بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ثبت في صحيح البُخاري[1] بسنده عن أنس بن مالك خادم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه قال: لما رجع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوةِ تبوك ودنا من المدينة قال: «إن بالمدينةِ أقوامًا ما سِرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا وهم معكم»، قلنا يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نعم، وَهُمْ بِالمدينة، حبسهم العُذر» أي حبسهم العُذر المانع شرعًا من أن يلتحقوا بركب المُجاهدين مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته الميامين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وهذا حديثٌ عظيم يدلُّ على أمورٍ عظيمةٍ يا عباد الله فمنها:
1- أن نيةَ العبدِ تبلغُ عند الله مبلغًا ما لا يبلغه عملهُ وإن قل وعملهُ وإن قصُر.
2- وفيهِ أيضًا من القواعد: من قواعد الشريعة رفع الحرج.
• نعم من قواعد الشريعةِ العظيمة رفع الحرج عن العاجز أو عن غير المُستطيع، فهذا فرض الله عَزَّ وَجَلَّ في الحج الذي جعله الله جَلَّ وَعَلَا فرضًا على المُكلفين يسقُط إلى عجز عنه العبد، ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾[آل عمران: 97]، تأملوا كيف أن الله جَلَّ وَعَلَا أناط هذا الفرض العظيم الذي جعله فرضًا واحدًا في العمرِ مرةً واحدة أنه جعله مناطًا بالاستطاعة لمن استطاع إليهِ سبيلًا.
ومن قواعد الشريعة التيسير
في كل أمرٍ نَابهُ تَعسير
• قال الله جَلَّ وَعَلَا ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾[البقرة: 286]، وقال جَلَّ وَعَلَا: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾[الطلاق: 7]، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه»[2]، فلا واجبَ مع العجز عنه ومع عدم القدرةِ عليه، ولا محرمٌ مع الضرورةِ والاضطرار إليهِ يا عباد الله، وهؤلاء في المدينةِ حبسهم العذر من قلةِ الظَهْرِ أو من عجزهم عن أن يلتحقوا بركبِ الجهاد، ومع ذلك كتب الله جَلَّ وَعَلَا لهم أجر المجاهدين وأجر المُجاهدين مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
• وفي هذه الأيامِ يا عباد الله، وهذا شأن الناس مع هذا الوباءِ والفيروس، وجَّه قادتكم في هذه البلاد والمُناط بهم أمر الشرع في إقامته، وأمر الديانةِ في تحقيقها وبسطها، وهم المسؤولون أمام الله ثم أمام عباد الله بإقامة شعيرة الحج، فإنه لأجل مراعاةِ حفظِ الأنفُس وحفظ النفس بل وحفظ الدين؛ جعلوا قرار الحج في هذا العام قرارًا غيرَ معطَّلة وهذا مما يُحمدوا عليهِ ويُشكروا، كما جعلوه في أعدادٍ محدودة تحقيقًا لهذه الشعيرة ورفعًا للحرجِ عن العباد، فمن كان مُستطيعًا لأداء الحج فتيسر له ذلك فالحمد لله، وإلا فإنه معذورٌ بعُذر الله عَزَّ وَجَلَّ له بأنه لم يستطع إليهِ سبيلًا وهي مسؤولية ولي الأمرِ في هذا البلد الذي يقوم بأمرِ الحجيج ورعايةِ شؤونهم وحفظِ أمنهم وأمانهم، ومن ذلك براءتهم من هذه الأدواء والأوباء؛ فاحمدوا الله عباد الله، احمدوا الله على هذه الشعيرة وعلى هذه الشريعة التي ما تركت خيرًا إلا ودلتنا عليه، ولا شرًا إلا وحذرتنا منه.
• نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارا.