ينبغي أن يلاحظ الفقير فيما جاءه ثلاثة أمور : نفس المال ، وغرض المعطي ، وغرضه في الأخذ .
أما نفس المال : فينبغي أن يكون حلالا خاليا عن الشبهات فإن كان فيه شبهة فليحترز من أخذه .
وأما غرض المعطي : فلا يخلو إما أن يكون غرضه تطييب قلبه وطلب محبته وهو الهدية ، أو الثواب وهو الصدقة والزكاة ، أو الذكر والرياء والسمعة .
أما الأول وهو الهدية : فلا بأس بقبولها فإن قبولها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن ينبغي أن لا يكون فيها منة ، فإن كان فيها منة فالأولى تركها ، فإن علم أن بعضها مما تعظم به المنة فليرد البعض دون البعض .
الثاني : أن يكون للثواب المجرد وذلك صدقة أو زكاة ، فعليه أن ينظر في صفات نفسه : هل هو مستحق للزكاة ؟ فإن اشتبه عليه فهو محل شبهة . وإن كانت صدقة وكان يعطيه لدينه فلينظر إلى باطنه : فإن كان مقارفا لمعصية في السر لو علمها المعطي لنفر طبعه ولما تقرب إلى الله بالتصدق عليه ، فهذا حرام أخذه ، كما لو أعطاه لظنه أنه عالم أو علوي ولم يكن ، فإن أخذه حرام محض لا شبهة فيه .
الثالث : أن يكون غرضه السمعة والرياء والشهرة فينبغي أن يرد عليه قصده الفاسد ولا يقبله إذ يكون معينا على غرضه الفاسد .
وأما غرضه في الأخذ : فينبغي أن ينظر أهو محتاج إليه فيما لا بد له منه أو مستغن عنه ، فإن كان محتاجا إليه وقد سلم من الشبهة والآفات التي ذكرناها في المعطي فالأفضل له الأخذ ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " من أتاه شيء من هذا المال من غير مسألة ولا استشراف فإنما هو رزق ساقه الله إليهفلا يرده " فأما إذا كان ما أتاه زائدا على حاجته فلا يخلو إما أن يكون حاله الاشتغال بنفسه أو التكفل بأمور الفقراء والإنفاق عليهم لما في طبعه من الرفق والسخاء ، فإن كان مشغولا بنفسه فلا وجه لأخذه وإمساكه ، وإن كان متكفلا بحقوق الفقراء فليأخذ ما زاد على حاجته ؛ فإنه غير زائد على حاجة الفقراء وليبادر به إلى الصرف إليهم . وبالجملة فالزيادة على قدر الحاجة إنما تأتيك ابتلاء وفتنة لينظر الله إليك ماذا تعمل فيه ، وقدر الحاجة يأتيك رفقا بك فلا تغفل عن الفرق بين الرفق والابتلاء ، قال الله - تعالى - : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) [ الكهف : 7 ] .