يا له من حدث عندما يعود ولدك إلى المنزل ومعه للمرة الأولى وظائف مدرسية، فلم تعد مسؤولياته مقتصرة على إتباع التعليمات في الصف فحسب، بل بات يحمل معه اليوم وظائف عليه إتمامها في البيت والذهاب بها إلى المدرسة لتصحيحها.
وقد يعتبر الأهل هذا الأمر بمثابة تحدي، بأن يظهروا للناس أن طفلهم هو الأذكى أو على الأقل لا يترك انطباعاً سلبياً عند أساتذته. وقد يريد الأهل بكل بساطة أن يشعر طفلهم بأنه ناجح، ويتجنب الإحراج أو الفشل. ولهذه الأسباب كلها، يأخذ الآباء والأمهات على عاتقهم مهمة إتمام الوظائف المدرسية، عبر الجلوس مع ولدهم بغية المساعدة. ومع الوقت تتحول المساعدة إلى سعي متواصل لان يتعوّد الولد بنفسه على تحمل مسؤولية إتمام فروضه. فكيف يمكننا أن نساعده على تطوير هذه العادة؟
لا يتمكن الأولاد بسهولة أن يصبحوا مستقلين وذلك ليس لأنهم يشعرون بالكسل أو ينقصهم الذكاء، بل لان أي إنسان اعتاد على المساعدة، يتوقع الحصول عليها كلما واجه تحديات، فلا يقوم بأي مبادرة فردية، ومع الوقت، تخف قدرة الشخص على تحمل المواقف القاسية فتصبح حياته أكثر صعوبة.
في البداية، إليك بعض القواعد الأساسية التي يجب على كل أب أو أم حفظها وعدم التغاضي عنها:
لا بأس في ارتكاب أخطاء:
حيث يتعلم الولد من أخطائه، ومن طرق التعليم المفيدة أن تشير المعلمة إلى الخطأ عندما يرتكبه الولد، كذلك ليس بالأمر الجيّد إرسال الولد إلى الصف وهو مقتنع بأن كل شيء يجب أن يكون مثالياً، وانه من السيئ ارتكاب الأخطاء أمام الآخرين، او حتى المخاطرة بأي شيء نتائجه ليست مؤكدة. إن الشعور بالثقة بأن الوقوع في الخطأ أمام الآخرين ليس بالأمر السيئ، عنصر مهم في تنمية المبادرات الفردية عند الولد.
الكثير من المساعدة ليس بمساعدة على الإطلاق:
"تلقيم الولد بالملعقة كل شيء" يؤدي به تدريجيا إلى فقدان قدرته على تنمية كفاءاته الشخصية واستخدامها، فيصبح معتمداً بشكل كلي على أهله ويستسلم عند أول امتحان أو تحدي بسيط، ما يحول دون تنمية قدراته.
كذلك، عدم المساعدة ليس بمساعدة على الإطلاق:
ترك الولد يواجه الحياة من دون أن يشعر بان هناك من يدعمه أو يمكنه الاستناد إليه، يؤدي به إلى الفشل ويحبط عزيمته في بذل مزيد من المجهود. قد يميل بعض الأهل إلى التصرف في البيت كما في المعسكرات، لكن هذه الطريقة ليست دائما مفيدة في التربية.
الشعور بأنك تجيدين القيام بشيء ما قد يكون مثمراً:
انه لشعور رائع عندما تتعلمين أخيراً كيف تحافظين على توازنك وأنت تقودين الدراجة. السرّ هنا هو في جعل الولد يشعر بهذه السعادة عندما يبرع بانجاز عمل مدرسي.
كيف نطبق هذه القواعد في المواقف التي نواجهها يوميا؟
الأخطاء:
ليس من السهل غض النظر عن خطأ يرتكبه الولد: كتب ولدك 2+2= 5 وفكرة تصحيح خطأ مماثل تغيظك. عادة ما نقول "اثنان زائد اثنان، كم عددهم؟... عدّ أصابعي... نعم أربعة!" إننا نلقمه بالملعقة طريقة التصحيح.
إذا كان هذا هو الخطأ الوحيد الذي ارتكبه الولد في مجموعة 40 مسألة تمكن من حلها بمفرده، لا يجب التركيز على هذا الخطأ. مع ذلك، يمكنك الإشارة أمامه إلى أن هناك خطأ ما في إحدى المسائل من دون تحديد مكان الخطأ. وبما أن الولد لم يكن متنبها للخطأ، يضطر إلى مراجعة كل المسائل والتأكد مرة أخرى من وظائفه، بالتالي يكون قد قام بعمل جيّد جدا وبشكل مستقلّ.
في حال وجدت عددًا من الأخطاء في المسائل، يستحسن ان تعودي إلى الدرس الأساسي وان تطلعيه عليه من جديد مع الاستعانة بأمثلة، حتى تتأكدين من انه فهمه جيدا. بعدها، اتركي الولد يحل المسائل من جديد بمفرده. حاولي ألا تظهري أي انفعالات تجاهه كخيبة أمل او إحباط عندما تجدين خطأ ما، حتى وان كان الأمر مغرٍ، فهكذا انفعال يولّد عند الطفل هدفا سيئا من ذهابه إلى المدرسة هو "أن يتجنب خيبة املك به".
الجرعة الصحيحة من المساعدة:
المساعدة مهمة: فمن دونها تكون عملية التعليم بطيئة جدا. لن نقبل في قضاء عشرة ألاف سنة كل مرّة نريد فيها أن نتعلم كيف نبرع، بعض الأشياء لا بد من تعلّمها بشكل مباشر. في البداية، من المستحسن الإشارة إلى معظم الأشياء بشكل مباشر لأنها تكون جديدة على الولد، أما الاستقلالية فتبدأ بالتكوّن عندما تعلمي الولد القواعد الأساسية وتدعيه يختبرها. على سبيل المثال، علّمت ولدك كيف يعدّ على أصابعه، ولكن عندما تعطيه فرضا لإتمامه للمرة الأولى لا تتوقعي منه أن يحلّه بشكل صحيح. هدفك في الوقت الحالي هو مساعدته على تطوير فعله اللا إرادي بان يرفع يده ويبدأ بالعدّ. هذه هي الطريقة المثلى نحو الاستقلالية: أن يقوم الولد بخطوات صغيرة شيئاً فشيئاً وبشكل مستقل طريقة مثمرة أكثر بمليون مرة من أن يقوم بقفزة عملاقة مع مساعدة. ابحثي دائما عن الفرص التي ينمّي من خلالها استقلاليته.
الاستمتاع بالتعلّم:
هنا، تحثين ولدك على أن يكون مستقلاً، إذا شعر بالفخر جراء ما يقوم به، فاعلمي انك ربحت المعركة. والحيلة، هي أن تدعيه يشعر بأنه المسؤول عما يقوم به.
إذا حاولتي الدخول في لعبة ما او ممارسة أي رياضة وشعرت منذ البداية أنها صعبة، ستستسلمين مباشرة، ولكن إذا شعرت انك برعت في ما تقومين به أو تتعلمين بسرعة، ستستمتعين بالأمر وستحاولين القيام به مرة أخرى.
هكذا مع الولد، ابدئي بتعليمه شيئاً سهلاً يمكنه القيام به من دون أي مساعدة. عليك أن تراقبي قدراته وان تطلبي منه القيام بما يمكنه القيام به، عند انجاز العمل، امدحي الولد لما قام به ثم انتقلي إلى مهمة أصعب بقليل. لا تطمعي بالكثير، دعيه يكتسب ثقته بنفسه ويشعر بأنه بارع بما يقوم به، وبعدها انتقلي إلى مستوى أكثر صعوبة.
قاعدتك هي: إذا لم يتمكن الولد من القيام بالمهمة التي طلبت منه إتمامها، عودي إلى المهمة السابقة التي تمكن من إتمامها مع قليل من التحدي. إنها فترة تجارب وأخطاء، ولكن عليك ان تصلي في النهاية إلى شيء قام به بنفسه.
بالعودة إلى مثال الدراجة، لا يمكن أن تتركي ولداً يقود دراجة بعجلتين بمفرده للمرة الأولى ، عندما تعرفين انه بات متمكّنا من القيادة بمفرده اتركيه لثانية ثم لثانيتين وبعدها لخمسة والى أخره. عليك أن تتوقفي عن تمرينه عندما يبدأ بالشعور بأنه قادر أن يدخل في بطولة، دعيه يفتخر بنفسه. فكري بالفرح والاستمتاع، من دون الاستمتاع لا جدوى من الجهود.
في النهاية، يجب أن تكوني أول من يستمتع بالقيام بكل هذه المهام، فالاستمتاع مُعدٍ ومحفّز. في اللحظة التي يشعر فيها ولدك انه يستمتع في القيام بأي تحدٍ (وظائف مدرسية أو أشياء أخرى)، تكونين قد قدمت له أداة قوية بيده.