بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بوابة عشتار
بوابة عشتار (انطباع الفنان)
بنى الملك البابلي نبوخذنصّر الثاني بوابة عشتار في بابل (العراق) قرابة سنة 575 ق.م، فكانت بوابة المدينة الثامنة ومدخلها الرئيسي، وكان بناؤها جزءًا من خطة نبوخذنصر لتجميل عاصمة إمبراطوريته وهو الذي كان قد أعاد بناء معبد مردوخ وأنشأ عجيبة الدنيا الشهيرة «الجنائن المعلقة»، في النصف الأول من القرن السادس ق.م.
إن روعة بوابة عشتار جعلتها تدخل في القائمة الأولى لعجائب الدنيا السبع في العالم القديم، لكن استُبدِلت بها لاحقًا منارة الإسكندرية إلا أن بعض المؤلفين (مثل أنتيباتر الصيدوني وكاليماخوس القوريني) كتبوا أن على قائمة العجائب أن تضم بوابة عشتار وأسوار بابل على أي حال.
بوابة عشتار والآلهة
نُسِبت البوابة إلى الإلهة البابلية عشتار لأنها كانت مكرّسة لها، مع أن نبوخذنصر أظهر ولاءه لباقي الآلهة البابلية أيضًا بنقشه مختلف منحوتات الحيوانات على البوابة، ومنها: الثيران الصغيرة (أو ما يُدعى: الأُرخُص) والأسود والتنانين (السيروش أو الموشوشو)، وهي رموز لآلهة العراق القديم؛ فالأسد يرمز لعشتار؛ إلهة الخصوبة والحب والحرب والجنس، والثور لأدد (أداد)؛ إله الطقس، والتنين لمردوخ (مردوك)؛ إله بابل القومي وكبير الآلهة.
زُيّنت واجهة البوابة بالطابوق المزجج وصفوف تعاقبية من التنانين والثيران
المواد والبناء
واجهة بوابة عشتار مزينة بالطابوق (الآجر) المزجج وبصفوف متعاقبة من نقوش التنانين والثيران، وعُملت نقوش الحيوانات على هيئة آجر أصفر أو بني، بينما كان الطابوق المحيط بها أزرق اللون. ويُعتقد أن الآجر المطلي بالأزرق كان مصنوعًا من حجر اللازورد لكن ذلك ليس مؤكّدًا. كان ارتفاع البوابة أكثر من 11 مترًا ونصف، وكانت مزودة بملحق يقوم في جهتها الجنوبية.
يمرّ عبر البوابة شارع الموكب، وهو طريق مرصوف بالطابوق يمتد لأكثر من نصف ميل (800 م) يطل عليه سور بارتفاع أكثر من 15.2 مترًا من كلتي ناحيتيه، وكانت الأسوار مزينة بأكثر من 120 نحتًا تمثل الأسود والزهور والآجر الأصفر المصقول.
استُعمل شارع الموكب عند إقامة احتفال رأس السنة، إذ مرّ عبره موكب تماثيل الآلهة بينما بُلِّط طريقها بالأحجار الحمراء والصفراء (صفوف من الحجر الأحمر على الحافة الخارجية وصف من الحجر الأصفر في الوسط) وكان تحت كل حجر من هذه الأحجار نقش هو صلاة قصيرة من الملك نبوخذنصر لسيد الآلهة مردوخ. فهذا هو الشارع الذي سار فيه الموكب نحو معبد مردوخ.
نموذج لبوابة عشتار
لوح التكريس
حملت بوابة عشتار لوح تكريس كُتب من وجهة نظر نبوخذنصر يشرح فيه الغاية من إقامة البوابة ببعض التفصيل:
نبوخذنصر، ملك بابل، الأمير الوفي الذي اختارته إرادة مردوخ، كبير الأمراء الفخيمين، حبيب نابو، المُشير الحصيف، الذي تعلم اعتناق الحكمة، وأدرك كنه وجودهما الإلهي وبجّل عظمتهما، الحاكم المُثابر، الذي يعتني دومًا -من كل قلبه- بطقوس الإيساكيلا والإيزيدا والذي يهتم دومًا برفاه بابل وبورسيبا، الحكيم، المتواضع، راعي الإيساكيلا والإيزيدا، بكر نبوبلاصر، ملك بابل.
بعد أن مُليء الطريق من بابل، أصبح مدخلا بوابتي إيمكور إنليل ونيميتي إنليل منخفضين أكثر عن مستوى الشارع، لذلك هدمتُ البوابتين وثبّتُّ أساسيهما عند مستوى المياه الجوفية بالطابوق والأسفلت وبنيتهما بالطابوق والحجر الأزرق الذي صوِّرت عليه الثيران والتنانين الرائعة.
غطيتُ سطحيهما طوليًا بخشب الأرز العظيم وعلّقت بوابات من الأرز المزيّن بالبرونز على كل فتحات البوابة. ووضعتُ ثيران برية وتنانين ضارية في البوابات فزينتها بالأبهة الباذخة لكي يتطلع إليها الناس متعجبين.
جعلتُ معبد إيسِسكورسِسكور (الأعلى مقامًا بين بيوت الاحتفال بمردوخ، سيد الآلهة، مكان للفرح والاحتفال للآلهة الكبرى والصغرى) يُبنى راسخًا كجبل في تخوم بابل بالأسفلت والطابوق المحروق.
أرخُص من بوابة عشتار
التنقيبات الأثرية وإعادة البناء
استُخرجت بوابة عشتار من بين الركام بين سنتي 1902 و1914 م، حيث عُثر على 13.7 مترًا من أساسات البوابة الأصلية حينها. واستُعملت المواد التي استخرجها روبرت كولدوي في إعادة بناء بوابة عشتار وشارع الموكب، وفي سنة 1930 انتهت عملية إعادة البناء في متحف بيرغامون ببرلين (ألمانيا).
البوابة الموجودة اليوم في متحف بيرغامون ليست كاملة ولا هي بالحجم الأصلي بسبب ضيق مساحة المتحف، إذ كانت البوابة الأصلية مزدوجة لكن البيرغامون استعمل الجزء الأمامي الأصغر فقط، أما البوابة الخلفية الأكبر فما تزال في مخازن المتحف. وكان للبوابة -في الأصل- بابًا وسقفًا مصنوعين من خشب الأرز والبرونز، ولم يُعَد إنشاء هذين أيضًا.
أُعيد بناء بوابة عشتار -لكن بحجم أصغر من الأصلي- في العراق تحت حكم صدام حسين لتكون مدخلًا لمتحف، لكن العملية لم تكتمل بسبب الحرب.
استلمت متاحف عدة حول العالم أجزاءً من بوابة عشتار، منها متحف إسطنبول للآثار ومعهد ديترويت للفن ومتحف أونتاريو الملكي واللوفر ومتحف ميونخ للفن المصري ومتحف المتروبولتان للفنون بنيويورك والمعهد الشرقي بشيكاغو، ومتاحف أخرى كثيرة.
مراجعة وتنسيق ناطق ابراهيم العبيدي