المقدمة :
الحمد لله أرشد وهدى، ووفق من شاء من عباده إلى طريق الهدى، ومن أضل فلن تجد له ولياً مرشداً، أحمده سبحانه وأشكره، لا تحصى آلاؤه عدداً، ولا تنقطع فضائله مدداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا أشرك به أحداً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، كرم رسولاً، وشرف محتداً، وبارك عليه، وعلى آله أنوار الدجى، وأصحابه مصابيح الهدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان صلاةً وسلاماً وبركاتٍ دائمات أبداً سرمداً.
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واحذروا ضياع العمر في غير طاعة، وخافوا من التسويف، فالتسويف بئست البضاعة، فكم من مؤملٍ لم يبلغ ما أمله، وحيل بينه وبين ما كان يرجو عمله، دارت عليه رحى المنون، كم منصوح وهو معرض بات على تفريطه نادما، يتمنى الرجوع فلا يقدر: قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100]
الالتزام بالقرآن والسنة أعظم ميزة تختص بها الجماعة المسلمة. وهذه الميزة توحد الأمة في الفكر، والعاطفة، والروابط، والمسير، والهدف ، وتحول دون أن تتلاعب بها الأهواء وتعصف بها التيارات وتفتك بها عوامل التفرقة والشتات.
ومن الواضح جداً أنّ الأمة الإسلامية كانت موحدة بقدر ما كانت ملتزمة بالقرآن والسنة ، ثم دب فيها الشقاق واتسع باتساع دخول "البدع" فيها.
يقال أن من يكن له في بدايته احتراق لم يكن له في نهايته إشراق، ومن جدَّ في شبابه ساد في شيخوخته. ويقال أيضا أن النملة تكرر الصعود ألف مرة , والنحلة تذهب كرَّة بعد كرَّة , والذئب من أجل طعامه هجر المسرَّة "الاخت دانه "
إن الأمة تمر في حالها الراهنة بأوضاع من الضعف والتشتت، وظلام الطريق، بينما يمر آخرون بموجات من الاستعلاء والقوة، ونزعات التفرد، إن كل ذلك على ظلامه وبأسائه يشير إلى أفقٍ مضيء ، وسبيل عامرٍ بالأمل بإذن الله.
أيها المسلمون :
-إن من دلائل الرشد والفقه استيعاب الأزمة وتوظيف دروسها لإحياء الأمة، وبنائها بنفسية عزيزة وثابة من غير ضعف أو خور.
إن من الحق والحكمة الاعتراف بأن الهزائم قد تكون لازماً من لوازم بناء الأمم، من أجل القضاء على سور الاسترخاء، ومظاهر الترف والفسق، ومن أجل الدربة على تحمل الظروف القاسية، وزوال الطبقات الهشة، من أجل الوصول إلى القواعد الصلبة.
وقد تكون الهزائم أكثر ملازمة عندما تسود في الأمة الأمراض الاجتماعية، ويحكمها الظلم، وتشتد المظالم، وتهمل الحقوق، ويفسق المترفون، ويكثر الخبث، فتكون الهزيمة عقوبة.
وتسلط الأعداء بلاء لتستيقظ الأمة وتتوجه نحو العلاج فيكون التمحيص، وتكون التنشئة على الفكر والمسيرة مبصرة، وحينئذٍ يستقيم المسار بإذن الله.
أيها المسلمون:
-الأمة لا شك بحاجة إلى إعادة ترتيب أمورها، ودراسة أوضاعها بعمق، دراسةً تتفهم المتغيرات، وإنها لمتغيرات كبيرة، طغت على ساحاتها السياسية والاقتصادية والفكرية وغيرها، مدركةً إمكاناتها، مكتشفةً مكامن قوتها وتأثيرها.
أخواني الأفاضل أخواتي الفضليات نحن أمة قال عنا الله جل وعلا في محكم كتابه العظيم :
" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ "
ويقول الله جل وعلا في محكم كتابه الكريم {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41].
ويحُثٌنا الحبيب الذي لا ينطق عن الهوى في أحاديثه الشريفة : أحرص على ما ينفعك ، و (بادروا بالأعمال) و (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ).
اسمع للفظة سابقواْ أو سارعواْ *** جاءت بنص الوحي في القرآنِ
ويقول أحمد : بادروا بل فاغتنمْ *** خمساً رواهُ أحمد الشيباني
والمؤمن الشهم القوي أحبُ من *** عبد ضعيف خائر الأركانِ "الأخت دانه "
إخواني وأخواتي : كانت أمتنا وما زالت بإذن الله ترفدنا برجال هم مصابيح في الظلام ومعارج للرفعة فمنهم من صام وقام وواصل ليله بالنهار وسطع ولمع وهجر الكرى وجد في السرى فأتى بالعجب العجاب. "الأخت دانه "
فمن أجل تلمس طريق المعالجة -معاشر المسلمين- لا بد من التأكيد على أن أولى الأوليات أن تعلم الأمة علم اليقين أنها لن ترتفع لها راية ، أو يعلو لها شأن إلا بصدق الإيمان ، ونقاء التوحيد ، وصفاء الإخلاص ، إيمانٌ يستنير به القلب ، وتستقيم به الجوارح ، وهذا لا يكون إلا بتربية جادة ، وإنك لتحزن حينما لا ترى إلا آثار تربية هشة ، وأن طاقات الأمة تستنزف في أمور تذهب بحلاوة الإيمان ، وتضعف جذوته ، وكيف يتصور التطلع إلى النصر بنفوسٍ لم تذق حلاوة الإيمان: {ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً، وبالإسلام ديناً }.
كما يجب التأكيد: أن الطريق الصحيح ومنهج التصحيح، في مواجهة ضغوط الخارج وتحدياته ، ليس بالاشتغال بالرد عليها فقط ؛ مما قد يجر أو جر إلى معارك خاسرة ، ولكن الإصلاح الحقيقي ، والتصحيح الجاد، يتمثل في التوجه نحو الداخل وتصفيته وتنقيته:
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120]
لا شك أن كل منا يسعى ويجاهد يطور ذاته
لنتفق في البداية أن يكون شعارنا :
إذا هبت رياحـــك فاغتنمهـــا * * * فإن الخافقات لها سكـــــون
وإن ولدت نياقــك فاحتلبهـــا * * * فلا تدري الفصيل لمن يكون
ولكن حذار من التمني فالتمني قاتل للهمة والتطور
وما نيــــل المطالــــب بالتمنـــي
ولكــن تؤخذ الدنيـــا غلابـــــــــاً
قال – -: "إنما العلم بالتعلم".
لا يخلو زمان أو مكان من أصحاب الهمم العالية الذين ضربوا أجمل الأمثال بعلو همتهم وصاروا منارات للناس ونماذج يحتذى بها في علو الهمة.. والمواقف والمشاهد التي تشهد بهذا كثيرة ووافرة فإليكم ما يوافق ذلك ويشهد عليه..