الإٍحْسِانُ
ذلك النبع الصافي .. والخلق الوافي ..
والمرتبة العالية ..وأفضل درجات الكمال وأعلاها
والتي لن يصل إليها .. ويتربع على عرشها ..
إلا من وفقه الله للوصول .. بعد أن أذن له بـ القبول ..!!
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِه عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ :
بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا
رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ
لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ
وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الإِسْلامِ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَان ،َ وَتَحُجَّ
الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا .
قَالَ : صَدَقْتَ . قَالَ : فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ الإِيمَانِ . قَالَ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " قَالَ : صَدَقْتَ .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ الإِحْسَانِ ؟ قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ ؟ قَالَ : "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ"
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا ؟ قَالَ : " أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ
الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ "
قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ لِي :" يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ "
؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"
إِسْلاَمٌ .. وَإِيمَانٌ .. وَإِحْسَانٌ
تلك هي مراتب الدين الثلاثة .. والتي اعتلى الإحسان أعلى درجاتها
.. وتربع على مرابعها شامخاً ..
فـ الإسْلاَمٌ .. يكون في العبادات والأمور الظاهرة على الجوارح ..
والــإِيمَانٌ .. يكون في العقائد والأمور القلبية الباطنة ..
أما الــ إِحْسَانٌ .. فقد تجاوز ذلك وعلا وارتقى ..
وكان شاملاً لجميع أنواع العبادات الإسلامية والعقائد الإيمانية ..
والتي تندرج تحت معنى الإسلام وتلك التي يكتنفها معنى الإيمان
وهو متمثل في إتقان كل هذه الأعمال .. وتأديتها على الوجه الأكمل
.. والتوجه بها إلى الله عز وجل .
فــ هو إن استحضره القلب وأسكنه بين شغافه .. عملت وفقه الجوارح
واستسلمت لذاته .. وعاش به الجسد واستغنت به الروح
فصلح الحال .. وحسن المآل .
وعند ذلك ..علت منزلة العبد عند خالقه ..
وارتقت الروح بإسلامها وتسامت بإيمانها لتصل إلى مرتبته ..
لـ تفوز في الآخرة بما أعده الله للمحسنين من الأجر والثواب العظيم ..!!
الإحسان في مفهومه الشامل :
يندرج تحت مسمى الإحسان .. جميع أنواع العبادات
والشمائل وفضائل الأخلاق ..
فهو إحسان في العقائد وسائر العبادات ..
وفي الأخلاق .. وفي التعاملات .. ومعاملة الخلق من بشر وبهائم ،
وحتى في تعامل الإنسان مع ذاته .. نفسه وروحه وجسده .
فالصلاة إحسان .. والزكاة إحسان .. والصوم إحسان ..
والحج إحسان .. والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله إحسان ..
والإيمان بقضائه وقدره والرضا بهما إحسان ..
والصدق إحسان .. والكرم إحسان..
والرآفة والرحمة والرفق والبر إحسان ..
وكل ما يتبادر للذهن من الفضائل .. وكريم الشمائل .
أمر الله به ووعد بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة و من أحسن في دنياه
قال تعالى : { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } [سورة الرحمن :
آية رقم 60].
عطاء وبذل للغير
عن طواعية ورضا ؛
لأن المحسن لا يطالب بثواب يستحقه في الدنيا .
وإنما يتركه اختيارًا لله تعالى الذي عنده
الجزاء الأوفى
على إحسانه .
الإحسان في القرآن الكريم
إننا نلاحظ كثرة الآيات التي تتناول ذلك الموضوع
وتحث عليه أو تحذر منه .
فقد ورد ذكره في القرآن الكريم .. في أكثر من مائة وتسعين موضعاً
ما يجعل له الجدارة في التأمل والدراسة والتطبيق في شتى مناحي الحياة .
سنستعرض بعض الآيات التي ورد فيها ذكر الإحسان
- قال تعالى : {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ
الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص(77)
- قال تعالى :{إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء
وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً }الإسراء(7)
- قال تعالى :{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا
طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ
ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة(93)
- قال تعالى :{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ
وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .. يونس (26)
الإحسان في السنه النبوية
لَمْ يكن الأمر بالإحسان مقتصراً على القرآن الكريم
فقد أولته السنة النبوية المطهرة جل الإهتمام ..
وبينت مكانته وحثت عليه كل مسلم منتسب لهذا الدين .
وأول الأحاديث التي تأمر بالإحسان وتحث عليه ..
قوله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ اللهَ كتَب الإِحْسَانَ على كل شَيء"
يقول أنس ــ رضي الله عنه ــ : واللهِ ! لقد خدمتُهُ تسعَ سنينَ
. ما علِمتهُ قال لشيءٍ صنعتُهُ : لم فعلتَ كذا وكذا ؟
أو لشيءٍ تركتُهُ : هلَّا فعلتَ كذا وكذا .
أي خلق هذا .. تسع سنين أو عشر كما في بعض الروايات ..
يخدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يعاتبه يوماً قط .. على عمل لم يعمله .
وتقول عائشة ــ رضي الله عنها ــ حينما سئلت :
ما كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يعملُ في بيتِه ؟!
قالت : كانَ يخصِفُ نعلَه ويخيطُ ثوبَه ويعملُ في بيتِه
كما يعملُ أحدُكم في بيتِه .
وهذا من كمال الإحسان إلى الزوجات
ورَوَى البخاري في صحيحه .. عن جابر ابن عبدالله
رضي الله عنه
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
كان يقومُ يومَ الجمعةِ إلى شجرةٍ أو نخلةٍ ،
فقالت امرأةٌ من الأنصارِ ، أو رجلٌ :
يا رسولَ اللهِ ، ألا نجعلُ لك منبرًا ؟ قال : ( إن شئتم ).
فجعلوا لهُ منبرًا ، فلمَّا كان يومَ الجمعةِ دُفِعَ إلى المنبرِ ،
فصاحت النخلةُ صياحَ الصبيِّ ، ثم نزل النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
فضَمَّهَا إليهِ ، تَئِنُّ أنينَ الصبيِّ الذي يُسَكَّنُ .
قال : ( كانت تبكي على ما كانت تسمعُ من الذِّكْرِ عندها ) .
وَعَنِ عبدالله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ
قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر
فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان ،
فأخذنا فرخيها .. فجاءت الحمرة فجعلت تفرش .
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال
من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها .
ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه
قلنا نحن قال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار .
لم نستعرض جميع الآيات في القرآن الكريم ..وجميع المواقف،
وجل القصص التي تناولتها السنة النبوية
ولكننا أوجزنا بعضها إستشهادا ..
على أهمية هذه المرتبة من مراتب الدين .
.الإحسان في حياة الإنسان .
إنَّ الإحسان ليس خُلق وحسب ..
ولا فضيلة أو شميلة من محمود الشمائل والخصال فقط ..
كما يتبادر للأذهان في المفهوم البسيط
بل هو عقيدة راسخة ..
وإيمان ميق ضارب الجذور في أماق الفؤآد
ولا عجب في ذلك .
فـعلماء الأخلاق يقولون : " إن الإحسان خلق جامع
لجميع أبواب الحقائق .. وفيه لب الإيمان وروحه " .
والإحسان كمال في الدين والعقيدة .. لا ينشده إلا ثلة من عباد الله ..
وهم السابقون للخيرات .. المقربون والحاصلون على أعلى المراتب
والدرجات ..
وهم أوليآء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
وإن للإحسان في حياة الإنسان صور متعددة ..
ومجالات كثيرة لا حصر لها
فكل حركة وكل سكنة للعبد المؤمن ..
لو تأمل فيها وربطها باطلاع بارئه وعلمه بما خفي
فبين جنبات الصدور .. فسيعلمأنها لا تخلو من الإحسان .
إِحْسَانُ العَبدُ المُؤمِن إلى خَالِقِه ومعبُودِهـ
يكون هذا الإحسان بالمبادرة إلى فعل أوامره ..
ومجاهدة النفس في اجتناب نواهيه ..
وتأدية ما كلفه الله به من عمل خالصاً لوجهه الكريم
موافقاً ومتابعاً فيه سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
وإحسان توحيده .. والإيمان والرضا والتسليم بقضآئه وقدره ..
والإنقياد التام له .. وإشهاده عند معاملة الخلق والتعامل معهم
فإنه إن فعل ذلك .. صادقاً مخلصاً .
لا يبتغي بذلك إلا وجه الله .. نال محبة ربه .. وكسب رضاه ..
وإن الله ــ عز وجلًّ ــ إذا أحب عبداً نادى في ملأئه : إني أحب فلاناً فأحبوه .
بل .. وإن العبد المخلص لربه ..
إن وصل إلى هذه المنزلة العالية .. والمكانة العظيمة ..
لم يصبح للشيطان عليه سبيل ..
يقول تعالى في سورة ص : ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ
مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾.
إِحْسَانُ العبد إلى الناس
الناس أصناف وأجناس.. منهم القريب ..
ومنهم البعيد...ومنهم من هو على ذات الدين ..
ومنهم من هو كافر أو لا دين له ..~
ولكن الإحسان لم يقتصرعلى هذا دون ذاك ..
ولم يؤمر به لهذا وينفى منه ذاك ..~
فقد شملهم جميعاً .. دون تمييز أو تفريق أو نظر لــ جنس
أو عرق أو لون أو قرابة
يقول سبحانه في الآية الــ (36) من سورة النسآء ..
{ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ
وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء36
فالوالدين .. هما أول ما أوصى الله بالإحسان إليهم من أصناف
البشر ..
لما لهما من فضل كبير على من خلفوا من الأبنآء ..
حيث كانوا سبب وجودهم بعد الله .
يليهم أولى القربى لقرابتهم .. واليتامى لضعفهم ..
والمساكين لحاجتهم .. والجيران لجوراهم ..
والأصحاب لمكانتهم ..وأبنآء السبيل لانقطاع السبل بهم واحتياجهم ..
والخدم والعبيد لرقهم وانتزاع الحرية منهم ..
ولما ما يقومون به من أعمال شاقة يستوجب عليهم القيام بها ..
وجميع الخلق حيثما تواجدوا بغض النظر عن عرقهم وجنسياتهم ودياناتهم
لانهم اخوة لنا تربطنا بهم اواصر أخوة ورحم قديم ..كلنا من آدم وآدم من تراب
فالاب آدم والام حواء..
يقول العلماء .. البَّر .. هو أعلى مراتب الإحسان ..
ويكون إحسان العبد إلى الناس بحسن التعامل معهم ..
وتقديم الخير لهم .. وكف الأذى عنهم ..
ولقد اختصره الرسول صلى الله عليه وسلم بكلمات ..
هي أبلغ ما يصف هذه العلاقة
حيث نفى أن يكتمل الإيمان في قلب المسلم ..
حتى يتحقق شرط مهما ألا وهو :
[ أَنْ يُحِبُّ المَرْءُ لِأخِيهِ مَا يُحُبُّ لِنَفْسِهِ ] .
...إِحْسَانُ العبد إلى البهآئم والجمادات وكل ما فيه روح ...
ويكون هذا النوع من الإحسان بالرفق والرحمة
وتجنب الإيذآء أياً كان نوعه .
ولذلك فقد حث عليه المصطفى .. صلى الله عليه وسلم ..
فقال :
{ إن الله كتب الإحسان على كل شيء }
رواه مسلم .
وإن الجزآء قد يكون الجنة للمحسن إلى هذه البهائم ..
والنار للمسيء لها .
فــ لقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش ، فوجد بئراً ، فنزل فيها فشرب ،
ثم خرج فإذا كلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ،
فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني ،
فنزل البئر فملأ خفه ماء ، ثم أمسكه بفيه ، حتى رقى فسقى الكلب ،
فشكر الله له ، فغفر له قالوا : يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً
فقال في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجر ).
كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
{ دخلت امرأة النار في هرة حبستها ..
لا هي أطعمتها وسقتها ..
ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض } ..~
... إِحْسَانُ العبد إلى نفسه ...
ويكون هذا النوع بإحسانه إلى خالقه وتودده إليه ..
وبإحسانه إلى الناس وجميع المخلوقات ..
فهو لا يقدم شيئاً من الإحسان إلا كتبت له به حسنات مضاعفة .
ورفعت له به درجات عند رحيم كريم ..
فالله تعالى يقول : { إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا }
كما يدخل في ذلك اهتمامه وحرصه على نفسه
بتقديم مصالحها ودرء المفاسد عنها ..
سوآء كانت دينية أو دنيوية .
واجتناب سبل الردى وطرق المهالك .
يقول الله تعالى : { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } البقرة 195
أي جزآء أعظم من محبة الله للعبد إن أحسن
وأي ثواب أفضل من رؤية وجه الله عز وجل ..
والتي فسرها العلمآء بــ ( الزيادة )
في قوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ
وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ
أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يونس 26
نسأل الله أن يجعلنا منهم .
ختاما
ليس هناك أبلغ في ردع النفس وزجرها
عن التمادي في المعصية والغفلة عن مراقبة الله
والاستهانة بنظره إلى عبده
وهي من نظم الإمام العابد الزاهد
أبي محمد الأندلسي القحطاني المالكي ــ رحمه الله ــ
في نونيتة المشهورة
حين قال :
وَإِذَا خَلَوْتَ بِرِيْبَةٍ فِي ظُلمَةٍ ***والنَّفْسُ دَاعِيةٌ إلَى العِصْيانِ
فـَ استَحْيِّ مِن نَظَرِ الإِلَهِ وقُلْ لهَا *** إنَّ الذَّي خَلَقَ الظَّلامَ يَرَانِي