يقول الدكتور زكي مبارك :
يختلف الذوق في تقدير مواطن الجمال من عصر إلى أخر ، و هذا أمر طبيعي ،
ذلك إن لكل عصر مزاجه و مقاييسه و بيئاته التي تختلف عن سواه ، فما كان يسيغه القدماء
و يعتبرونه مفرطا في الجمال قد لا نجده نحن الآن كذلك ،
أو بنفس القدر ، أو أصبحنا نرى الجمال في نقيضه تماما .
و يصدق هذا على التعابير الأدبية في لغتنا الجميلة.. فمنها تعابير شاعت لدى القدماء ،
و لكنها لكثرة ما استعملت و دارت على الألسنة و الأقلام أدركها الابتذال
فالناس قديما استجادوا و استحسنوا قول الشاعر الهذلي :
وإذا المنية أنشبت أظفارها .. ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
ووقفوا طويلا عند بلاغة التعبير الذي وفق إليه الشاعر عندما قال أنشبت المنية أظفارها ..
ثم أصبح هذا التعبير مبتذلا لكثرة الاستعمال و تغيّر الذوق من عصر إلى عصر ، بحيث أصبح يتحاشاه الشعراء و الكتاب .
و مثله تعبير : استشعر الندم ، و تعبير حَذوك النّعْلَ بالنعل .. مع ان القدماء استجادوا و استحسنوا قول عمر بن ربيعة :
فلما تلاقينا عرفت الذي بها .. كمثل الذي بي حَذْوك النّعْل بالنعلِ
كذلك تعبير : "نؤوم الضحى" كان من أجمل ما توصف به المرأة العربية قديما ،
لأنه يرمز إلى المرأة المدللة المرفهة المكسال لكنه أصبح الآن من سقط المتاع
(أي غير مستحسن أو لائق ) فقد تغيرت المفاهيم و الأذواق
و لم يعد نوم المرأة حتى وقت الضحى صفة مستحبة فيها حتى يصفها الشعراء بأنها نؤوم الضحى
و مثل هذا التعبير تعابير أخرى كانت ترتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة العربية ـ في المجتمع العربي القديم ـ
مثل فلان كثير الرماد كناية عن الكرم (لان مواقده دائمة الامتلاء بالرماد ) و مثل جبان الكلب .
أي أن كلبه لا ينبح الضيوف و الطارقين كناية عن الكرم و مثلها مهزول الفصيل ..
مع أنها جميعا كانت من أطيب الصفات . في شعر من قال:
و ما يك فيَّ من عيب فإنني .. جبان الكلب مهزول الفصيل
،
كذلك كلمة النسوان كانت قديماً حلوة الواقع في قول الشاعر:
فو الله ما ادري أزيدتْ ملاحة .. و حسنا من النسوان أم ليس لي عقل
و لكنها اليوم على ألسنتنا و أقلامنا كلمة هجاء و لا تؤدي في الذوق ما تؤدي كلمة نساء..!