إذا وضع السيف في أمتي فلن يرفع عنهم إلى يوم القيامة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
(زويت لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطيت الكنزين الأصفر أو الأحمر والأبيض يعني الذهب والفضة وقيل لي إن ملكك إلى حيث زوي لك وإني سألت الله عز وجل ثلاثا أن لا يسلط على أمتي جوعا فيهلكهم به عامة وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض وإنه قيل لي إذا قضيت قضاء فلا مرد له وإني لن أسلط على أمتك جوعا فيهلكهم فيه ولن أجمع عليهم من بين أقطارها حتى يفني بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا وإذا وضع السيف في أمتي فلن يرفع عنهم إلى يوم القيامة وإن مما أتخوف على أمتي أئمة مضلين وستعبد قبائل من أمتي الأوثان وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين وإن بين يدي الساعة دجالين كذابين قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي ولن تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل)
الراوي: ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3207
خلاصة حكم المحدث: صحيح
شرح الحديث
أيضاً من الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الذي في صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها) يعني: ما جمعه الله عز وجل لي ورأيته لابد وأن يكون، لأن الله لا يخلف الميعاد سبحانه، ثم قال: (وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) يعني: أنه صلى الله عليه وسلم دعا ربه سبحانه ألا يهلك المسلمين بسنة عامة، يعني: جميع المسلمين وإلا ففي بلاد المسلمين حصلت مجاعات خلال القرون السابقة، كانت تجيء على أهل مصر مجاعة كانوا يأكلون الكلاب ويأكلون لحوم الميتة، والذي يقرأ في التاريخ يعرف كيف أننا أصبحنا في نعم من الله سبحانه وتعالى، ففي بلادنا هذه يذكر الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء وغيرهما من الكتب وغيره من العلماء أنه حصلت مجاعات في هذه البلاد كان الناس يأكلون فيها كل شيء، ووصل ثمن حفنة القمح بمثلها من الذهب، كانوا يخرجون الدر والياقوت حتى يأخذوا مكانه قمحاً بنفس المقدار! وهذه المجاعات أكل فيها الناس الكلاب وأكلوا كل شيء، حتى كان الرجل يموت فلا يصلون بجثته إلى المقابر إلا وقد تخاطف الناس الجثة وأكلوها، ويذكر علماء التاريخ من ذلك أنه في مجاعة من هذه المجاعات خرج قاضي البلد على بغلة له ومعه حراسه، وتركوا البغلة في مكان، وذهب القاضي للقضاء، فالناس سرقوا البغلة وأكلوها، نسأل الله العفو والعافية! فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا ربه ألا يهلك المؤمنين بسنة عامة يعني: ألا يعمهم عذاب من عند الله عز وجل ويمنع عنهم المطر ويمنع عنهم الخير ويموت الجميع، فليس يحدث هذا الشيء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دعا ربه بألا يكون ذلك، ولكن قد يحدث في بعض البلدان ذلك.
ودعا صلى الله عليه وسلم: (ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) وربنا سبحانه أجاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً) يعني: أن يقاتل المسلمون بعضهم بعضاً، طمعاً في الدنيا وحباً للملك، إذا حصل ذلك سأسلط عليهم أعداءهم، وهذا هو الحاصل في المسلمين، لما بغى المسلمون بعضهم على بعض، وتركوا كتاب الله عز وجل وراء ظهورهم، وتنازعوا وتناحروا على الدنيا؛ إذا بالله عز وجل يتركهم، فيتسلط عليهم أعداؤهم، وهذا الوعد الحق من أشراط الساعة.
إذاً: الله لا يرفع عن هذه الأمة العذاب العام، وإنما يجعل بأسهم بينهم إذا هم نسوا دين الله عز وجل، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم إلا إذا تسلط بعضهم على بعض، حينها يسلط عليهم أعداءهم.
وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) الإمام إما الإمامة الكبرى بمعنى الأمراء والرؤساء والخلفاء، وإما الأئمة المفتون الذين يفتون الناس ويعلمون الناس دينهم، فمن هؤلاء أئمة مضلون، وهم الذين يتركون كتاب ربنا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويتأولون ذلك بأهوائهم وبرأيهم، ويصدرون للناس أحكاماً ما أنزل الله عز وجل بها من سلطان، فإذا بهم يفتون الناس بغير علم أو يفتون الناس بالباطل مع معرفتهم الحق، فتسمع الفتاوى العجيبة من ناس ليس لهم شأن بدين الله، ومن أناس من أهل هذا الشأن وأساتذة في الجامعات ومع ذلك يتكلم أحدهم بالكلام الذي يجامل فيه الخلق وينسى كتاب الله وينسى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو يتغافل عنهما، فهؤلاء هم الذين حذر النبي صلى الله عليه وسلم منهم: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) يعني: الحكام الذين يدعون الناس إلى غير كتاب الله سبحانه، ويبعدون الناس ويلهونهم عن دين الله عز وجل، وكذلك الأئمة الذين يأتم الناس بهم ويتبعونهم ويقلدونهم فيفتونهم بغير علم أو يفتونهم بأهوائهم وزيغهم.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة -الكل يقول: أنا مسلم-، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) وأهل السنة هم الجماعة الذين يجتمعون ويعتصمون بحبل الله سبحانه وتعالى، ولذلك أعداء المسلمين يريدون أن يكون كل المسلمين في ضياع، بعيدين عن كتاب الله وعن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يتمسك بالكتاب والسنة فهذا عندهم متزمت متشدد، لكن ابعد عن الكتاب والسنة بحيث تصبح المسلم الذي يريده الغرب الكافر.
إذاً: الفرقة الوحيدة الناجية هم أهل السنة، الذين يصفهم هؤلاء الكفار بأنهم الأصوليون وبأنهم المتزمتون، ويقصدون المتمسكين بكتاب الله وبسنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين)
يعني: ليس واحداً ولا اثنين لكن سيلحق كثير بالمشركين، فيا ترى هذا حاصل وإلا ليس بحاصل؟ كم يحصل من المسلمين ممن يتسمى بأسماء المسلمين وينبهر بما يزعم بأنها حضارات الكفار فيدعوه إلى ما يدعوه إليه هؤلاء، يقول: أنا علماني، وفي البداية كان يستحيي الواحد منهم أن يقول: أنا علماني، وكانوا يقولون: إن معنى علماني يعني: علم التكنولوجيا وعلم كذا، يعني: لا دخل لي بالدين، أما الآن فيصرحون بأنهم علمانيون، يعني: لا دخل لي بالدين، فهذه امرأة لبنانية سئلت على قناة فضائية: ما دينك؟ قالت: لا دخل لك بديني أنا علمانية، يعني: هي لا تؤمن بالغيب، ولا تصدق الكتب السماوية، هذا الذي يقولونه الآن، فهؤلاء انسلخوا عن دينهم، وهم الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يذهبون إلى الكفار حيث قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) يتعوذ بربه سبحانه أن يكون قبره وثناً يعبد، وقال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد إني أنهاكم عن ذلك) فقد حذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأيام ذكرت له
إخبار الرسول عن ظهور كذابين يدعون النبوة
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي) انقطع أمر الرسالة والوحي من السماء، ولا يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا نزول المسيح عليه الصلاة والسلام؛ ليحكم بهذه الشريعة بكتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فليس يأتي بشيء جديد وإنما يأتي ليحكم بهذه الشريعة العظيمة.
وذكر أنه سيظهر دجالون كذابون يزعمون أنهم أنبياء، وهؤلاء أجهل الناس بدين الله وباللغة العربية التي يتكلمون بها؛ ولذلك يقولون: إنه قال: لا نبي بعدي، ولم يقل: لا رسول، ولا رسول إلا وهو نبي أصلاً، إذ كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، فالرسالة أعلى مرتبة، فكل من بعثهم الله أنبياء، وخص بالرسالة مجموعة من هؤلاء الأنبياء، فهؤلاء الذين يكذبون يقولون: هو قال: لا نبي بعدي، ولم يقل: لا رسول، فنقول: النبي عليه الصلاة والسلام حين يخبر أنه لا نبي بعده فمعنى ذلك أنه لا نبي ولا رسول؛ لأنه مستحيل أن يكون رسولاً قبل أن يكون نبياً.
بقاء الطائفة المنصورة على الحق إلى قيام الساعة
يقول صلى الله عليه وسلم: (ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) فهذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق، والوعد الصدق الذي يخبر به، فالله سبحانه لا ينطمس نوره عن الدنيا بالكلية، لا يكون أبداً، لابد وأن تكون طائفة في كل زمان تعرف الحق الذي يريده الله سبحانه، وتدعو الناس إليه، حتى تقوم الساعة وهم على ذلك متمسكين بدين الله عز وجل.
نسأل الله أن يجعلنا من هذه الطائفة المنصورة، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يخذل الكفر والمشركين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.