النقاب" تنكير المعروف!
بصراحة، وأكيدة أن المسؤولين في الأجهزة المختصة سيتفهمون صراحتي؛ لأنها من مواطنة تحب هذه الأرض التي تعود إليها جذوري لمئات السنين؛ فلكي لا نعود إلى الوراء عشرات الخطوات بمنطق الحوار الذي يؤصله مبدأ الاختلاف الفقهي، بترا للغلو الفكري الذي يحدده سلوك ديني واحد يقصي غيره وهو ما يتنفسه الإرهاب ومن ضل سعيهم؛ علينا رصد أنفاس التطرف الممقوت حين يمارس على مستوى بعض الأجهزة الرسمية؛ حتى لا تصبح منبتا ومرجعا لمن يهددون أمننا.
هناك خبران مهمان نشرا خلال يومين متتابعين في صحيفة الوطن يعززان موقفا متشنجا ومتطرفا من النقاب؛ الأول عن طالبات مدرسة نجران الثانوية التي سلبتهن مديرتهن ومعلماتهن المتطرفات براقعهن بحجة أنه حرام والواجب سدل غطاء غليظ يحجب أعينهن؛ ما جعلهن يخرجن كاشفات وجوههن وأخريات بأغطية خفيفة، أما الثاني فهو عن تحول المجني عليه في محكمة حائل من مطعون العيون إلى مجلود لثلاثين جلدة، ومن مجني عليه ومدافع عن زوجته إثر منعه عضو الهيئة مضايقتها إلى مضايق للنساء في السوق هو وقريبه رغم شهادة الشاهد بغير ذلك؛ فيما تتحول "تهمة" الجاني عضو الهيئة من طعن ومشاجرة إلى تهمة ليس محلها محكمته بل ديوان المظالم؛ فسبحان الله؛ إن لم تكن جريمة الطعن بالسكين محلها المحكمة، فإذن لا مانع من حمل السكاكين والتهجم على الآخرين؛ إنه أمر يدعو للاستغراب؟!
ما أشير إليه هنا وفي الخبرين أن يصل تعامل جهازين من أهم الأجهزة الحكومية، وهما التعليم والقضاء في محاولة تنكير المعروف إلى مستوى كهذا؛ فجميعنا يعرف تماما أن مسألة تغطية الوجه من كشفه مسألة خلافية؛ وأن ثلاثة مذاهب فقهية سنية ذهبت إلى جواز كشف المرأة وجهها؛ ورغم هذه الفسحة الفقهية في جواز كشف المرأة وجهها أطل علينا النقاب حلا وسطا بين الكشف والتغطية؛ وهو عادة بدوية مارستها نساء الأعراب قبل الإسلام؛ ثم انتقل بالعادة والعرف إلى الإسلام؛ ولو كان واجبا أو محل فضل لما نهى الرسول عليه الصلاة والسلام النساء عن النقاب في الحج والعمرة؛ ومع هذا ينبغي ألا يكون محل إصرار أو رفض؛ بل محل اختيار؛ فمن أرادت أن تنتقب فلها ذلك، ومن أرادت أن تحتجب فلها ذلك، ومن أرادت كشف وجهها فلها ذلك؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام تركنا على المحجة البيضاء وديننا واضح بجلاء.
وأعود للخبرين؛ كيف يمكن تبرير تصرف كهذا في هذين الجهازين تجاه النقاب؟! فحين يتحول الموقف من ممارسة أفراد إلى فعل رسمي يوجبه التعليم ويحاسب عليه القضاء؛ لإقصاء الاختلاف الفقهي والتنوع الذي تحاول الحكومة تأصيله في المجتمع دفعا بما يقارب 28 مليون نسمة في هذا البلد المعطاء إلى التسامح والتعايش تحقيقا للتنمية الفكرية الاجتماعية؛ فإن هذا ينبغي الوقوف عليه أيضا رسميا؛ حتى لا نستعيد المثل "كأنك يا أبو زيد ما غزيت" والله المستعان.
:::::::::::::::::::::::::::
منقول