سيدة التابعيات أم الدرداء الصغرى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الكاتب: إعداد: منال المغربي امرأة فاضلة، لقيت الكثير من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، عدّها الإمام المقرىء المحدّث ابن السميع في الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام... حصلت على شهادات موقّعة من أكابر العلماء أثنوا فيها على تميّزها في علمها وعبادتها وفضائلها. إنها التابعية الجليلة أم الدرداء الصغرى... نسبها ونشأتها هُجَيْمة بنت حُيَي من قبيلة من حِمْير يقال لها: أوصاب، تُعتبر من أعزّ قبائل حِمْير، وأعلاها شأناً، ولقد قيل لها: الأَوْصابية، أو الوصابية. دمشقية المولد والنشأة. نشأت هُجَيمة يتيمة في حِجر أبي الدرداء عويمر بن زيد بن عبدالله من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تختلف معه في برنس ـ وهي طفلة ـ إلى المسجد، تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حِلَق القرّاء. ولما شبتْ أمَرَها كافلها أن تلحق بصفوف النساء. ثم تزوجها بعد ذلك، ومات عنها، ومنه أخذت كُنيتها... زواج الآخرة حياة طيبة جمعتها بالصحابي الجليل أبي الدرداء جعلتها تحرص على الوفاء له في الحياة وفي الممات، قال لها زوجها ذات مرة: "إذا غضبتِ أرضيتُكِ، وإذا غضبتُ فأرضيني؛ فإنك إن لم تفعلي ذلك فما أسرع أن نفترق". فما فرّقهما إلا الموت. عن لقمان بن عامر عن أم الدرداء أنها قالت: "اللهم إنّ أبا الدرداء خطبني فتزوجني في الدنيا اللهم فأنا أخطبه إليك فأسألك أن تزوجنيه في الجنّة" قال: "فلا تنكحي بعدي"؛ فمات أبو الدرداء، وكان لها جمال وحُسن؛ فخطبها سيدنا معاوية فقالت: "لا والله لا أتزوج زوجاً في الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله عز وجل في الجنة". حدّثت عن زوجها بوقار واحترام شديد، فكانت تقول: "حدثني سيدي"، مثال ذلك قولها: حدثَنِي سيِّدي أَبو الدَّرْدَاء، أنّه سَمِعَ رَسُول اللَّهِ [، يقول: "إذا دعا الرجلُ لأَخيهِ بظهرِ الغَيْبِ، قالت الملائكةُ: آمين، ولكَ بِمِثْل". طلب العلم وتعليمه هذه التابعية تُعتبر من الرواة الثقات، أصحاب كتب السُّنة النبوية، كالإمام مسلم في صحيحه، وأبي داود والترمذي وابن ماجة في كتبهم، فلقد روت عن سلمان الفارسي وكعب ابن عاصم الأشعري وعائشة وأبي هريرة وطائفة، وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء.. ومما يدلّ على فضلها وسَعة علمها أن عبد الملك بن مروان كان كثيراً ما يجلس إليها في مؤخر المسجد بدمشق . لم تتوان عن طلب العلم في كبرها؛ عن الإمام ابن أبي أوفى عن أم الدرداء قالت: قلت لكعب الأحبار: "كيف تجدون صفة رسول الله [ في التوراة؟" قال: "نجده محمد رسول الله اسمه المتوكل ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا صخّاباً في الأسواق، وأعطى المفاتيح فيُبصر الله به أعيناً عوراً، ويُسمع آذاناً صُمّاً ويقيم به ألسناً معوجّة حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله واحد لا شريك له، يُعين به المظلوم ويمنعه". عن الإمام يونس بن ميسرة قال: كنتُ جالساً عند أم الدرداء؛ فدخل زياد بن جارية؛ فقالت له أم الدرداء: "حديثك عن رسول الله في المسألة؟" فحدّث به. الواعظة لم تكن هُجيمة من ذلك النوع من النساء اللواتي اكتفين بطلب العلم وبإصلاح أنفسهن فقط بل اشتهرت رحمها الله بالنصيحة لمن أراد مداواة قلبه وإصلاح نفسه. وكانت تُلقي محاضراتها ودروسها في مسجد بني أمية الكبير، قال عنها الإمام ابن الجزري في كتابه: «غاية النهاية في طبقات القراء»: «قرأتُ القرآن عليها سبع مرات». كما أنها لم تخَفْ خليفة كانت فرائص الرجال ترتعد أمامه، بل أسدت إليه النصيحة عمل بها أم لم يعمل؛ فعن الإمام الفقيه زيد بن أسلم عن أم الدرداء أنها كانت عند عبد الملك بن مروان ذات ليلة، فدعا خادماً له فأبطأ عليه فلعنه، فقالت أم الدرداء: "سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة". مجالسها مع النساء كم من نساء يجتمعن في مجالس تعدّ مرتعاً خِصْباً للغيبة والنميمة واللغو الباطل واللهو العابث والغفلة التي لا خير فيها؛ ولكن مجالس أم الدرداء لم تكن من هذا النوع، قال يونس بن ميسرة بن حبلس عالم دمشق: "كنا نحضر مجلس أم الدرداء وتحضرها نساء متعبدات يقمن الليل كله حتى أن أقدامهن قد انتفخت من طول القيام". تواضعها كانت هجيمة معروفة بالتواضع وعدم الاغترار بالنفس؛ فإذا طلب أحدٌ إليها مثلاً الدعاء لم ترَ أنها أهلٌ لذلك؛ قال إلإمام براهيم بن أبي عبلة: قلت لأم الدرداء ادعي لنا: قالت: أوَبلغتُ أنا ذلك؟ أي: هل بلغت درجةً يطلب مني فيها الدعاء؟ اهتمامها بأمر المسلمين بالرغم من كثرة مجالسها العلمية وانشغالاتها المتعددة نجدها رضي الله عنها تهتم بجيرانها وذوي قرابتها وبعامة المسلمين. عن الإمام إبراهيم بن أبي عبلة قال:" مرض أهلي فكانت أم الدرداء تصنع لي الطعام فلما برؤوا قالت: "إنما كنا نصنع طعامك إذ كان أهلك مرضى فأما إذا برؤوا فلا". قلبٌ معلّق بالقرآن قالت لرجل يصحبهم في السفر: "ما يمنعك أن تقرأ وتذكر الله عز وجل كما يصنع أصحابك؟"، قال: "ما معي من القرآن إلا سورة، وقد رددتها حتى أدبرتها"، فقالت: "وإن القرآن ليدبر؟ ما أنا بالتي أصحبك إن شئت أن تقوم، وإن شئت تتأخر، فضرب دابته وانطلق". مكانتها ذكر الإمام الحافظ ابن حبان في كتابه الثقات أنها كانت تقيم ستة أشهر في بيت المقدس وستة أشهر بدمشق... وهي في سفرها إلى بيت المقدس أو مقامها في الشام كانت تتمتع بمكانة عالية وكلمة مسموعة عند الخلفاء الأمويين. أم الدرداء الصغرى ضربت في كل غنيمة من غنائم الطاعات بسهم، فلقد كانت راوية حديث، وواعظة متمكِّنة، وعابدة وزاهدة وفقيهة، حتى وافتها المنية بعد عام 81 من الهجرة. وهكذا فلتكن المسلمات. رحم الله أم الدرداء برحمته الواسعة، ورضي عنها وأرضاها.. |