في الآونة الأخيرة باتت تتنافس شركات الإتصالات على استقطاب أكبر كمية من المستخدمين
وذلكَ من خلال العروض المخفّضة والمغرية
الأمر الذي أثار شغف البعض وحنق البعض الآخر
ففي الوقت الذي كانت الإتصالات تُجرى فيه لتحقيق هدفٍ ما أو إيصال معلومة ما
باتت ضرباً من ضروب التسلية وملء الفراغ بالنسبة لكثيرٍ مِمّن لايجدون ما يملئون به فراغهم
وأذكر على سبيل المثال، إحدى شركات الإتصالات في الدولة التي أعيش بها، قامت بإنشاء عرضٍ خاص لطلاب الجامعات
- من باب الهدية، أو من باب تسهيل المصاريف على الطلاب الجامعيين -
بحيثُ تصبح الإتصالات التي تجرى من داخل الحرم الجامعي مجانية، بغضّ النظر عن الوقت والمدة ..!!
الأمر الذي أراه وقد سَاهم في ضياع وقت الكثير من الطلاب
وإنشغال البعض ممّن لا يدركون قيمة ما يدرسون، وحُرمة المكان الذي يجلسون فيه
فمن بعض المشاهد التي كثيراً ما حزنتُ لأجلها:
أحدهم يتخذ مقعداً خلفياً بعيداً عن أنظار الأستاذ المُحاضِر، لينشغل بإجراء مكالمة مع
أحدهم أو إحداهن ربما، على بُعد أمتارٍ في محاضرةٍ أخرى ..!
وكأن الحديث لاينتظر
ففي حين كنا في السابق نلتقي باصدقائنا في مكانٍ معيّن تعارف وجودنا فيه، لمدة سنوات
من دون أن نجري أي اتصال حيثُ كان ذلكَ أمراً بديهياً دوماً
بِتنا الآن نتحدث بين كل خطوة وأخرى، لنؤكد على بعضنا ضرورة الإلتقاء فيه ..!!
على الرغم من يقيننا بأن لا ضرورة تستدعي إجراء مثل هذه الإتصالات
وقِس على ذلكَ أموراً كثيرة بِتنا نُجريها أنا وأنتَ وهو وهي يومياً
فكلّ تحركاتنا باتت مرهونةً بإتصالات تفيد بها
في حين أن كلٌ يعرف طريقه ووجهته، وطريق ووجهة الآخر ..!
هو مجرّد كلام .. لاضرورة منه
فالضرورة التي تستدعي أن أُجري اتصالاً هاتفياً، هي بالتأكيد ضرورة لن تتعدى الربع ساعة، حتى لو كانت صلة رحم
لأن الكلام سيبقى محصوراً ومحدوداً في إطارٍ معيّن
هناكَ عبارة سمعتها كثيراً، من عدة أشخاص، كلّما شَرعتُ في التعليق على هذا الأمر وهي:
" اللي ببلاش كتّر منه "
أي ما يأتينا بالمجّان، فلنُكثِر منه
وهذا هو الحاصل فعلاً
فالبعض باتَ يروّض تفاهته وسخافته من خلال هذه الإتصالات والرسائل المجّانية
أتساءَل مثلاً .. هل لو قامت شركة أدوية أو أسلحة، بتوزيع بضاعتها بالمجان، هل سنقوم باستغلال ما يوزّع واستعماله لمجرّد أنّه بالمجان
دون حسابٍ إن كانت حاجتنا له ضرورية أم لا ..؟!
ودون حسابٍ لتاثير هذا الأمر علينا ..؟!