حينمَا ترتَدِي ثَوبَ العفَاف ، وتُزيِّنُ قلْبَكَ بأنوارِ الإيمَان
، حينمَا تتسَاقطُ منكَ قطراتُ الوضُوءِ ، لتُحسَّ بنورٍ وسُرورٍ قدْ أحاطا بك . حينمَا تَكُونُ منَ
المُسْتغفِرين الحَامدِين للَّه فِي كُلِّ سَاعَةٍ وعَلَى كُلِّ حَال ؛ لأنَّ الله قدْ علَّمك قَول خيرِ الخلْقِ عليه
الصَّلاةُ والسَّلام حينَ قَال :
( طُوبَى لمَن وُجدَ فِي صحيفتهِ استغفَارٌ كثيرٌ ) صححه الألباني .
حينمَا تَرْفَعُ يديكَ لتُنَادِي ( اللَّهُ أكبَر ) .
حينمَا تجْعَلُ الدُّعَاء والتَّضرُّع مُرافقًا لكُلِّ ركعَاتك . حينَمَا تذْرف الدُّمُوع منْ أنهَارِ الخوفِ
والرَّجَاءِ والفرحِ والحيَاء . حينمَا يُرافقُ كُلّ سيِّئَاتكَ ندمٌ واستغفَار ، وحينمَا ترَى التَّوفيقَ
منَ الله لك وحفظَهُ جُزءًا مُنيرًا فِي حيَاتك ، ألاَ يُوحِي لكَ ذَلكَ بشئ ؟! ألاَ تطْرُقُ السَّعَادة أبواب
قلبكَ ؟! حينَذَاك ، اعلم واحمدِ الله ، فأنتَ تسيرُ فِي طريقِ الاستقَامَة ، ولو أذنبتَ أحيَانًا
، ولو أخطأتَ مِرارًا ، فقلْبُكَ حيٌّ ، ومَا عليكَ إلاَّ أنْ تستغفِر وتَتُوب من ذَنبك
؛ لأنَّ الله يُحبُّ التَّوَّابينَ
، قَالَ تعَالَى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ البقرة/ 222 .
يسألُنِي بعضُ النَّاسِ وهُم مُتعجِّبُون : لمَاذَا تتأخَّرينَ فِي صَلاتك ؟!
أكُلُّ هَذَا صلاَة ؟!! واللهِ لا أدري أأتعجَّبُ أنَا أم هُم ؟! مَنْ فينَا الغَريب ؟!
ألاَ يدرُون أنَّ فِي الوضُوءِ وَحدهُ راحَة وزَوالُ هُمُوم ؟!
فكيفَ بلقَاءِ الله بقلْبٍ خاشِعٍ ذَليل ؟!
إنَّهَا الصَّلاة .
ففِي الصَّادِ : صِحَّة .
وفِي اللَّامِ : لذَّة .
وفِي التَّاء : تَوبَة .
مَا أجملَهَا منْ دقَائق تلكَ الَّتِي أقضيهَا مع مَنْ يعلمُ وحدَهُ بهُمُومِي ! فرجَاءً
، لا تسْألُونِي والحِيرَةُ تعتلِي وجُوهكُم . جرِّبُو ، واعلمُو الجوابَ بأنفسكُم . فإنَّمَا هُو جوابٌ
مَحسُوسٌ وإن وصفتهُ ، فلن تعُو حقيقة حلاوته .
حينمَا تجلسُ وحدكَ فِي ظُلُمَاتِ اللَّيل البهِيم ، حينمَا تغمُرُك الهُمُوم ، وتجتَاحُ قلبك
الأحزان ، وتعتليكَ الشَّكوى والضَّجر ،تبحثُ حولكَ عن مَنْ يَسمعُك بإصْغَاء ، مَن يفهمُك
. تتلفتُ يمينًا وشِمَالاً فلاَ تجد
. وأنتَ الَّذِي تُصْغِي لأصدقَائكِ وتُشَاركُهم هُمُومهُم . وحينمَا ضَاقت بكَ الدُّنيَا
، لا أحد مِنْ حولكَ .
حينهَا لا تحزَن ، فإنَّ الله يُحبُّ منك أن تلتجئ إليه وحده . هُو يعلمْ أنَّ البشَر
لنْ ينفعُوك بشئ ، مهمَا شكوت ومَهمَا قُلتْ . فلو استطَاعُو
، لعالجُو هُمومهُم .
لذَا يَا عبْدَالله ، أجِب دُعَاءَ مَنْ يُنادى فِي ظُلُمَات السماءِ الدنيا ، فيقولُ
( هل من سائلٍ فأُعطِيَه ؟ هل من مُستغفرٍ فأغفرَ له ؟ هل من تائبٍ فأتوبَ عليه ؟
حتى يطلعَ الفجرُ )
صحيح الجامع .
فمهمَا كَان طلبك - مالم يكُن إثمًا أو قطيعَة رحم - فإنَّ الله لا يعْجزُ عنه
. لذَا ، افرش سجَّادتك ، واستقبل اللَّه بقلبٍ ذليل ، واذرفِ الدُّموع ، واعلم أنَّ الله هُو وحدَهُ
مُفرِّجُ الهُمُوم ، وهُو وحدَهُ مَن يعلمُ بحُزنكَ وضِيقك . كيفَ لاَ وأنتَ عبدُه ؟! خلْقُكَ سُبْحَانه
. وهُوَ منْ أحيَا قلْبَك ، ويعلمُ أنَّ فيكَ الخير الْكَثِيرَ . يعلمُ أنَّك سَاعدتَ فُلانًا
، وفرَّجتَ هَمَّ آخَر احتَاج مالاً ، أو احتَاج مدَّ يدكَ لهُ بأي عَونٍ كَان . يعلمُ أنَّك
اشتريتَ منْ ذلك الطِّفل الَّذِي يبيعُ عُلب المناديل وسط زحَام السَّيَّارات
، لا حاجةً لكَ بهَا ، وإنَّمَا رسْمًا للبسْمَةِ عَلَى شفَتيهِ . يعلَمُ أنَّك تسْتمعُ إلَى الأغَانِي ،
وفِي ذَاتِ اللّحظة يَكُون النَّدم مُرافقًا لك ، ونبضَاتُ قلبك تزدَاد - بلْ وترتجف - خَوفًا منْه
. يعلمُ أنَّك تُرافقُ فُلانًا ومَنْ معهُ مِمَّن يُشجِّعُونك عَلى اللَّهو فِي الحيَاة ، وقلبُك يعتصِرُ ،
ولسَانُ حَالكَ يقُول : مَالِي لا أقدِرُ على فُراقهم ؟! يعلم أنَّك تصْرُخُ فِي داخلك بكلمة :
لا أستطيع ، لستُ شُجاعًا ، لا أقدر على تركِ هذِه الذُّنوب الَّتِي رافقتنِي أعوامًا طِوالاً
. يعلم ... ويعلم ... ويعلم
وأنت تعلم أنَّك إن حَاولت وحاولت - حتَّى وإن تبِعَ مُحاولتكَ فشَل يليهِ فشَل ، شرط أن
لا تيأسَ أبدًا منْ رحمةِ الله ، قَال تعَالَى : ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ
اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ يوسف/87
، وقَال تعَالَى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾
الزمر/53-54 - تعلمُ أنَّك ستنجح ، وأنَّك بإذْنِ اللَّه [ تسْتطيع ] .