بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سَواءٌ تَدانٍ منهمُ وتَناء
إذا عَزَّ نَيْلاً وصْلُهم وعَزائي
أفي القُرْبِ هِجران وفي النأي صَبوةٌ
كِلا يَوْمَيِ المشتاقِ يَوْمُ عَناء
وإنّي لأستَشفي بسُقْمِ جُفونها
وهل عند سُقْمٍ مَطْلَبٌ لِشفاء
ولمّا تلاقَيْنا وللعَيْنِ عادةٌ
تثيرُ وشاةً عند كلِّ لِقاء
ولولا سَناها لم يَروْني من الضَّنَى
ولا أَصبَحوا من أَجلِها خُصَمائي
ولكنْ تَجلّت مثل شمسٍ مُنيرةٍ
فَلحْت خلال الضّوء مثْلَ هبَاء
بدتْ أَدمُعي في خَدِّها من صِقالِه
فغاروا وظنّوا أنْ بكتْ لبكائي
ولمّا رأَيتُ الحَيَّ سَفْراً مُودِّعاً
ولم أر غَيْر اللّحظِ من سُفَرائي
نَظرْتُ إلى الأظعانِ نظرةَ مُمْسكٍ
على قَلْبِه من شِدَّةِ البُرحاء
عشيّةَ لا غادٍ يَعوجُ لرائحٍ
ولا ذاهبٌ يَقضي لُبانةَ جاء
فليت مطايا الحيِّ يومَ تحمّلوا
وهُنَّ سِراعٌ بُدّلتْ بِبطاء
مطيّةُ معشوقٍ منيّةُ عاشقٍ
فمَنْ مُبدلٌ نُونَ اسمِهنَّ بِطاء
ومقسومةُ العينَينِ من دَهَشِ النّوى
وقد راعَها بالعيسِ رَجْعُ حُداء
تُجيب بإحدى مُقلتَيها تَحيّتي
وأخرى تُراعي أعيُنَ الرُّقباء
تَلقّيتُ عَمْداً بالفؤادِ سهامَها
غداة أجدَّتْ باللّحاظِ رِمائي
وأتبعتُهم عَيني وقد جعَل النّوى
يُزَيِّل بين الجِيرةِ الخُلطاء
إلى أنْ خَطوا عَرْضَ السّرابِ كأنّهم
سوادُ طِرازٍ في بَياضِ مُلاء
وممّا شَجاني والزّمانُ مُقوّضٌ
حَمائمُ غَنّتْ في فروعِ أشاء
وما خلْتُ ألحانَ الأعاجمِ قبلَها
تَشوقُ وتَشجو عِليةَ الفُصحاء
وما ذكرّتنْي ما نسيت من الهوى
بحالٍ ولكنْ طَرْبةٌ لغِناء
فلا بَرحَتْ كفَ الثُريّا لرَبعها
إذا انتُجعتْ بالقطر ذاتَ سخاء
لعمْري لقد أَبلَيْتُ بُرْدَ شَبيبتي
وأَنضَيْتُ ظَهرَيْ شِدّةٍ وَرَخاء
وطالتْ بيَ الرَّوعاتُ حتى أَلِفْتُها
فقد عادَ ذاك السّمُّ وهْو غذائي
ولو أنَّ هذا الدّهرَ في أَمْرِ نَفْسه
يُشاورُ ما استَشفَى برأيِ سوائي
مَلأتُ وعاءَ الصّدْرِ عِلماً بسِرِّه
ولم أر غيرَ الصّمت خَتْمَ وعائي
وطالعتُ في مرآةِ رأيي بناظرٍ
يَرى من أمامي ما يَجيءُ ورائي
فلا تُهدِيا نُصْحاً إليَّ فإنّني
كَفتْنيَ طاعةَ النُّصحاء
ألم تَعْلَما أني صحَوتُ وأَنّه
تَكشّفَ عن عَينيَّ أَيُّ غِطاء
وأدراجِ بيدٍ قد ملأتُ بَياضَها
حُروفَ نَجاءِ لا حُروفَ هِجاء
سِهامُ سُرىً يَمرُقْنَ من جِلْدَة الدُّجى
وإن لم تُسَدَّدْ عن قِسّيِ سراء
أَقول وقد أنسانيَ الأرضَ منزلاً
صباحي على أكوارِها ومسائي
أما حانَ لي من أَرحُلِ العيسِ رحلةٌ
فقد طال فيها يا أُميمُ ثوائي
أُطوِّفُ في شَرقِ البلادِ وغربها
نَجِيَّ المُنَى في رَحْلِ ذاتِ نَجاء
ولا أُنسَ إلاّ بالذي إنْ نظَمتُه
تَهاداهُ دانٍ في البلادِ وناء
جلا الفْكرُ منّي كل بِكْرٍ أَقوله
وليس لنُقْبِ الشِّعرِ مثْلُ هِنائي
وإنّي لأُعْطي الشِّعْرَ أَوْفىَ حقوقِه
وإن لم يَقِفْ بي مَوقِفَ الشُّعراء
ومنّي اقتباسُ المُحَدثينَ معانياً
ولم أقتبِسْ معنىً من القُدَماء
عضْلتُ ابنةَ الفِكْرِ المصونةَ خَوْفَ أن
تُزَفَّ إلى مَن ليس كُفْؤَ ثَنائي
وآليتُ لا زارتْ كريمةُ مِدْحتي
من النّاس إلاّ أكرَمَ الوزراء
فلمّا مدَحْتُ الماجِدَ ابنَ مُحّمدٍ
وفَيتُ لِذي العلياء أيَّ وفاء
وما بَرحَتْ حتّى أَبَرَتْ يَمينُه
يَميني وأعطَى فوق كُلِّ عطاء
غدا شرَفُ الإسلامِ سائسَ دولةٍ
لها أبداً منه رَبيبُ وَلاء
صَفِيُّ الإمامِ المُرتَجى وظَهيرُه
أعَزَّ ظهُورٍ في أَجَلّ صَفاء
أغرُّ تُطيفُ العَينُ من نُورِ وجهِه
بشَمْسِ سماحسٍ لا بشَمسِ سَماء
وتزْخَرُ للعافِينَ أنمُلُ كَفِّه
بأبحُرِ مالٍ لا بأبحرِ ماء
سَلِ العيسَ عنه هل وَردْنَ فِناءه
فأَصدَرْنَ عنه الوَفْدَ غيرَ رِواء
وهل يَنظِمُ الأقرانَ في سِلْك رمحهِ
بطَعْنٍ كتَفْصيلِ الجُمان ولاء
فللهِ ما ضَمّتْ حَمائلُ سَيفِه
لداعي النَّدى من هِزّةٍ ومَضاء
مهيبٌ وَهُوبٌ ما يزالُ بكَفِّه
لكلِّ زمانَيْ خشَية وَرَجاء
تَنكَّسُ أبصارُ الكماةِ مَهابةً
لديه وتَعْيا ألسُنُ البُلَغاء
له بسطتاكف ببأس ونائل
وسجلا معال من لُها وَدِماء
وَعدلٌ أضاء الخافقَيْن شموُله
إضاءةَ شَمسٍ عندَ رأْدِ ضَحاء
وفَضْلٌ كساهُ اللهُ سِربالَ فَخْرِه
لِيَفْضُلَ عن عِلْمٍ على الفُضَلاء
مَليكٌ تَسامَى في ذُرا المجِد راقياً
مَراقِيَ أعيَتْ ناظِرَ النُظَراء
وزارتُه أزْرَتْ بقومٍ تَقدَّموا
ولم يكُ أكفاهُم له بكِفاء
وكم من خليلٍ قد يَغُرُّ خليلَه
لهُ رُؤْيةٌ مَحْفوفةٌ برِياء
يُريكَ شِعاراً ظاهراً وبِسِرِّهِ
شعارٌ سِواهُ راحَ تحتَ خفَاء
ولكن نصيرُ المِلّة اليومَ كاسْمهِ
غدا وهْو من أنصارِها الأُمَناء
حَمى مِلّةَ الإسلام ظِلُّ مُجيرها
فَحَلّتْ لدَيهِ في سَناً وَسَناء
أيا ماجداً لم يَسمَع الدّهرَ سامعٌ
بمثْلٍ له مَجْداً ولم يَرَ راء
أبوك الّذي أبدى وقد جَمَعَ التُّقَى
إلى المُلْك نَقْصَ المَعْشَرِ العُظماء
يَدٌ حَمَتِ الدنيا وأُخرى رَمَتْ بها
فأصبَح من أملاكِها السُّعداء
ومال إلى قَبْرِ النَبيِّ مُهاجراً
لحُسْنِ ثوابٍ بعدَ حُسْنِ ثنَاء
فجاوَرَ مَيْتاً أكرَمَ الرُّسْلِ كُلّهم
وجاوَرَ حَيّاً أعظَمَ الخُلفاء
وأنت ابنهُ تَكْفيِ ابنهُ اليوم ما كفىَ
أبوك أباهُ ذا غِنىً وغنَاء
فدُوما دوامَ الشّمس والبدرِ تَمْلآ
نهارَ الورى والنّيلَ فَضْلَ ضياء
أيا مَن دَعاني رائدُ السّعْدِ نَحْوَهُ
فأَلقيتُ رَحْلِي في أعَزّ فِناء
ومَن صدِئَتْ عيَنْي بناشئة الورَى
فلمّا رأَتْهُ حُودِثَتْ بجِلاء
فدتْكَ ملوكُ الأرضِ من طارقِ الرَّدى
وذلك إن قِسْنا أَقَلُّ فِداء
فما أنتَ إلاّ خَيرُ مَن وَسَمَ الثّرى
بجَرّ قناةٍ أو بجّرّ رِداء
وأحلمُ ذي بُرْدٍ لدى عَقْدِ حُبْوةٍ
وأكرَمُ ذي رِفْدٍ غَداةَ حِباء
وأحسنُ خلقِِ الله وجْهاً إذا بدا
على مَتْنِ طِرْفٍ تحت ظِلَ لواء
ولا فَخْرَ عندي في وجُوهٍ وضيئةٍ
إذا كانتِ الأخلاقُ غيرَ وِضاء
تَواضَعُ عن عُظْمٍ ونلقاكَ لُقْيةً
فلا نَمْلِكُ الأعطافَ من خُيلاء
وأروَعُ يَهْوى الحمدَ في الجودِ كلهِّ
فلا يُلجِىءُ العافي إلى الشُّفعاء
هِلالٌ نَماءً وهْو في النورِ كاملٌ
وَبدْرٌ كَمالاً وهو حِلْفُ نَماء
لياليه بيضٌ كاللآلي بِعدْلِه
فدامتْ كذا في سِلْكِ طُولِ بَقاء
لكَ اللهُ مِن خِرْقٍ إذا سالَ غَيْثُه
فما عَذَلُ العُذّالِ غيرُ غُثاء
كأنّ مديحي فيك عِقْدُ مليحةٍ
يَزيدُ بها حُسناً لدى البُصَراء
إذا كان مَدْحُ المرء فوق مَحلِّهِ
فما هوَ إلاّ فوقَ كُلِّ هِجاء
ومَن يلبسِ السّيفَ الطّويلَ نِجادُه
على قِصَرٍ يُسلَبْ لباسَ بَهاء
وقد كنتُ أَرْخَصْتُ القريضَ فقد أبَتْ
عَطاياك إلاّ بَيْعَهُ بغَلاء
أزَرْتُ نظامَ الدين نَظْمَ مَدائحٍ
لنَيْلِ عطاءٍ بعدَ لَيْل عَلاء
حِسانٌ منَ البِيض الّلواتي لصَقلِها
وللطّبْعِ أَذْكَى اللهُ نارَ ذكائي
على أنّني يا مَعدِنَ الفَضْل لا أرى
لديكَ ادِّعاءً غيرَ نَظْمِ دُعائي
وقد عَلمَ الأقوامُ أنّك طالما
تَجاوَزْتَ أقصَى غايةِ العُلَماء
فلا عَقُمَ الدَّهرُ الكثيرُ رِجالُه
ومثْلُك من أبنائهِ النُّجبَاء