"من شر ما خلق": " أي من شر خلقه إطلاقا وإجمالا . وللخلائق شرور في حالات اتصال بعضها ببعض . كما أن لها خيرا ونفعا في حالات
أخرى . والاستعاذة بالله هنا من شرها ليبقى خيرها . والله الذي خلقها
قادر على توجيهها وتدبير الحالات التي يتضح فيها خيرها لا شرها ! "
و " قال بعض الأفاضل: هو عام لكل شر في الدنيا والآخرة وشر
الإنس والجن والشياطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب
والهوى وشر النفس وشر العمل وظاهره تعميم ما خلق بحيث يشمل نفس
المستعيذ"
ولقد" زود الله كل حي بما يجعله يختار جانب الخير ، و يحاذر جانب
الشر من نفسه و من الخلق المحيط به ، و الإنسان بدوره مزود بالوحي و
العقل و الغريزة لكي يتجنب الشر و الاستعاذة بالله صورة من صور
الحذر من الشرور"
ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ من أشياء كثيرة،
نذكر منها مثلاً: ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ
عَذَابِ الْقَبْر،ِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّال،ِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا
وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا
أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ! فَقَال:"َ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ
فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ "
وكان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يلتجئون و يعتصمون
ويستجيرون بالله من أنواع الشرور المختلفة؛ فهذا إبراهيم عليه السلام
يطلب من ربه أن يبعده وأبنائه من شر عبادة الأصنام، التي أضلت الكثير
من البشر"وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن
نَّعْبُدَ الاَصْنَامَ" {إبراهيم:35}
وهذا يوسف عليه السلام يلتجئ إلى الله من شر مكر النساء اللواتي
أردن به الكيد والوقوع فيما يسخط الخالق" قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ
مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ وَأَكُن مِنَ
الْجَاهِلِينَ" { يوسف:33} وغير ذلك
الشر الثاني: "غاسق إذا وقب"
قالوا :"الغسق : شدة الظلام ،
و الغاسق : هو الليل أو من يتحرك في جوفه،
والوقب : الدخول،
قال ابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، والحسن، وقتادة،
أنه الليل إذا أقبل بظلامه" والمقصود هنا - غالبا هو الليل وما فيه .
الليل حين يتدفق فيغمر البسيطة . والليل حينئذ مخوف بذاته . فضلا على
ما يثيره من توقع للمجهول الخافي من كل شيء:من وحش مفترس يهجم .
ومتلصص فاتك يقتحم . وعدو مخادع يتمكن . وحشرة سامة
ومن ظاهر وخاف يدب ويثب , في الغاسق إذا وقب !"
قال الرازي: "وإِنما أُمر أن يتعوذ من شر الليل، لأن في الليل تخرج السباع
من آجامها، والهوام من مكانها، ويهجم السارقُ والمكابر، ويقع
الحريق، ويقل فيه الغوث"
ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام المسلم أن يمشي في الليل وحده:فعن
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:" لَوْ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِنْ الْوِحْدَةِ؛ مَا سَرَى رَاكِبٌ بِلَيْلٍ يَعْنِي
وَحْدَه ُ"
الشر الثالث" النفاثات في العقد"
والنفاثات: "السواحر الساعيات بالأذى عن طريق خداع الحواس , وخداع
الأعصاب , والإيحاء إلى النفوس والتأثير والمشاعر . وهن يعقدن العقد في
نحو خيط أو منديل وينفثن فيها كتقليد من تقاليد السحر والإيحاء !
والسحر لا يغير من طبيعة الأشياء ; ولا ينشئ حقيقة جديدة لها .
ولكنه يخيل للحواس والمشاعر بما يريده الساحر ."19
وقد شنّ الإسلام على السحر حرباً ضروساً لا هوادة فيها، يقول تعالى
فيمن يتعلمون السحر: "ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم"{ البقر102}.
وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم السحر من كبائر الذنوب الموبقات،
التي تهلك الأمم قبل الأفراد، وتردي أصحابها في الدنيا قبل الآخرة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" اجْتَنِبُوا
السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ
وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ
،وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ."20
"وقد اعتبر بعض فقهاء الإسلام السحر كفرا، أو مؤديا إلى الكفر،
وذهب بعضهم إلى وجوب قتل الساحر تطهيرا للمجتمع من شره.
وكما حرم الإسلام على المسلم الذهاب إلى العرافين لسؤالهم عن
الغيوب والأسرار حرم عليه أن يلجأ إلى السحر أو السحرة لعلاج مرض
ابتلي به، أو حل مشكلة استعصت عليه،
فهذا ما برئ رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، قال: "ليس منا من تطير
أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له".
فالحرمة هنا ليست على الساحر وحده وإنما هي تشمل كل مؤمن
بسحره مشجع له، مصدق لما يقول.
وتشتد الحرمة وتفحش إذا كان السحر يستعمل في أغراض هي نفسها
محرمة، كالتفريق بين المرء وزوجه، والإضرار البدني، وغير ذلك مما
يعرف في بيئة السحارين. "
فإن السحر داء خفي ومستتر يحتاج إلى علاج خاص