بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
خلافة المعتصم
(218-227هـ - 833-842م)
تولى "المعتصمبالله محمد بن هارون الرشيد" الخلافة بعد أخيه المأمون، لقد بويع له بالخلافة يوم مات أخوه المأمون بـ"طرسوس".
بناء سامرَّا:
فى سنة 221هـ بنى المعتصمدينة "سُرَّ مَنْ رَأَى" أو "سَامِرَّاء"؛ وذلك أن بغداد ضاقت بكثرة الغلمان الترك الذين جلبهم المعتصم، فاجتمع إليه رجال من بغداد، وقالوا: إن لم تخرج عنا بهذاالجند حاربناك. قال: وكيف تحاربوننى؟ قالوا: بسهام الأسحار. قال: لا طاقة لى بذلك،فكان ذلك سبب بنائه "سر من رأى" وإقامته بها.
فتح عمورية:
ولا ينسى التاريخ للمعتصم "فتح عمورية" سنة 223هـ/ 838م، يوم نادت باسمه امرأة عربية على حدود بلاد الروم اعتُدِىَ عليها، فصرخت قائلة: وامعتصماه! فلما بلغه النداء كتب إلىملك الروم: من أمير المؤمنين المعتصم بالله، إلى كلب الروم، أطلق سراح المرأة، وإنلم تفعل، بعثت لك جيشًا، أوله عندك وآخره عندى. ثم أسرع إليها بجيش جرار قائلا: لبيك يا أختاه!
وفى هذه السنة (223هـ) غزا الروم وفتح "عمورية"، وسجل أبو تمام هذا الفتح العظيم فى قصيدة رائعة.
هذا هو المعتصم رجل النجدة والشهامة العربية،كتب إليه ملك الروم كتابًا يتهدده فيه، فأمر أن يكتب جوابه، فلما قرئ عليه لم يرضه،وقال للكاتب: اكتب.
بسم الله الرحمن الرحيم.. أما بعد، فقد قرأت كتابك، والجوابما ترى لا ما تسمع: (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) [الرعد: 42].
قال إسحق الموصلى: سمعتُه يقول: من طلب الحق بما هُو له وعليه؛ أدركه.
مواجهةالثورات:
لقد تحركت فى عهده ثورات: ثورة الزط، وهم قوم من السند (باكستانوبنجلاديش الآن)، وانضم إليهم نفر من العبيد فشجعوهم على قطع الطريق، وعصيان الخليفة، وكان ذلك سنة 220هـ/835م؛ حيث عاثوا بالبصرة فسادًا، وقطعوا الطريق ونهبوا الغلات، فندب "المعتصم" أحد قواده بقتالهم وانتصر عليهم.
وكانت هناك طائفة أخرىتسمى "الخُرَّمية" تنسب إلى أحد الزنادقة، ويسمى بابك الْخُرَّمى، وانضم خلق كثيرمن أهل فارس حول هذا الشيطان اللعين، وكان أول ظهور لهم سنة 021هـ، واستفحل أمرهم،فلما صار الأمر إلى المعتصم سنة 220هـ/ 835م، أخذ فى إصلاح ما أفسده الخرمية بقيادةالأفشين حيدر بن كاوس، فتمكن من الانتصار عليهم، وجىء بزعيمهم بابك إلى المعتصم فأمر بقطع يدى بابك ورجليه، ثم جز رأسه وشق بطنه لعنه الله. لقد قتل من المسلمين فىمدة ظهوره مائتى ألف وخمسة وخمسين ألف وخمسمائة إنسان، وأسر خلقًا لا يحصون، وأباح الحرمات، ونكاح المحرمات.
وثار أحد العلويين بـ"الطالقان" من "خراسان" وهو محمدبن القاسم بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، فقاتله عبد الله ابن طاهر مرة بعدأخرى حتى قبض عليه وسيق إلى السجن.
وهكذا كانت تقوم ثورات ويقضى عليها، ولكن ذلكلم يمنع المعتصم من الاهتمام بالعمران والبناء فبنى مدينة سامرّا أو (سر من رأى) بشرقى نهر دجلة، ومد إليها نهرًا سماه نهر الإسحاقى.
وعندما احترقت "سوق الكرخ" عوض التجار عن خسائرهم، واهتم بالبريد فى أيامه حتى أصبحت الرسائل تصل بسرعة أكثرمما كانت عليه من قبل.
الاستعانة بالترك:
وإذا كان سابقوه من الخلفاءقد استعانوا بالفرس، فإن المعتصم كان محبّا للعنصر التركى، حتى اجتمع له منهم أربعةآلاف جندى، وأقطعهم الإقطاعات الكبيرة فى مدينة سامرّا حتى لايضايق أهل بغداد، وكماكان للفرس دورهم فى حياة الدولة العباسية منذ نشأتها فإن العنصر التركى أصبح لهدوره.
رحمه الله، لقد كانت خلافته ثمانى سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، وهوثامن الخلفاء من بنى العباس، ومات عن ثمانية بنين وثمانى بنات، وتولى الخلافة سنةثمان عشرة ومئتين، وفتح ثمانية فتوح فكان يلقب بالمثمن، وكان طيب النفس، ومن أعظم الخلفاء وأهيبهم.
بحث وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي