يقول الله عز وجل { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)} سورة الزّمر
هذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفدا إلى الجنّة { زُمَرًا } أيّ : جماعة بعد جماعة : المقرّبون، ثمّ الأبرار، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم : الأنبياء مع الأنبياء والصدّيقون مع أشكالهم، والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم، وكل صنف مع صنف، كلّ زمرة تناسب بعضها بعضا. إبن كثير عليه رحمة الله
يقول تعالى ذكره : وَحُشِرَ اْلَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ، بِأَداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا، وأخلصوا له فيها الألوهية، وأفردوا له العبادة، فلم يشركوا في عبادتهم إيّاه شيئا( إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) يعني جماعات، فكان سوق هؤلاء إلى منازلهم من الجنّة وفدا على نجائب من نجائب الجنّة،
عن عليّ رضى الله عنه : أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم، ولا يساقون سوقا، ولكنّهم يأتون بنوق لم ير الخلائق مثلها، عليها رحال من ذهب، وأزمتها الزُّبرجد، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنّة...اللّهم اجعلنا منهم يا أرحم الرّاحمين...آآآمين
وعنه رضي الله عنه قوله ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) حتى إذا انتهوا إلى بابها، إذا هم بشجرة يخرج من أصلها عينان، فعمدوا إلى إحداهما، فشربوا منها كأنّما أُمروا بها، فخرج ما في بطونهم من قذر أو أذى أو قذى، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتوضؤوا منها كأنّما أُمروا به، فجرت عليهم نضرة النعيم، فلن تشعث رءوسهم بعدها أبدا ولن تبلى ثيابهم بعدها، ثمّ دخلوا الجنّة، فتلقتهم الولدان كأنّهم اللؤلؤ المكنون، فيقولون : أبشر، أعدّ الله لك كذا، وأعد لك كذا وكذا، ثمّ ينظر إلى تأسيس بنيانه جندل اللؤلؤ الأحمر والأصفر والأخضر، يتلألؤ كأنّه البرق، فلولا أنّ الله قضى أن لا يذهب بصره لذهب، ثم يأتي بعضهم إلى بعض أزواجه، فيقول : أبشري قد قدم فلان بن فلان، فيسميه باسمه واسم أبيه، فتقول: أنت رأيته، أنت رأيته؟
!! فيستخفها الفرح حتى تقوم، فتجلس على أسكفة بابها، فيدخل فيتكؤ على سريره، ويقرأ هذه الآية ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) ... الآية.
( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) : حتى إذا جاءوا وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها: ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) : أمنة من الله لكم أن ينالكم بعدُ مكروه أو أذى. ( طِبْتُمْ ) يقول: طابت أعمالكم في الدنيا، فطاب اليوم مثواكم.
( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) : الشكر خالص لله الذي صدقنا وعده، الذي كان وعَدناه في الدنيا على طاعته، فحققه بإنجازه لنا اليوم ( وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ ) يقول: وجعل أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو كانوا أطاعوا الله في الدنيا، فدخلوها، ميراثا لنا عنهم. قال ابن زيد، في قوله ( وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ ) قال: أرض الجنة، وقرأ ( أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) .
( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ) يقول: نتخذ من الجنة بيتا، ونسكن منها حيث نحب ونشتهي.
( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) يقول: فنعم ثواب المطيعين لله، العاملين له في الدنيا الجنة لمن أعطاه الله إياها في الآخرة. الطبرى