بفقد جزئي للذاكرة. ومما جعل كثيرا من المتابعين للقضية آنذاك يعتبر أن اختفاء أغاثا كريستي جاء ردة فعل على طعنة خيانة زوجها وغصة وفاة أمها، أنها سجلت دخولها إلى الفندق باسم نانسي نيل، وهي عشيقة زوجها. بعد تعافيها من الصدمة وعودتها إلى حياتها الطبيعية، لم تدم العشرة طويلا بين أغاثا وأرشيبالد، حيث تم طلاقهما بعد أشهر فقط. بعد طلاقها سافرت هي وابنتها الوحيدة روزاليند إلى جزر الكناري، وأمضت هناك مدة غير قصيرة، وهو السفر الذي أثر بدوره في خيالها واستلهمت منه بعض أحداث رواياتها التي تعد بالعشرات. الرحلات السياحية الكثيرة حملت أيضا أغاثا كريستي إلى العراق وسوريا، وهناك تعرفت على عالم الآثار البريطاني ماكس مالوان، وتزوجت منه عام 1930، فأصبحت تدعى أغاثا مالوان، ورافقته في عمله إلى كثير من مناطق الشرق الأوسط، ومن ثم نجد أثرا واستثمارا لعلم الآثار والحفريات في كتاباتها. إعلان فقد انضمت رسميا إلى بعثة التنقيب البريطانية في موقع النمرود بنينوى شمالي العراق، ثم إلى بعثة الأربجية بالموصل عام 1932، والتي كانت برئاسة زوجها، وكانت مهمتها في البعثة ترميم القطع الفخارية وجرد القطع الأثرية وتصويرها وتنظيفها بأدوات خاصة. كما رافقت زوجها أيضا خلال تنقيباته في حوض نهر الخابور في سوريا، وأسهمت في عمليات تصوير وتوثيق الكشوف الأثرية هناك.
بعض أغراض أغاثا كريستي في متحف بإسطنبول حيث كانت زارتها ونزلت في أحد فنادقها مدة من الزمن (رويترز) الدراسة والتكوين العلمي لم تلج أغاثا كريستي المدرسة، بل تعلمت فقط في البيت، حيث علمتها أمها القراءة والكتابة وشجعتها ودفعتها للإبداع الأدبي، وكانت تقرأ لها الحكايات والقصص قبيل النوم. ولم تكن أغاثا بدعا عن بنات جيلها ومجتمعها، فهي تلقت تعليمها في البيت مثل فتيات كثيرات من العائلات الميسورة بحسب التقليد الذي كان متبعا آنذاك. وبعد وفاة والدها بمدة قليلة، أرسلتها أمها إلى باريس لتدرس الموسيقى والغناء وتتعلم العزف على البيانو، لكن رحلتها هذه انتهت بسرعة، ولم ترق لها التجربة، كما أن أداءها لم يفلح في إقناع مدرسيها وأسرتها. بعد العودة من فرنسا تجولت في أسفار سياحية كثيرة، وفي هذه السن بدأت موهبتها الأدبية تتفتق، وبدأت رواياتها تشق طريقها إلى المطابع. التجربة الأدبية ولع أغاثا غريستي بالكتابة والتأليف لازمها منذ الطفولة، فقد أصيبت بمرض ألزمها الفراش لما كانت طفلة، فنصحتها أمها بالتخفيف عن نفسها بكتابة قصص قصيرة، وبعد ذلك نشرت لها أول قصيدة في جريدة محلية بالعاصمة البريطانية لندن وهي في الحادية عشرة. لكن أحد أكبر الحوافز التي أطلقت العنان لموهبتها، هو التحدي الذي رفعته في وجه أختها التي شككت في قدرتها على كتابة رواية بوليسية تجد طريقها للنشر، فقررت أن تثبت لها العكس. وفعلا وجدت صعوبات وعراقيل في البداية، فأول رواياتها المعنونة "ثلوج على الصحراء" (Snow Upon the Desert) لم يقبلها الناشرون، وكتبت بعدها رواية "قضية ستايلز الغامضة" (The Mysterious Affair at Styles) التي رفضها أيضا 6 ناشرين، وظلت في الرفوف 4 أعوام قبل أن ترى النور. كانت أغاثا في الثلاثين من عمرها عندما نشرت صحيفة بريطانية تلك الرواية على حلقات في فبراير/شباط 1920، وبعدها صدرت في كتاب بالولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، ثم في بريطانيا في العام التالي، وبعد نشرها ربحت منها 25 جنيها إسترلينيا.
هي نفسها تقول في سيرتها الذاتية التي أمضت 15 سنة في كتابتها (1950-1965)، إن حادثة الطلاق من أرشيبالد "حولتها من كاتبة هاوية إلى محترفة، لأنها اعتمدت على الكتابة في إعالة نفسها".
إعلان
أكثر ما كتبت فيه أغاثا هو الرواية البوليسية، حتى اشتهرت بألقاب منها "ملكة الرواية البوليسية"، و"ملكة الغموض"، واشتهرت معها شخصيات رواياتها من أمثال المحقق البلجيكي "هرقل بوارو" والمحققة "الآنسة ماربل".
نجاحها في هذا النوع من الكتابة جعل الناشرين يسجنونها فيه، ورفض كثيرون منهم أن تكتب في جنس آخر، وفرضوا عليها أن تستمر في الرواية البوليسية، لكنها رغم ذلك كتبت نحو 30 مسرحية و14 مجموعة قصصية، وألفت 6 روايات غير بوليسية تحت اسم مستعار هو "ماري ويستماكوت"، وظل هذا سرا لم تكشف عنه لعقود.
وكانت تنوي التوقف عن الكتابة في منتصف الثلاثينيات من عمرها، لكن ارتفاع مبيعات رواياتها دفعها لتمديد الكتابة 5 سنوات أخرى، ثم بعدها قررت الاستمرار ولم تتوقف إلا قبل سنة واحدة من وفاتها.
زارت أغاثا كريستي الكثير من المناطق في العالم، مما أثرى تجربتها الروائية، من مصر إلى العراق إلى سوريا والأردن وفلسطين وإيران، وكل هذه الأماكن نجد لها صدى في رواياتها، إذ تحدثت عن مدينة البتراء والمسجد الأقصى وقبة الصخرة وذكرت مدينة بيت لحم ومنطقة الجزيرة السورية وتحدثت عن نهر النيل ومعابد الأقصر وأدمجت حضارة الفراعنة في بعض أعمالها.
كما زارت بغداد ومدينة أور الأثرية عاصمة الدولة السومرية، واشتهر بيت شعبي لها في العاصمة العراقية كانت تهوى المكوث فيه، وفيه كتبت بعض نصوصها، وصنفته وزارة الثقافة العراقية ضمن البيوت التراثية التي يمنع هدمها أو التعديل عليها.
أغاثا كريستي مع زوجها عالم الآثار ماكس مالوان الذي سافرت معه في عدة بعثات للتنقيب في الشرق الأوسط (غيتي إيميجز) دخلت أغاثا كريستي موسوعة غينيس لأن كتبها هي الأكثر مبيعا على مرّ التاريخ، وترجمت أعمالها إلى أكثر من 100 لغة، وبلغ عدد النسخ المبيعة من رواياتها ملياري نسخة بين المترجم والصادر باللغة الإنجليزية.
ومن الأعمال التي استوحتها من تلك الزيارات إلى الشرق الأوسط روايات: "جريمة في قطار الشرق السريع"، و"جريمة في بلاد الرافدين" (Murder in Mesopotamia)، و"موت فوق النيل" (Death on the Nile)، و"لقاء في بغداد" (They Came to Baghdad)، ومسرحية "أخناتون" (Akhnaton).
إعلان
يصفها حفيدها الوحيد ماتيو براكارد بأنها "استمعت أكثر مما تكلمت، ورأت أكثر مما رُئيت"، ويقول إن كتابة رواية كانت تأخذ منها قرابة شهرين، ثم شهرا آخر لمراجعتها قبل أن ترسلها إلى الناشر.
حطمت مسرحيتها "مصيدة الفئران" (The Mousetrap) الرقم القياسي لكونها أطول مسرحية عرضا في التاريخ، فقد استمر عرضها من عام 1952 إلى 2019، ولم توقفه إلا التدابير الاحترازية التي اتخذتها بريطانيا لمواجهة جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، وقد استؤنفت عروضها بعد رفع القيود الصحية.
الجوائز والأوسمة
خلال مسيرتها التي استمرت عقودا من الزمن، فازت أغاثا كريستي بعدة جوائز وحظيت بعدة تكريمات واحتفاءات، وفيما يلي أبرز هذه الجوائز والتكريمات:
- عينت عضوا في الجمعية الملكية للأدب (1950).
- سنة 1955 كانت أول من تلقى جائزة غراند ماستر، وهي أعلى تكريم لكُتاب الغموض في الولايات المتحدة.
- حازت جائزة إدغار (المسماة باسم الكاتب الأميركي إدغار آلان بو) مرتين عامي 1955 و1978.
- فازت بنيشان الإمبراطورية البريطانية من رتبة قائد عام 1956.
- سميت "سيدة قائدة وسام الإمبراطورية البريطانية" في عام 1971.
- فازت بجائزة أنطوني (Anthony Award) سنة 2000، وهي جائزة أدبية تمنح لأحسن كاتب لمؤلفات الجريمة والغموض، وقد منحت لها هذه الجائزة باعتبارها كاتبة القرن العشرين، وباعتبار رواياتها أحسن سلسلة للرواية البوليسية في القرن نفسه.
- في عام 2013، منحت رابطة كُتاب الجريمة في أميركا روايتها "مقتل روجر أكرويد" جائزة أفضل رواية جريمة على الإطلاق.
أغاثا كريستي أغنت المكتبة الأدبية العالمية بعشرات الروايات البوليسية والمسرحيات والمجموعات القصصية (غيتي إيميجز) الكتب والمؤلفات
كتبت أغاثا كريستي 66 رواية طويلة وعشرات القصص القصيرة، نشرت في 14 مجموعة، وألفت نحو 30 مسرحية، إضافة إلى 6 روايات غير بوليسية باسم مستعار هو ماري ويستماكوت.
وفيما يأتي بعض مؤلفاتها:
- قضية ستايلز الغامضة (The Mysterious Affair at Styles) (1920).
جريمة في ملعب الغولف (the murder on the links) (1923).
أسرار المداخن (The Secret of Chimneys) (1925).
مقتل روجر أكرويد (The Murder of Roger Ackroyd) (1926).
لغز القطار الأزرق (The Mystery of the Blue Train) (1928).
لغز سيتافورد (The Sittaford Mystery) (1931).
جريمة في قطار الشرق السريع (Murder on the Orient Express) (1934).
لماذا لم يسألوا إيفانز؟ (Why Didn’t They Ask Evans?) (1934).
جريمة في بلاد الرافدين (Murder in Mesopotamia) (1936).
موت فوق النيل (Death on the Nile) (1937).
ثم لم يبق أحد (And Then There Were None) (1939).
جثة في المكتبة (The Body in the Library) (1942).
في النهاية يأتي الموت (Death Comes as the End) (1945).
الحصان الأشهب (The Pale Horse) (1961).
ليلة لا نهاية لها (Endless Night) (1967).
مسافر إلى فرانكفورت (Passenger to Frankfurt) (1970).
وهذه قائمة الروايات التي كتبتها باسمها المستعار ماري ويستماكوت:
خبز العملاق (Giant’s Bread) (1930).
صورة غير مكتملة (Unfinished Portrait) (1934).
غائبة في الربيع (Absent in the Spring) (1944).
الزهرة وشجرة التوت (The Rose and the Yew Tree) (1948).
الابنة هي الابنة (A Daughter’s a Daughter) (1952)
العبء (The Burden) (1956).
صورة لأغاثا كريستي في بيتها عام 1946 وقد عرف عنها أن بعض رواياتها رقنتها بنفسها على الآلة الكاتبة (غيتي إيميجز) الوفاة
توفيت أغاثا كريستي في 12 يناير/كانون الثاني 1976، عن عمر يُناهز 85 عاما في مدينة والينفورد الواقعة بولاية أوكسفورد شاير في موطنها الأصلي بإنجلترا.
دُفنت بالقرب من باحة كنيسة سانت ماري في تشلسي، بعد أن اختارت قطعة أرض لمثواها الأخير مع زوجها ماكس مالوان قبل 10 أعوام من وفاتها.
حظيت جنازتها بتغطية إعلامية واسعة، حضر لها مراسلون من مناطق مختلفة من العالم.