بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قسَماً منّي بأيام الصَّفاء
وبجَمْع الدّهرِ شَمْلَ القُرناءِ
وبتأميلِيَ منهم عودةً
لا أطعْتُ الشّوقَ في طُولِ البكاء
إنمّا أَذْخرُ عيْني لغَدٍ
إنْ قَضى اللهُ بوَشْك الالتقاء
ليسَ يشفى غيرُ عيني عِلَلي
إنْ تدانى الحَيُّ من بعدِ التّنائي
خَلِّها تَثْنِ إليهم نّظْرةً
ثمّ هَبْها عندهم للبُشَراء
لو يُفادّون بعُمْري منهمُ
يومَ وصلٍ لم يكنْ غالِي الفداء
أصفياءٌ كَدَّروا عيَشْي نوى
كيف يصْفو العيشُ دونَ الأصفياء
كم تجلَّدْتُ وما بي جَلَدٌ
وتصنّعْتُ وقد عَزَّ عزائي
جاحِداً وَجْدي بهم من حَذَرٍ
حين تَرميني عيونُ الرُّقَباء
وإذا ما سَبقتْني عَبرةٌ
عندهم غطَّيتُ وجْهي برِدائي
وإذا اليأسُ أَعَلَّ القلبَ لي
قلتُ للقلبِ تَعَلّلْ بالرّجاء
فأدالَ اللهُ من جَورِ النَّوى
بدُنُوِّ الدّارِ بعد العدواء
وانتَهى الحالُ إلى أن واصَلوا
فتَواهَبْنا بِداياتِ الجفَاء
سال من عَطْفِهمُ أوديةٌ
حَملَتْ كُلَّ جَفاءٍ كالجُفاء
لستُ أنسى يومَ بانوا جيرتي
ووُقوفي واجِماً في خُلَطائي
وسؤالي كُلَّ رَكبٍ عَنَّ لي
عنهمُ عند رَواحٍ واْغتداء
وانتِظاري لخيالٍ منهمُ
زَورةً بين صباحي ومسائي
ومَبيتي ساهراً مُرتفِقاً
بالفلا والنِّضْو مَعقولٌ إزائي
ونجومُ اللَّيلِ يَجْلو بينها
غُرةَ البدرِ لنا فَضْلُ الضياء
كبني هاشمٍ الغُرِّ وقد
أحدقُوا حول نقيبِ النُّقَباء
وبدا بدْرَ سماحٍ كاملٍ
بالعُلا إن لم يكنْ بَدْرَ سَماء
مَن رأى يوم تَجَّلى والورى
ناِصبُو أَعناقهم للاجتلاء
وعليه حُلّةٌ مَنسوجةٌ
من أَناسِيِّ عيونِ الأولياء
فوقَ طِرْفٍ يَسْرِقُ الطَّرفُ له
عزّةً كُلَّ عظيمِ الكِبْرياء
مُرْتَدٍ عَضْباً يُحاكِي رأْيَه
إن نضاهُ عند خَطْبٍ في المَضاء
ومن اللهِ عليه هَيبةٌ
في عيونِ النّاسِ شِيبَتْ ببهاء
والفتى من دَهَشٍ مُقْتَسَمٌ
حيث للخلْق ضجيجٌ بالدُّعاء
فيدٌ تُومي وقلبٌ فرِحُ
وفمٌ داعٍ وَطرْفٌ منه راء
يُبصِرون الغيثَ واللّيثَ معاً
والحَيا والشّمسَ من غيرِ امتراء
ويُحَيّون هُماماً ماجداً
بِشْرُه للوَفْدِ عُنوانُ السَّخاء
سابَقَ الآباءَ في شوْطِ العُلا
فهْو إن خاشَنْتَه صَعْبُ الإباء
قَسَّمَتْ أفئدةَ النّاسِ له
راحتاهُ بين خوفٍ وارْتجاء
هاشِمي عاقد حبوتَه
في ذُرا بيتٍ رَبوبِيِّ البِناء
يهبطُ الوحْيُ على سُكّانِه
فهمُ للهِ أهلُ الاصطفاء
بالهُداةِ الأُمناء انتظمَتْ
حافَتاهُ والملوكِ العُظماء
أيَّ سبْقٍ سبقُوا نحو العُلا
واقتفى آثارَهم أيَّ اقتفاء
ملِكٌ أصبح مَحذورَ السُّطا
مُرتجَى النّائلِ مأهولَ الفِناء
قد نَمتْه دَوحة من فَرْعها
شُعبةٌ مُثمِرةٌ بالخُلفَاء
من أبيهِ الحَبْرِ فيه شَبَهٌ
في بيانٍ وسَماح ودَهاء
يَضَعُ الأشياء في مَوضِعها
مِثْلما باشَرْتَ نُقباً بِهناء
شارعُ ديِنَ ندىً إعجازُهُ
أنمُلٌ تَنبَعُ فينا بالعَطاء
ذوُ بُدُو بعضُ أسابِ الّذي
ظَلّ يأتيهِ وبعض ذو خَفاء
ليس بالمسؤولِ عن أفعاله
بل على الأقوامِ حُسْنُ الاقتداء
ليس يَعْرى من جلابيبِ العُلا
عند مَيْلٍ منه أو عنْدَ استواء
وكذاك النّجمُ في أفلاكه
كيفما دار قَرينٌ للعلاء
كعبةٌ للمجدِ يُومي نحوَها
كُلُّ مَن في الأرضِ من دانٍ وناء
إنْ تَزُرْهُ تَر كفّاً كالحَيا
حين يُمتاحُ ووجْهاً ذا حَياء
هو كالطَّودِ وقاراً في الحُبا
وهْو كالجَودِ بِداراً بالحِباء
تَقْصُرُ الأنجُمُ عن آرائه
إن حكَتْها في سناً أو في سَناء
وبذاك النّطَرِ السّامي له
فاق في الآفاقِ كُلَّ النّظراء
وأميرُ المؤمنين اختَصَّه
من بنى الدّهرِ بقُرْبٍ واجتِباء
يحَمد النّاصحُ مَن كان ولا
مثْلَ حَمْدِ النصَحاء النُّسَباء
لم يَنَلْ ما قد تَمنّى كاشحٌ
داخلٌ ما بين عُودٍ ولِحاء
وإذا الأحبابُ بالوَصْلِ اكتَفَوا
نُبِذ الواشون نَبْذاً بالعَراء
إن تَسلْني عن زماني وأنا
ذو اخْتبارٍ لبنيهِ وابتلاء
فَعليٌّ لك يا عَمْرو العُلا
منتهَى بحرِ بنيك النُّجباء
هاكَها من رائق الشِّعرِ وإن
لم يكَدْ يَسلُكُ نهْجَ الشعَراء
يَشعَرُ الدّهْرَ ويَقْضي مُبدعاً
ما لشعرٍ منه قدْحٌ في قَضاء
مَدْحُه الدّهْرَ لقومٍ مَدْحُهم
مَحْضُ صدقٍ لم يِشِنْهُ بافْتراء
بكُمُ يا آل عبّاسٍ يُرى
من صُروفِ الدّهر ما عشتُ احتمائي
لم أزَلْ أشْفعُ فيكم طارِفاً
من مَديحي بتليدٍ من وَلائي
إنْ نشَرْتُم فعَنِ الشُّكرِ لكُم
أو طَويتُم فعلَى الوُدّ انطوائي
وإذا المَدْحُ سَرى في جَحْفلٍ
فأنا الحاملُ فيهِ للّواء
بقَريضٍ كلّما حَبرتُه
هزّ أعطافَ المُلوكِ الكُرَماء
قلتُ والرّكْبُ بأجوازِ الفَلا
عيسُهمُ مُنتعلاتٌ بالنَّجاء
بَكّروا والصُّبْحُ في طَيِّ الدُّجَى
وجْهُ حسناءَ حَييٌ في خباء
وحُداةُ العيسِ يَنفون الكَرى
ويُطيرون المَطايا بالحُداء
كُلُّ وجناءَ إذا ما طَرِبوا
عَطّتِ البيدَ بهم عَطَّ المُلاء
وإذا ما ادّرعَتْ هاجِرةً
جُعِلَ الظِّلُّ لها مثْلَ الحذاء
الرِّضَا يا حاديَ العيسِ الرِّضا
فَلَقَصْديهِ من النّاس ارتضائي
هو أكفَى الخَلْقِ للوفْدِ ندىً
وبه أيضاً عنِ الخَلْقِ اكتفائي
بل لذي الفَخْريْنِ نفسٌ كبُرتْ
منه عِزّاً في جُدودٍ كُبَراء
حَضْرةٌ منك تَحَلَّى جِيدُها
بنظامٍ هو مأْمون الوَهاء
وارتقَتْ في دَرَجِ العِزّ إلى
حيثُ لا يُوجدُ فَضْلٌ لارتقاء
إن يكن فَخْرُكَ في الوهْم انتَهى
فلْيَطُلْ عُمْرُك من غير انتهاء
عِشْ لطُلاب المعالي قُدوةً
بك يُبدون اقتداءً لاهتداء
هذه دولةُ مَجْدٍ وعُلاً
جَمعتْ بالجودِ شَمْلَ الفُضَلاء
أصْبَحَتْ مَنصورةً راياتُها
إذْ رَعتْها منك عَيْنُ الاعتناء
وبك استغنَتْ فلم تُبقِ لها
حاجةً يوماً إلى غيرِ اكتفاء
فلها فابْقَ يَميناً أبَداً
مُغْنياً في نَصْرِها كُلَّ الغناء
يا يميناً لو دعتْ كُل الورى
بشِمالٍ لغَدوا دونَ الوفاء
لا يَزلْ جوُدك يَجلوك لنا
في سوارٍ صيغَ من حُسْنِ الثّناء