| | |
| ضُمَّ نفسك للحظات، ثمّ استشعر أحاسيسك (بماذا شَعرت؟ ومَن الذي ضممته؟) هذه الضمة هي لذاتك، ضمّة حُب واحتواء. وإذا لم تحب ذاتك، فلن تحب أحداً في العالم على الإطلاق، فهذه الضمة القويّة والحبُّ والقبول للذات هي المنطلق لحبِّ الآخرين، وأرضية خصبة لحبِّ العالم بأسره، وليس فقط على نطاق الأسرة والأقارب والمحيطين، إذ إنّه انعكاس من الداخل إلى الخارج. تشير الآية الكريمة: (رَبِّ اغفِر لِي ولِوَالِدَيَّ) (نوح/ آية (28)) إلى أنّه لابدّ لك أن تبدأ دائماً بنفسك. فالشخصُ الذي نراه دائماً متذمِّراً وشاكياً وغاضباً وناقماً على العالم، هو في الأصل غاضب وناقم على نفسه، وليس لديه رضا وقبول للذات، فما معنى القبول غير المشروط؟ الأُمُّ، على سبيل المثال، إذا كان لدى أحد أبنائها تخلفٌ عقلي أو إعاقة جسدية، أو كان يفتقد للمقوّمات الجمالية، فهل سترميه في الشارع، أو لن تقبله كما هو؟ على الإطلاق، سيكون إبنها في نظرها أغلى وأجمل مَن في العالم، وسيزداد تعلُّق الأُم بذلك الطفل ويزداد دعاؤها له، ويكون دائماً بين أحضانها وتحت رقابتها، ويحظى بما لا يحظى به بقية أفراد الأسرة من العناية والرعاية. فعليك إذاً اتِّباع النصائح التالية: 1- اقبل نفسك كقبول الأُمِّ غير المشروط لأبنائها نتقبّل أنفسنا أيّاً كان لوننا (أسمر، أبيض، أصفر)، وشكلنا أو ملامحنا الجمالية، لأنّه ليس هناك إنسان لا يحمل ملامح جمالية، فالله سبحانه وتعالى وزَّعها على عباده، إمّا في الشكل أو العقل أو القلب أو الروح (الروح الوجدانية)، فالبعض قد يكون شكله عادياً جدّاً قياساً إلى الآخرين، إلا أنّهُ يمتلك وجداناً وضميراً حيّاً وروحاً جميلة. فما أن نتعامل مع أحدهم، نلتمس الجمال الربّاني من هذه الروح المتحرِّكة المؤثِّرة والمتأثِّرة، وهذا القلب الشفاف النوراني، والعاطفة الإنسانية، والعقل المتجدِّد والأفكار الجميلة. وضع في اعتبارك دائماً أنّ لك مكامن جمال متعدِّدة، لا تنحصر في الشكل فقط. فمن الجهل أن نحصر جمالنا في أشكالنا فقط، إذ إنّ الجمال – كما قلنا – مُوزَّع على بني الإنسان، وليس هناك إنسان ليس بجميل، (خصوصاً الأُنثى)، فالمرأة مصدرُ الجمال. 2- اقبل ذاتك بكل ما تحويه من القوّة والضعف ممّا يؤسف له في زماننا هذا النظر إلى الجمال الماديِّ على أنّه نقطة قوّة وأفضلية، بينما مَن يفتقد هذه الخاصية يكون في مستوى من الضعف والنقص والدونيّة، وهذه مغالطات ينبغي الإنتباه لها. ومهما كان مستوى جمالك، ولأنّ الجمال نسبي، بالتأكيد ستجد العوض من الله سبحانه وتعالى، وما عليك إلا أن تكتشف مكامن الجمال الحقيقي (جمال النفس والروح والقلب والعقل والوجدان الحي). ولعلَّ أقرب مثال يؤكِّد أهميّة جمال الروح لا الشكل، هو حالة الإنبهار التي نعيشها عند النظر إلى إطار جميل خالٍ من أيِّ منظر، ولكن عندما ننظر إليه مرّة أو مرّتين أو أكثر ستألف أنظارنا مشاهدته، ومن ثمّ يفقد جماله، لأنّه بلا حياة ولا روح، بينما الذي يمتلك هذه الوجدانيات، وهذا العقل المتجدِّد، والأفكار الجميلة، والقلب المحب، نجدهُ دائماً في حالة حيوية واحتواء وتقبُّل الآخرين. 3- اقبل نفسك أيّاً كنت.. فقبول الذات معناه قبول الآخر ما الفرق بين قبول الذات، والرِّضا عن الذات؟ قبول الذات: هو حبُّ واحتواء الشخص لنفسه، وقبولها القبول غير المشروط بكل ما تحتويه هذه النفس من سلب وإيجاب، وقوّة وضعف، وبقدر هذا الحبِّ يحاول أن يرتقي الإنسان بذاته. الرِّضا عن الذات: هو أن يكون الشخص راضياً عن ذاته عندما يكون في حالة رُقيٍّ وجمال. أمّا عندما يصدر منه تصرُّف غير لائق لا يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا يرضي النفس ومَن حولنا، حينها لا يشعر بالرِّضا عن ذاته، فيسعى بقدر الألم الذي يصيبه من عدم الرِّضا إلى تحسين أوضاع ذاته للأفضل، وحتى لا تتأصل وتظهر بشكل معيب ومشين، وكما يقول الإمام علي (ع): "مَن رضي عن نفسه ظهرت عليه المعايب" (غرر الحكم/ 8609). 4- دع رضاك عن ذاتك في حالة عدم إستقرار لكي لا تصل إلى حالة العجب والغرور، لأنّ العُجب بالذات هو نهاية الشخصية، ولا تخلط بين الرِّضا والقبول للذات، فقبول الذات ليس معناه الرِّضا الدائم والمطلق، لأن "رضا المرء عن نفسه برهان سخافة عقله" (غرر الحكم: 5441) كما قال الإمام علي (ع)، بل إنّ قبولها يجعلنا نُقيِّد الرِّضا عنها كلما كانت في حالة من الإيجاب والقوّة، فالذي يُحب نفسه يسعى دائماً أن يكون أفضل الناس، وهذه سمة من سمات الأشخاص الذين لديهم قوّة شخصية واعتزاز بذواتهم. الإنسان يستطيع تقبُّل ذاته واحتوائها، ويستطيع أن يقبل الآخر ويحتويه، سواءً كان زوجاً أو أباً أو صديقاً أو أيَّ فرد من أفراد المجتمع، وكلما شعر الفرد بالرِّضا والسلم الداخلي انعكس ذلك على تعامله مع الآخرين، وأصبح في حالة طمأنينة واستقرار وعاش سويّاً متوازناً، وبذلك يكون ذا شخصية متميزة، و"كل إناء بالذي فيه ينضح". | |
| | |