العبقرية في
كتاب الله
وردت كلمة عبقرى مرة واحدة في المصحف الذى بين أيدينا في سورة الرحمن حيث قال سبحانه :
" متكئين على رفرف خضر وعبقرى حسان"
والغريب أن المفسرين القدامى والمحدثين تركوا تفسير آيات
كتاب الله بآيات
كتاب الله وذهبوا إلى تفاسير عبر كتب اللغة التي كتبت بعد نزول القرآن بقرون
كان تفسير العبقرى بكونها البسط والزرابى وهى السجاجيد بلغة العصر والديباج وهو الحرير وننقل من بعض التفاسير ما جاء فيها عن كلمة عبقرى والتي يقرئها بعض القراء وعباقرى في بعض القراءات وهو :
قال القرطبى:
"ويقال : عبقر قرية بناحية اليمن تنسج فيها بسط منقوشة وقال ابن الأنباري : إن الأصل فيه أن عبقر قرية يسكنها الجن ينسب إليها كل فائق جليل وقال الخليل : كل جليل نافس فاضل وفاخر من الرجال والنساء وغيرهم عند العرب عبقري. ومنه قول النبي (ص) في عمر : فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه" وقال أبو عمر بن العلاء وقد سئل عن قوله (ص) "فلم أر عبقريا يفري فريه" فقال : رئيس قوم وجليلهم....وفي الحديث : "إنه كان يسجد على عبقري" وهو هذه البسط التي فيها الأصباغ والنقوش حتى قالوا : ظلم عبقري وهذا عبقري قوم للرجل القوي. ...{وَعَبَاقَرِيٍّ} وهو خطأ لأن المنسوب لا يجمع على نسبته ، وقال قطرب : ليس بمنسوب وهو مثل كرسي وكراسي وبختي وبخاتي. "الجامع لأحكام القرآن ج17 ص192
وقال تفسير ابن كثير :
"وقوله تعالى: {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} قال ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي: العبقري الزرابي، وقال سعيد بن جبير هي عتاق الزرابي يعني جيادها، وقال مجاهد: العبقري الديباج، وسئل الحسن البصري عن قوله تعالى: {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} فقال: هي بسط أهل الجنة لا أبا لكم فاطلبوها، وعن الحسن رواية أنها المرافق، وقال زيد بن أسلم: العبقري أحمر وأصفر وأخضر، وسئل العلاء بن زيد عن العبقري فقال: البسط أسفل من ذلك. وقال أبو حزرة يعقوب بن مجاهد: العبقري من ثياب أهل الجنة لا يعرفه أحد، وقال أبو العالية: العبقري الطنافس المخملة إلى الرقة ما هي، وقال القيسي: كل ثوب موشى عند العرب عبقري" تفسير ابن كثير ج 4 ص338
وقال الألوسى:
"وقال ابن جني : أما ترك صرف عباقري فشاذ في القياس ولا يستنكر شذوذه مع استعماله ، وقال ابن هشام : كونه من النسبة إلى الجمع كمدايني باطل فإن من قرأ بذلك قرأ رفارف خضر بقصد المجانسة ولو كان كما ذكر كان مفرداً ولا يصح منع صرفه كمدايني وقد صحت الرواية بمنعه الصرف عن النبي (ص) فهو من باب كرسي وكراسي وهو من صيغة منتهى الجموع لكنها خالفت القياس في زيادة ما بعد الألف على المعروف كما ذكره السهيلي ، وقال صاحب الكشف : فتح القاف لا وجه له بوجه والمذكور في المنتقى عن النبي (ص) الكسر "تفسير الألوسى ج 20ص189
وأما
كتاب الله فقد فسر الاتكاء بأنه على السرر وهو السراير بلغة العصر وهى نفسها الأرائك وهى نفسها الفرش التي يرقد عليها وقد وصفها بأنها موضونة وفسرها بلفظ أخر وهو المصفوفة وهى المنظمة على ترتيب محدد وفى هذا قال سبحانه :
"على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين"
وقال أيضا:
"متكئين فيها على الأرائك"
وقال أيضا :
"متكئين على سرر مصفوفة"
وقال أيضا:
"متكئين على فرش "
ومن ثم يكون معنى الرفرف ألأخضر هو نفسه العبقرى الحسان هو نفس السرر المصفوفة هو نفسه الارائك الموضونة هو نفسه الفرش المرفوعة كما قال سبحانه :
" وفرش مرفوعة "
ومن المعروف أن البسط وهى السجاجيد لا ترفع وإنما تكون على الأرض وأما السرر فهى عالية مرتفعة عن الأرض
هذا هو تفسير آيات
كتاب الله للجملة وليس تفسير المفسرين الذين أدموا كتب اللغة وجعلوها هي ألأساس في التفسير بينما
كتاب الله يفسر بعضه بعضا
والمستفاد من أقوال المفسرين أن من بين معانى عبقرى :
أن عبقر مكان في اليمن لصناعة البسط الجميلة الملونة المتقنة
أن عبقر هي قرية أو وادى يسكنه الجن ويقال أن الشعراء كانوا يذهبون إليه فيوحى الجن إليهم القصائد الشعرية الرائعة وهى خرافة لا أصل لها فشياطين الشعر يقصد بها أهواء الشعراء الضالة فهى من توحى لهم بمعارضة أحكام الإسلام
ويشابه وادى عبقر جبل الأولمب في الثقافة اليونانية الوثنية حيث يقال أن الوحى كان ينزل على الشعراء في ذلك الجبل وهى خرافة أخرى الغرض منها :
الإيحاء للناس بأن الجن أو الآلهة المزعومة هي من توحى لهم بالشعر ولكن الحقيقة هي أن الشياطين وهى أهواء النفوس هي من توحى لهم بالشعر الضال وهو غالبية الأشعار الموجودة في عالمنا القديم والحديث وفى هذا قال سبحانه :
"والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم فى كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات"
وقد أخذ من هذا الخرافة مقولة أن التفوق في أمر هو :
عبقرية سببها سبب خارج عن قدرة الإنسان وهو ما عبروا عنه مرة بالجن ومرة بالآلهة المزعومة
والحقيقة أن لا شيء يأتي من خارج مشيئة وهى إرادة الإنسان أيا كان إيجابيا أو سلبيا كما قال سبحانه :
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
وكل الناس خلقوا كنفس واحدة أي متشابهون في التركيب كما قال سبحانه :
" ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة"
ومن ثم كل واحد من الناس صالح لأن يكون متفوقا في أمر ما أو أمور ما ولكن كل واحد هو من يقرر أن يكون كعامة الناس أو يكون من صفوة الناس والصفوة بالطبع لا يقصد بهم المتفوقون في الاختراعات أو في الثقافة أو ما شابه ولكن الصفوة عند
الله هو من أسلم وجهه لله وأعظمهم هم المجاهدون في سبيل
الله كما قال سبحانه :
"فضل
الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
فمهما كان علم الإنسان ومهما كانت اختراعاته المفيدة فهو لا يتفوق مهما عمل على من باع نفسه لله فحارب أعداء الدين ليحافظ على دينه ودين أهله