يحشر المرء مع من أحب: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما أعددت لها؟" قال : إني أحب الله ورسوله. قال : أنت مع من أحببت. بهذا الحب تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض فتشرب الشربة المباركة التي لا ظمأ بعدها أبدا.
كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحب له قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه و نحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" ما غير لونك؟". قال: يا رسول الله… ما بي ضر غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك و استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة و أخاف أن لا أراك هناك، لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين ، و أني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي ادني من منزلتك، و إن لم ادخل لا أراك أبدا فانزل الله عز وجل قوله:" و من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين و الصدقين والشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا".
الرحمة المهداة: قال عز وجل:" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". لولاه لنزل العذاب بالأمة.. لولاه لاستحققنا الخلود في النار… لولاه لضعنا. قال ابن القيم في " جلاء الافهام":" إن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته: - أما أتباعه: فنالوا بها كرامة الدنيا و الآخرة. - و أما أعداؤه المحاربون له: فالذين عجل قتلهم و موتهم خير لهم من حياتهم، لان حياتهم زيادة في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب الله عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر. - و أما المعاهدون له: فعاشوا في الدنيا تحت ظله و عهده وذمته، وهم اقل شرا بذلك العهد من المحاربين له. - و أما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم و أموالهم و أهلهم و احترامها، و جريان أحكام المسلمين عليهم في التوراة وغيرها. - و أما الأمم النائية عنه: فان الله عز وجل رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العاملين النفع برسالته".
الجماد أحبه … و أنت؟ لما فقده الجذع الذي كان يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر حن إليه و صاح كما يصيح الصبي، فنزل إليه فاعتنقه، فجعل يهذي كما يهذي الصبي الذي يسكن عند بكائه، فقال صلى الله عليه وسلم:" لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة". كان الحسن البصري إذا حدث بهذا الحديث بكى و قال: هذه خشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتم أحق إن تشتاقوا إليه.
ما اشد حبه لنا!! تلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل في إبراهيم:" رب إنهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فانه مني و من عصاني فانك غفور رحيم". و قول عيسى عليه السلام:" إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم". فرفع يديه و قال:" اللهم أمتي.. أمتي" و بكى، فقال الله عز و جل: يا جبريل اذهب إلى محمد فسله: ما يبكيك؟ فاتاه جبريل عليه السلام فسأله، فاخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما قال، فاخبر جبريل ربه وهو اعلم ، فقال الله عز وجل : يا جبريل… اذهب إلى محمد ، فقل: إنا سنرضيك في أمتك و لا نسوؤك.
حتى لا تكون فاسقا قال الله عز وجل في سورة التوبة، التي سميت بالفاضحة و المبعثرة، لأنها فضحت المنافقين و بعثرت جمعهم:" قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره و الله لا يهدي القوم الفاسقين". قال القاضي عياض : فكفى بهذا حضا و تنبيها و دلالة و حجة على إلزام محبته ووجوب فرضها و عظم خطرها و استحقاقه لها صلى الله عليه وسلم ، إذا قرع الله من كان ماله وولده و أهله أحب إليه من الله و رسوله و أوعدهم بقوله:" فتربصوا حتى يأتي الله بأمره"، ثم فسقهم بتمام الآية، و أعلمهم أنهم ممن أضل و لم يهده الله.
كمال الإيمان في محبته قال صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده و الناس أجمعين". قد تمر علينا هذه الكلمات مرورا عابرا لكنها لم تكن كذلك مع رجل من أمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا،والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال عمر: فانه الآن و الله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" الآن يا عمر". قال الخطابي: فمعناه أن تصدق في حبي حتى تفني نفسك في طاعتي، و تؤثر رضاي على هواك ، وان كان فيه هلاكك.
و لأنه لم يرنا مع شدة حبه لنا و خوفه علينا كان يود إن يرانا فيحذرنا بنفسه، لتكون العظة ابلغ و انجح قال صلى الله عليه وسلم :" وددت أني لقيت إخواني الذين امنوا و لم يروني".
لكي تذوق حلاوة الإيمان لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان:أن يكحون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ". وهذه مكافأة يمنحها الله عز وجل لكل من آثر الله ورسوله علي هواه ..فيحس إن للإيمان حلاوة تتضاءل معه كل لذات الأرض، ولان من أحب شيئا أكثر من ذكره،فكلما ازداد العبد لرسول الله صلي الله عليه وسلم حبا كلما ازداد له ذكرا ، ولأحاديثه ترديدا ، ولسنته إتباعا ومع هذا كله تزداد حلاوة الإيمان.
ولي كل مؤمن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه".