نسبه :
سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل العدوي القرشي ، أبو الأعور ، من خيار الصحابة ابن
عم عمر بن الخطاب وزوج أخته ، ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة ) وهاجر الى المدينـة ،
شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر العير ، وهو أحد العشرة
المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام هو وزوجته أم جميل ( فاطمة بنت
الخطـاب )...
وأبوه -رضي الله عنه- ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها ووحّـد اللـه
تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـاً ، وقد سأل سعيـد بن زيـد الرسول -صلى الله عليه وسلم-
فقال يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بَلَغَك ،
ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟)... قال نعم )...واستغفر له...وقال إنه
يجيءَ يوم القيامة أمّةً وحدَهُ )...
المبشرين بالجنة :
روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرة من قريش
في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن
عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو
عبيدة بن الجراح )...رضي الله عنهم أجمعين ...
.
الدعوة المجابة :
كان -رضي الله عنه- مُجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته الى
مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال اللهم إن كانت
كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها )...فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت
منيّتُها...
الولاية :
كان سعيد بن زيد موصوفاً بالزهد محترماً عند الوُلاة ، ولمّا فتح أبو عبيدة بن
الجراح دمشق ولاّه إيّاها ، ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد أما بعد
، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ،
وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً
إن شاء الله والسلام )...
البيعة :
كتب معاوية إلى مروان بالمدينة يبايع لإبنه يزيد ، فقال رجل من أهل الشام لمروان
ما يحبسُك ؟)...قال مروان حتى يجيء سعيد بن زيد يبايع ، فإنه سيـد أهل البلد ،
إذا بايع بايع الناس )...قال أفلا أذهب فآتيك به ؟)...وجاء الشامـي وسعيد مع
أُبيّ في الدار ، قال انطلق فبايع )...قال انطلق فسأجيء فأبايع )...فقال
لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك )...قال تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا
قاتلتهم على الإسلام )...
فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان اسكت )...وماتت أم المؤمنين ( أظنّها
زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان ما يحبسُك أن تصلي
على أم المؤمنيـن ؟)...قال مروان أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن
يُصلي عليها )...فقال الشامي أستغفر الله )...
وله فضائل منها :
- انه لا تأخذه في الله لومة لائم .
- ومنها : أنه له اليد البيضاء في معركة اليرموك وقد اشار إليه خالد بن الوليد أن يكون موقف
سعيد بن زيد في القلب من صفوف المسلمين .
- ومنها : انه أحد الذين تظلهم الآيات القرآنية التي تشيد بالمهاجرين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم
. ومن هذه الآيات قول القرآن: “الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم
أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها
أبدا إن الله عنده أجر عظيم”.
وقول القرآن: “والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً وإن الله لهو خير الرازقين”.
- ومنها : أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اسْكُنْ حِرَاءُ! فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ).
وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ
ولما دانت دمشق بالولاء للمسلمين جعله أبو عبيدة بن الجراح قائد جيوش المسلمين والياً عليها.
فكان أول من ولي إمرة دمشق من المسلمين. غير أنه كان زاهداً في الحكم كما هو زاهد في المال.
فكتب إلى أبي عبيدة وهو في الأردن يعتذر عن عدم الاستمرار في المنصب ويطلب اللحاق به للجهاد وهذا نصه
(أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ،
وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ،
فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله والسلام ). فلما بلغ الكتاب أبا عبيدة استجاب لرغبته.
وبسبب هذه السجايا الحميدة والفضائل النادرة والزهد في مطامع الدنيا والرغبة في الآخرة
كان سعيد بن زيد مستجاب الدعوة. فيروى عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن أروى بنت أويس
زعمت أن سعيد بن زيد قد غصب شيئاً من أرضها وضمها إلى أرضه. وجعلت تلوك ذلك في المدينة.
ثم رفعت أمرها إلى مروان بن الحكم والي المدينة. فأرسل إليه مروان أناساً يكلمونه فتساءل سعيد في دهشة: كيف أظلمها
وقد سمعت رسول الله يقول: “من ظلم شبرا من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين”.
قال مروان : لا أسألك بينة بعد هذا، ثم دعا عليها فقال: “اللهم إنها قد زعمت أني ظلمتها.
فإن كانت كاذبة فأعم بصرها وألقها في بئرها الذي تنازعني فيه.
وأظهر من حقي نوراً يبين للمسلمين أني لم أظلمها”. وبعد قليل فاض وادي العقيق في المدينة بسيل عرم فكشف
عن الحد الذي كانا يختلفان فيه.
وظهر للمسلمين أنه كان صادقاً. ولم تلبث المرأة إلا شهراً حتى عميت.
وبينما هي تطوف في أرضها تلك سقطت في بئرها فماتت فتحدث الناس في ذلك.
وعندما توفي عمر بن الخطاب بكاه سعيد بن زيد بشدة فقيل له: ما يبكيك؟
قال: لا يبعد الحق وأهله. اليوم يهن أمر الإسلام. وأخرج ابن سعد في طبقاته قال: بكى سعيد بن زيد عند وفاة عمر
فقال له قائل: يا أبا الأعور ما يبتليك؟ فقال: على الإسلام أبكي،
وإن موت عمر ثلم ثلمة لا ترق إلى يوم القيامة.
ومن فضائله ايضاً :
في المغازي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب له بسهمه يوم بدر؛ لأنه كان غائباً بالشام,
وكان إسلامه قديماً قبل عمر، وكان إسلام عمر عنده في بيته؛ لأنه كان زوج أخته فاطمة.
وكان سعيد من فضلاء الصحابة ,
وقد شهد سعيد بن زيد اليرموك، وفتح دمشق.
ولم يكن سعيدا متأخراً عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة، وإنما تركه عمر- رضي الله عنه -
لئلا يبقى له فيه شائبة حظ لأنه ختنه وابن عمه، ولو ذكره في أهل الشورى
لقال الرافضي حابى ابن عمه فأخرج منها ولده وعصبته فكذلك فليكن العمل لله.
وقال سعيد بن حبيب: كان مقام أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعد، وسعيد، وطلحة، والزبير،
وعبد الرحمن بن عوف مع النبي -صلى الله عليه وسلم- واحداً كانوا أمامه في القتال، وخلفه في الصلاة.
وفاته :
اختلف في تاريخ وفاته، فقال الواقدي: توفي سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين
وهو ابن بضع وسبعين سنة وقبر بالمدينة نزل في قبره سعد وابن عمر.
وقال عبيد الله بن سعد الزهري: مات سنة اثنتين وخمسين – رضي الله عنه -. وعاش بضعاً وسبعين سنة.
فائدة :
قال الذهبي في نهاية ترجمته لسعيد بن زيد " فهذا ما تيسر من سيرة العشرة، وهم أفضل قريش
، وأفضل السابقين المهاجرين، وأفضل البدريين، وأفضل أصحاب الشجرة، وسادة هذه الأمة في الدنيا والآخرة،
فأبعد الله الرافضة ما أغواهم، وأشد هواهم، كيف اعترفوا بفضل واحد منهم، وبخسوا التسعة حقهم،
وافتروا عليهم بأنهم كتموا النص في علي أنه الخليفة، فو الله ما جرى من ذلك شيء،
وأنهم زوروا الأمر عنه بزعمهم، وخالفوا نبيهم، وبادروا إلى بيعة رجل من بني تيم يتجر ويتكسب،
لا لرغبة في أمواله، ولا لرهبة من عشيرته ورجاله، ويحك أيفعل هذا من له مسكة عقل،
ولو جاز هذا على واحد لما جاز على جماعة،
ولو جاز وقوعه من جماعة لاستحال وقوعه والحالة هذه من ألوف من سادة المهاجرين والأنصار وفرسان الأمة
، وأبطال الإسلام، لكن لا حيلة في برء الرفض، فإنه داء مزمن،
والهدى نور يقذفه الله في قلب من يشاء، فلا قوة إلا بالله.
من مصادر الترجمة:
الإصابة في تميز الصحابة لابن حجر وبهامشه الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر (2/46).
ط: مؤسسة التاريخ العربي – دار إحياء التراث العربي. الطبعة الأولى (1328هـ). والسير (1/124).