الأصم ليس له أعياداً أو مؤتمرات ، ولا شهراً واحداً في العام وإنما هو هموم الأسوياء كل شهر وكل يوم وكل ساعة ، والأطفال الصم يريدون منا الكثير ، وفرق كبير بين ما نريد نحن أن نقدمه إليهم وما يريدون هم أن نقدمه إليهم .
إن الأطفال الصم الذين امتحنهم الله في واحدة من أهم الحواس ، يريدون من أن نشعرهم بأهمية الإرادة والقدرة على التحدي والصبر والشجاعة في المواجهة وقهر العجز ، فتستحيل قواهم ومشاعرهم إلى قوة وبطولة وعطاء ، ويريدون أيضاً أن نسوق إليهم الأمثلة والنماذج والقدوة ، كأمثال الموسيقار العالمي الأصم "بيتهوفن" والأديبة الصماء "هيلين كيلر". الأمر الذي سيجعلهم يقدمون على الحياة بابتسامة واختراق وتحدي وأمل.
أن الأطفال الصم يريدون منا ألا نفترض غباءهم أو قلة حيلتهم أو استسلامهم لإعاقتهم بل يسعدهم تماماً أن ننظر إليهم أنهم قادرون على تحدي إعاقتهم وقادرون على الإبداع والمشاركة الفعالة في العديد من المجالات التي يشارك فيها أقرانهم الأسوياء.
إن الأطفال الصم يريدون منا أن نساعدهم بإخلاص على تنمية ملكاتهم وقدراتهم وخيالهم واستمتاعهم بحياتهم ونساعدهم أيضاً على أن يضيفوا الكثير إلى معارفهم وأن نيسر لهم المعارف الجديدة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والكمبيوتر ، حتى لا يكونوا متخلفين عن غيرهم من الأسوياء.
يريد منا الأطفال الصم أن نستطلع رأيهم قبل وأثناء وبعد أن نقدم لهم ما نريد ، إنهم يريدون أن نشركهم في خططنا التي نضعها لهم وأن يكون لهم وجود بشكل ما.
يريد منا الأطفال الصم أن نعطيهم الفرصة في أن يقدموا عروضاً فنية موجهة للأسوياء من أجل العمل على اندماجهم في المجتمع بشكل فعال وفي إطار فني بهيج. فالفن يجمل الحياة ويقلل قبحها ويقرب الأسوياء من المعاقين وينقل المشاعر والأحاسيس عبر جسر من المحبة بين القلوب ليتوحد الجميع.
يريد منا الأطفال الصم بأن تتضمن الكتب الدراسية الخاصة للأطفال الأسوياء موضوعات تساعدهم على تقبل الطفل الأصم وإدماجه في محيطه الاجتماعي بغير حساسيات.
يطالب الأطفال الصم بحقهم في التعليم العالي وكذا رعاية المبدعون الصم ، كما يطالبون بالاهتمام بالمرأة الصماء وحقوقها وحاجاتها وضرورة الوقوف إلى جانب المعاقين الصم حتى ينالون حقوقهم داخل المجتمعات العربية دون تميز أو تفرقة عن أقرانهم الأسوياء. ومن المعروف أن الصم لديهم مشاكل مختلفة عن الآخرين في كيفية التأهيل للعمل فهم أكثر الناس إيحاءً بأنهم ليسوا معاقين في حين أنهم قد يكونوا الأشد إعاقة.
يريد منا الأطفال الصم بأن يصبح لهم مناهج دراسية خاصة بهم وكتب دراسية خاصة بهم أسوة بمختلف الإعاقات ، حيث أن النظام المتبع حالياً يعتمد على تقديم المناهج الدراسية الخاصة بالأسوياء أو بالتعليم العام وتقدم للأطفال الصم داخل مدارسهم فهل تفتقر وزارة التربية والتعليم إلى خطة هادفة لإعداد مناهج خاصة بفئة الصم؟ فلابد من أن يصبح للصم كتب دراسية خاصة بهم لا تعتمد على السرد والحكي المطول بل تعتمد على الصورة وتقترن الصورة فيها بالكلمة حيث أن الطفل الأصم يعتمد على عينيه في التلقي والتحصيل الدراسي وفي فهم ما يدور حوله من أمور مختلفة ، لذا أرى أنه من الواجب على المسئولين بوزارة التربية والتعليم اغتيال ذلك النظام التعليمي المتخلف المتبع حالياً داخل مدارس الأمل وتعديله بحيث يواكب القرن الواحد والعشرين ، ويواكب الثورة العلمية الهائلة في شتى أنواع العلوم لا سيما عالم الإعاقة ، ولابد من كف المسئولين ومن ماثلهم عن التفرقة والتمييز بين الإعاقات المختلفة فالإعاقة لا تتجزأ والطفل المعاق هو كل طفل له احتياجات خاصة مهما كانت درجة تلك الإعاقة كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الطفل المعاق الصادر عن الأمم المتحدة.
وأدعو جميع الهيئات والمسئولين إلى الالتزام بتفعيل هذا الإعلان العالمي والعمل به ، كما أنني باسم الرحمة والإنسانية أناشد المسئولين بوزارة التربية والتعليم في كافة البلاد العربية بضرورة العمل على عزل التلاميذ ضعاف السمع عن التلاميذ الصم داخل مدارس الأمل للصم وأؤكد على ضرورة جمع الأطفال ضعاف السمع بداخل فصل تعليمي خاص بهم دون الصم ، وذلك من أجل الحفاظ على ما تبقى لديهم من بقايا سمع ، ومما لا شك فيه بأن النظام المتبع حالياً داخل مدارس الأمل والذي يعتمد على دمج الأطفال ضعاف السمع بالأطفال الصم داخل فصل تعليمي واحد يعد جرماً في حق الإنسانية وانتهاكاً لحقوق الأطفال ضعاف السمع ، إذ أننا بهذا النظم القاسي والخالي من الرحمة نحول الطفل ضعيف السمع إلى طفل أصم ونسحق بلا رحمة ما تبقى في أذنيه من سمع وننتج بأيدينا معاقين جدد ، ونقذف بهم في قسوة داخل مجتمعاتنا العربية بدلاً من أن نؤهلهم ليقفوا على أعتاب الأسوياء تمهيداً لدمجهم في مدارس التعليم العام ، وللأسف الشديد فإننا بهذا النظام التعليمي المتبع وبالإبقاء عليه نحول بأيدينا مدارس الأمل العربية إلى مدارس لليأس وفقدان الأمل وأعلم كم هي مفزعة تلك الحقيقة التي تتكشف أمامنا ، وكم من حقائق أخرى مفزعة في هذا المجال الإنساني الذي يعاني من القصور المفرط والذي لا يعبر إلا عن سوء حال الأطفال الصم وضعاف السمع في كثير من الأمور التي أراها قد غابت عن أعين الكثير من المسئولين الذين تعللوا بحجة الأمر الواقع ولكن ما أجمل أن نصرخ في وجه الأمر الواقع بدلاً من الأطفال الصم ونقول له لا نيابة عنهم ، ونحاول إصلاح ما فسد وتطوير ما هو آت .
منقول عن كتاب الدراما و الطفل الأصم