الكفار لا ينتفعون بالقرآن بسبب إعراضهم عنه، وتكذيبهم له.
وأما أهلُ المعاصي والفجور فهم أقلُ انتفاعاً به بسبب هجرانهم له، وانكبابهم على شهواتهم
: " وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً 45 وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً " [الإسراء:46،45]. هذا حال الكفار والمنافقين قد حجبوا عن الإنتفاع به.
أما أهلُ المعاصي فقد اكتفوا بغيره بديلاً عنه حتى هجروه؛ لذا عظمت شكاية الرسول إلى الله تعالى منهم كما في قول الله سبحانه: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان:30] ذكر ابن كثير رحمه الله: أنهم عدلوا عنه من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره [تفسير ابن كثير:3/ 507].
وكم من أناس في هذا الزمن ولعوا بالغناء والمعازف حتى لا تفارق أسماعهم! وهجروا كلام الله حتى لا يطيقون سماعه، ولا تجتمع محبة القرآن ومحبة الغناء في قلب واحد.
بيوت يُحيى ليلها، ويقضى نهارها في سماع الغناء والمعازف؛ حتى إن أصواتها لتنبعث من وراء الجدران؛ مبالغة في الجهر والعصيان.
بيوت خلت من ذكر الرحمن، وعلا ضجيجها بمزمار الشيطان؛ حتى انتشرت الشياطين في أرجائها وأركانها، وجالت في قلوب أصحابها؛ فحرفتهم عن سبيل الهدى والرشاد إلى سبيل الغي والفساد، فكثرت فيهم الأمراض النفسية، والإنفعالات العصبية، والأحلام المزعجة فكانوا كمن فيهم: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19].
ويخشى على من كان كذلك أن يختم له بالسوء، وأن ينعقد لسانه حال إحتضاره عن شهادة الحق، وقد اشتهرت حوادث كثيرة في ذلك.
وما راجت سوق الغناء والمعازف، وكثر المغنون والمغنيات إلا بسبب كثرة السامعين والسامعات فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
أما أهل الإيمان والقرآن ففرحهم بلقاء ربهم لا يوصف؛ عظموا كتاب الله عز وجل فرزقهم الله حسن الختام، وأكثروا قراءته وتدبره والعمل به؛ فاستقبلتهم الملائكة في مواكب مهيبة، تبشرهم بالرضى والجنان، فشوهدوا حال إحتضارهم وهم في أمن وطمأنينة. هذا الإمام المقرىء المحدثُ الفقيهُ أبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى لما حضرته الوفاة بكت أخته ! فقال لها: ما يبكيك انظري إلى تلك الزاوية فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة [نزهة الفضلاء:675].
فهل يستوي هذا مع من سمع آلاف الأغاني، وقضى آلاف الساعات في العصيان كلا والله لا يستويان.
ومما يؤسف له أن يربى الأولاد الصغار على الأغاني والمعازف، ويفاخر بهم في هذا الشأن كما يفاخر أهل القرآن بأولادهم في حفظ القرآن!! وتلك مصيبة أن يربى أهل القرآن على مزمار الشيطان، وكان الأولى؛ بل الواجب أن يربوا على كلام الله تعالى. ورمضان أنزل فيه القرآن، وهو فرصة لإحياء مساجدنا وبيوتنا بكلام الله تعالى، لا سيما مع إقبال الناس على القرآن.
وينبغي للصائمين ألا يذروا في بيوتهم شيئاً يزاحم القرآن، لا سيما إذا كان يعارضه ويناقضه، كما هو الحال في كثير من البرامج الفضائية والتلفازية التي ينشط أهل الشر في عرضها وتزيينها في رمضان؛ بقصد جذب المشاهدين إلى قنواتهم، والتي لا تزال تزاحم القرآن والذكر وسائر العبادات في هذا الشهر العظيم.
أسأل الله الغفور الرحيم أن يتغمدنا برحمته، وأن يصلح سرنا وعلانيتنا، وأن يجعلنا من عباده المقبولين، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.