بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
على الرغم من شهرة هذه المعركة، إلَّا أنه اختُلف في زمانها؛ فقد ذكرها بعض المؤرِّخين قبل اليرموك، وذكرها بعضُهم بعد اليرموك، كما اختُلف في الحديث عنها حتى ليخيل للمتتبع أنَّها كانت جزءًا من معركة اليرموك؛ لورود أسماء قادتها من الفريقين وهم قادة معركة اليرموك نفسها، ولهذا ذكرها ابنُ الأثير مرتين؛ مرة مع حوادث سنة 13ه، ومرة أخرى مع حوادث سنة 15ه، وفي رأيي هي الأصح؛ لاقتران ذلك بمعارك فلسطين؛ كفتح بيسان ثمَّ القدس وقيسارية وغزة.
تقع أجنادين بين الرملة وبيت جبرين بفلسطين.
قائد جيش المسلمين: عمرو بن العاص، يساعده شرحبيل بن حسنة.
قائد جيش الروم: الأرطبون.
وكان الأرطبون أدهى الرُّوم وأبعدها غورًا، فوضع في الرملة جندًا كثيفًا، ووضع في القدس جندًا أيضًا، كما وضع جندًا في بيسان، ولما بلغ عمر بن الخطاب عن دهاء الأرطبون قال: "قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، فانظروا عم تنفرج"، وعمل عمرو على مشاغلة الجنود خارج أجنادين بعددٍ من قادته، وتفرغ للأرطبون يخطِّط لدحره، وبقي عدَّة شهور لم يَظفر منه بشيء أو خبر لصُنع مكيدة له، ثمَّ سار إليه بنفسه، فدخل عليه كأنَّه رسول ففطن إلى حيلته الأرطبون وقال: لا شك أنَّ هذا هو الأمير أو مَن يأخذ الأمير برأيه، فأمر الحرس إذا مرَّ بهم في عودته أن يَقتلوه، وانتبه عمرو إلى ما يضمر له الأرطبون من المكر وقال في نفسه: أحسنت يا عمرو الدخول فأحسِن الخروج، ثمَّ قال للأرطبون: قد سمعتَ منِّي وسمعتُ منك، وقد وقع قولك منِّي موقعًا، وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر إلى هذا الوالي لنكاتفه، فأرجع فآتيك بهم الآن؛ فإن رأوا الذي عرضتَ عليَّ الآن فقد رآه الأمير وأهل العسكر، وإن لم يروه رددتَهم إلى مأمنهم، فقال الأرطبون: نعم، ثمَّ أرسل إلى الحرس بعدم التعرُّض له؛ طمعًا منه أن ينال من العشرة بدل الواحد، وخرج عمرو سالمًا، ثمَّ علم الأرطبون أنها كانت خدْعة من عمرو، فقال: هذا أدهى الخَلْق، ثمَّ إن عمرو بن العاص عرَف مكان الضَّعف عند الأرطبون فشنَّ عليه الحرب، وكانت موقعة شديدة بأجنادين لا يفوقها شدَّة إلا اليرموك، حتى كَثُرت القتلى، ثمَّ انهزم الأرطبون وقصد بيتَ المقدس وتَحصَّن فيه، وكان عدد قتلى الروم قريبًا من ثمانين ألفًا.
مراجعة وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي