هناك رسالة صامتة تنطق بما يجول في داخلنا، وقد تكون في أغلب الأحيان ترجمانا فعليا لما في داخلنا، هذه هي رسالة الأخلاق، فالإنسان بأخلاقه رسالة سامية، فهو يستطيع بأخلاقه العالية أن يكسب قلوب الناس، ويستطيع أن يكون عضوا فاعلا في المجتمع الذي يعيش فيه من خلال الأخلاق السامية التي يتمثلها.
فليس هناك من تأثير أبلغ من الأخلاق في كسب مودة الناس، والتأثير فيهم من خلال السلوك الذي نطبقه عمليا في واقع حياتنا، والمتأمل لتاريخ الدعوة الإسلامية يجد أن الدعوة قد انتشرت بأسباب مختلفة من ضمنها الإعحاب بأخلاق التجار المسلمين، وتعاملهم الراقي مع الناس من حولهم، فكثير من الناس قد أثرت فيهم هذه الأخلاق، وبسببها بدأوا الإطلاع على رسالة الإسلام، وقد اعجبوا بأخلاق المسلمين، وكان هذا سببا لاتخاذهم القرار لدخول الإسلام.
فعلى المسلم أن يكون رسالة بين الناس، بأخلاقه وبسلوكه، وعليه أن يجعل من نفسه صورة مشرقة في أي مكان يحل فيه، وما أجمل أن يكون المسلم فاعلا في المجتمع الذي يعيش بين جنباته، شعلة تدعو الناس للخير، وهو بكل ذلك لا يرجو من الناس جزاء ولا شكورا، فبفعلك الخير بين الناس دون مقابل، وتمثلك الأخلاق الطيبة تكون قدوة بين الناس من حيث لا تشعر، وكما سبق وذكرت في مقالات سابقة أن الإنسان عندما يتجول في أرض الله الواسعة فإنه يحمل بين جنبيه أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة، بعض الناس يظن العكس يظن أنه عندما يخرج خارج بلده، فإنه ينفلت من عيون الرقباء، ويصفى له الجو لفعل كل ما يريد، لأنه لا يوجد من يعرفه أو من يستحي من أن يراه في مواقف معينة، وهذا بطبيعة الحال تفكير غير سليم، ومن ذهب بهذا الفكر فلا يأمن نفسه من الوقوع في المحظورات سواء الشرعية أو حتى القانونية في تلكم البلدان، فالإنسان عندما يخرج خارج بلده، تكون الأمانة الملقاة على عاتقه كبيرة، أكثر مما كان هو في بلده الأم وفي مسقط رأسه، فلا بد له هناك أن يحمل صورة ناصعة البياض عن نفسه أولا وعن وطنه وقبل كل شيء عن دينه الذي يؤمن به، وعقيدته التي يكافح بها في هذه الدنيا، والمتتبع لتاريخ المسلمين في العصور الغابرة يجد أن الإسلام إنما انتشر قبل كل شيء انتشر بالأخلاق الحسنة التي جعلت الناس من مختلف أصقاع الأرض يقبلون على دين الله أفواجا، يقبلون عليه بعد أن رأوا أخلاق المسلمين قبل أن يسمعوا عن أي شيء آخر.
فالدين الإسلامي توجد فيه القوة الذاتية للانتشار، ولا يريد إلا جهودا بسيطة جدا من أفراده للتعريف به للعالم، ففي كل النواحي نجد أن الإسلام يجذب إليه أهل العقول والتبصر والتفكر، ومن هنا فعلى المسلم أن يكون مشعلا يحمل هذا الدين في كل زمان ومكان، ولسنا بحاجة إلى خطيب مصقع أو مناظر متمكن بل نحن بحاجة إلى أن نجسد تعاليم ديننا الحنيف في أنفسنا بالطريقة السليمة أولا حتى نستطيع الوصول إلى قلوب الآخرين دون جهد وننال الأجر العظيم بعمل يسير، ومن هذا ما يعب له أن أحدا ممن يدعي الإسلام اصطحب رجلا غير مسلم لبلد آخر ومكثا هناك أكثر من يوم وللأسف أن المسلم لم يصل طوال فترة صحبته لهذا الرجل خشية أن يذهب للمسجد ويؤذي مشاعر من معه حسب زعمه!! فبالله عليكم أي تصرف هذا؟ وماذا يمكن القول تجاهه هذا الفعل؟! فمتى نحس بالفعل بقوة العقيدة التي نؤمن بها، وأننا بالفعل نحمل هما كبيرا يؤرقنا وهو أن نوصل هذا النور الذي يحفنا لغيرنا، أن ننشر لهم المحبة والخير والتعاون، أن نجعلهم يشعرون بالراحة العظيمة التي نحس بها، أن نخبرهم برسالتهم في هذه الحياة، في أحد الأيام صادفت رجلا مسلما من دولة غير مسلمة له طموح كبير جدا في نشر الإسلام، فما كان منه إلا تجول في سيارة وكتب عليها "الإسلام هو السلام" باللغة الإنجليزية وهذا كان في زمن تعج فيه الفتن نحو الإسلام وتتجه نحوه التهم الباطلة، وكان قد وضع لنفسه خطة في أن يمر بهذه السيارة في عدة دول منها المسلم وغير المسلم، فلله در هذه الجهود المباركة ولله در هذه الهمم السامقة في نشر هذه الدعوة بأخلاق نتمثلها في أنفسنا أولا، وبأفعال لا تكلف شيئا إلا أنها تغرس روح التسامح والتفاهم بين الشعوب والأديان.
والإسلام بهذه الأخلاق انتشر في أصقاع العالم بسرعة كبيرة، بسبب أخلاق التجار المسلمين إلى نواح شاسعة من الأرض وبقع غائرة في البعد، ومن ذلك دخول الإسلام في الصين ووصوله لشبه القارة الاسترالية، كل هذا في زمن كانت الرحلة الواحدة تستغرق أشهرا عديدة إن لم يكن سنوات، فما بالنا ونحن اليوم لا نستغرق إلا سويعات من الزمن لنصل إلى ما كان يصل إليه أجدادنا في سنوات أو أشهر، فالوسائل متيسرة ولكن الهمة غائرة وما فكرنا ببذل اليسير لنشر ديننا الحنيف في أرض الله تعالى الواسعة، وأثناء مراجعتي لهذا المقال وأنا أشاهد التلفاز فإذا بمحاضر يقول إن الإسلام أسرع الأديان انتشارا في أوروبا وفي أميركا، وهذه مقولة تحتاج إلى وقفات عسى أن يمن الله علينا بها في المستقبل