بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الأمراض التي تتسلل إلى قلوبنا وخاصة في هذا الزمان وخاصة في بعض مجتمعاتنا وتحديدًا في مثل هذه الأيام فرمضان في هذا العام يأتي في وقت الصيف، في إجازة الصيف والجو فيه حرارة شديدة – في الخارج بطبيعة الحال – والوقت يدعو الإنسان بكل ما فيه بكل الظروف والملابسات إلى ما سنتكلم عنه اليوم (الكسل)
“الكسل” الذي إذا أردنا أن نعرفه تعريفًا دقيقًا وجدنا أنه يعني أن يتثاقل الإنسان عن شيء لا ينبغي أن يتثاقل عنه، أمر مهم، أمر يعتبر من الأولويات لكن هذا الإنسان يتثاقل عن القيام بهذا الأمر المهم. والكسل على أنواع وليس كما يظن الناس أنه على نوع واحد فقط:
هناك كسل في العقل وهناك كسل في الجسم والبدن وكسل الجسم والبدن نتيجة طبيعية جدا لكسل العقل لأن العقل هو مدار التكليف، العقل هو المدار الذي على أساسه كُلّف الإنسان وكرّم الإنسان وجعله الله سبحانه وتعالى أشرف ما خلق. وكسل العقل الذي نتكلم عنه بمعنى أن هذا العقل الذي شرّف الله به الإنسان أراد الله له سبحانه أن يقوم له الإنسان بمهمة التفكر والتبصر والتأمل فيما يأتي عليه وعلى أسرته وعلى مجتمعه بالخير والنفع فإذا ما تثاقل الإنسان عن القيام بهذه المهمة للعقل وجعل العقل معطلًا لا يشتغل في هذا أبدًا، لا يشتغل فيما ينفعه وإنما كل ما يُعمل فيه عقله إنما هو في إضاعة الوقت وإهدار الجهد وساعات الزمان وربما حتى في إهدار الصحة كما يحدث في بعض الأحيان حين يقع الشباب فريسة للمخدرات والعياذ بالله أو ما شابه. إهدار للصحة، إهدار الوقت، إهدار للعقل الذي هو شرف الإنسان وتاج رايه. هذه المهدرات لا تأتي إلا من مرض، مرض كسل العقل فترى العديد من الناس في مثل هذه الأيام يظن أن كون المسألة مسألة إجازة صيفية يعني أنه إجازة مطلقة مفتوحة من كل أشكال وأنواع التفكير فلا يكتسب فيها مهارة ولا يحاول أن يفتح كتابًا ولا يتعلم شيئًا جديدًا ولا يحاول أن يضيف إلى معارفه شيئًا فإذا سُئل عن ذلك أو حتى مجرد فتح للموضوع في هذا المجال قال أنا في إجازة، أنا انتهيت من الامتحانات! وكأن الامتحانات فقط أو المدارس والمعاهد والجامعات هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن سكتسب الإنسان منه المعارف والعلوم والمهارات المختلفة.
وتحت بند كسل العقل يذهب العقل في إجازة ويصبح الإنسان وخاصة فئات الشباب وكل فئات المجتمع حقيقة حتى لا نقع في ظلم للشباب ولكن تحديدا الشباب على اعتبار أن الشباب الفئة المهمة في المجتمع، الفئة التي تقع على عاتقها مسؤوليات كبيرة فتصبح أوقات الشباب ضائعة غير منتفع بها على الإطلاق معطّلة، سائبة. الشاب خلال فترة الصيف وخاصة في تزامنها مع شهر رمضان المبارك لا يكتسب مهارات تعلّم جديدة، لا يكتسب أشياء جديدة قضايا، خبرات يتعلمها، ليست بالضرورة فقط من كتاب، ربما في مجال للعلم خارج الإطار المعتاد، يكتسب تعلم صناعة، تعلم حرفة، تعلم مهارة معينة، اكتساب هواية معينة ممكن تأتي له بالخير أو بالنفع. هذا الكسل الحاصل في العقل الناتج عن عدم تفكر الإنسان العاقل فيم ما يأتي عليه بالنفع وأحيانا يتفكر في ما يأتي عليه بالضرّ في المقابل نجد الكسل عما ينفع نجد التحفّز فيما يضر وفيما يأتي بالسلب على الإنسان وإهدار الوقت والصحة والجهد والمال بطرق متفننة وبطرق إبداعية جديدة جدا بمعنى نجد الإبداع في النواحي السلبية ولا نجد نظيرا له في النواحي الإيجابية، لا نجد إبداعا فيما يأتي على العقل بالنفع ولكن نجد إبداعا فيما يأتي عليه بالشر والضر والأشياء التي لا يمكن أن تأتي بخير لا على الفرد ولا على المجتمع ولا على الأسرة.
في المقابل هذا النوع من الكسل يسوق إلى الكسل في البدن بمعنى أن كل عضو من أعضاء الجسم، كل جارحة من جوارح الجسم، اليد، القدم، الأعضاء المختلفة نجد أنها تصبح كسولة متثاقلة جدًا عن القيام بالأشياء التي لا ينبغي أن يتثاقل عنها. ولذلك القرآن العظيم اعتبر أن من أعظم صفات المنافقين: الكسل عن الطاعات وخاصة الكسل عند القيام في الصلوات. فإذا ما وجد الإنسان في نفسه (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ (142) النساء) أجد نفسي ثقيلة متثاقلة جدًا أشعر بثقل القيام للصلاة وللفريضة ولتلاوة القرآن والاستماع إليه، الطاعات بشكل عام، وفي نفس الوقت أجد الحيوية والهمة والنشاط والسرعة والمبادرة والسباق في الأشياء الضارة أو على الأقل في الأشياء التي لا تأتي بنفع، أشياء عاجلة، لذّات عاجلة قريبة المدى ممكن أن أجلس ساعات طويلة فقط لمجرد أن أراقب برنامجا ليس فيه فائدة مباشرة بالنسبة لي لا يضيف إضافة نوعية إلى مهاراتي أو مكتسباتي أو معلوماتي وإنما فقط لمجرد اللهو وإضاعة الوقت والتسلية. هذا أجد فيه نشاطًا ولكن حينما يأتي الأمر المهم في أولويات حياتي ليس فقط حصرًا في الطاعات أو الصلاة أو ما شابه من أمور وإنما حتى في اكتساب ما ينفعني أجد ثقلًا شديدا جدا. فكل عضو من أعضاء الجسد يبدأ يُترك بالإستعمال فتبطل المهمة التي لأجلها خُلق، كسل! ونحن نعلم من خلال مشاهداتنا ومعلوماتنا اليومية أنه حتى العضلات الجسدية في الجسم إن تُرك استعمالها، بطلت قوتها انحسرت، تراجعت، ضعُف العمل بها، الكسل يؤدي إلى موت الأعضاء المختلفة فأنت حين لا تقوم بعمل نشاط حركي عضلي يمكن أن يؤدي إلى ضمور في العضلات. وكما أن الكسل وعدم القيام بتحريك العضلات وأعضاء الجسد المختلفة يؤدي إلى ضمور في العضلات فإن عدم تحريك العقل باكتساب المهارات، باكتساب الخبرات، التجارب، القرآءت النافعة التي تضيف الجديد إلى عقلي وحياتي، قصص هادفة، أشياء مختلفة في كل يوم ألزم نفسي أن أضيف جديدًأ إلى معلوماتي، إلى شخصيتي. قطعًا عدم الاهتمام بهذا والتكاسل والتباطؤ سيؤدي إلى ضمور القوات العقلية والخبرات التي أراد الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان أن يقوم بها.
نحتاج أن نراقب أنفسنا نحتاج أن نراقب معدلات الكسل في حياتنا لأن الكسل من أكثر مظاهر التخلف والتأخر في الأفراد والمجتمعات رمضان ليس شهرًا للكسل، رمضان شهر النشاط والهمّة والحيوية.