لنفسي أبگي لست أبگي لغيرهآ
السﻼم عليكم ورحمة الله وبركاته
واعجباً !..
وهل لﻸخطاء أخﻼق ؟
في حديث أبي داود "كل ابن آدم
خطاء.. وخير الخطّائين التوابون،" وفي
صحيح مسلم" : عجباً ﻷمر المؤمن إن
أمره كله له خير، إن أصابته سرّاء شكر
فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر
فكان خيراً له، " ويروى عن المسيح أن
بغياً جاءت إليه، فجعل أصحابه ينظرون
إليها باشمئزاز فقال" :من كان منكم بﻼ
خطيئة فليرمهابحجر."
بهذه المرونة العذبة والتسامح
النموذجي يتعامل التشريع الرباني مع
البشر وأخطائهم ومن أجل ذلك فرّق
هذا التشريع بين صغائر الذنوب
وكبائرها فقال { : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ
الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ، } فطريقته المنهجية
هي اعتبار الخطأ طبيعة بشرية، فهو
ليس شراً محضاً؛ ليمنحنا بذلك فرصة
كبيرة للتناصح والنقد والمراجعة
والتصحيح والتواضع، ويعزّز بهذا
المفهوم جانب اﻹخاء والتكافل بين
المؤمنين في بذل النصح فيما بينهم،
ليس فقط على الصعيد الفردي، بل
على صعيد المجموعات والدول،
واﻷمم.
وبهذه المنهجية المعتدلة في قراءة
"الخطأ" نتعلم من اﻷخطاء دوام
المراجعة وعدم الترفع عن التصحيح
والنقد والخطأ - بهذه القراءة- جزء
طبيعي من الحياة، وكونه كذلك ﻻ يعني
أبداً أن نستسلم له أو نكسل عن
تصحيحه بحجة أنه طبيعة جبلّية، بل
علينا أن نعمل جاهدين على تصحيح
هذا الخطأ متى وُجد ومحاولة اكتشافه
في كل شيء: في ذواتنا وأنفسنا
ونوايانا وأعمالنا وسياساتنا وأفكارنا
ومؤسساتنا.. ﻷجل أن نتحرر من هذا
الخطأ، وهذا العمل التصحيحي يعطي
فرصة لفئات عديدة أن تعمل لهذا الدين
من خﻼل ممارستها لنقد اﻷخطاء التي
يقع فيها الفرد أوالجماعة، ويكون نقده
محسوباً في دائرة العمل اﻹيجابي، لما
فيه من كشف اﻷخطاء، والدعوة
للتصحيح، دون تتبّع لعورة أو تجنِّ على
أحد، أو مبالغة في شيء.
وعلينا أن نفر من قـَدَر اﻷخطاء إلى
قـَدَر التصحيح والمراجعة والنقد
والتقويم؛ بغية الوصول لﻸفضل؛ نفعاً
ﻷنفسنا وأمتنا وديننا، علينا أن نقوم بهذا
العمل بطريقة أخﻼقية؛ فإن مراجعة
اﻷخطاء وتصحيحها تحتاج إلى اعتدال
وموضوعية، في كافة المستويات، و
اﻹلحاح على مﻼحقة الخطأ يصنع
مشكلة جديدة وخطأ آخرَ فطفلك
الصغير حينما تكثر عتابه وتوبيخه،
وتؤنّبه باستمرار ربما تحطّم نفسيّته
وشخصيّته، وهكذا هو أمر المدير مع
الموظفين والزوج مع زوجته.
ومن أخﻼقيات الخطأ، امتﻼك الوضوح
والشفافية والجرأة في المعالجة، و
هذه من أهم النقائص التي يعاني منها
المسلمون؛ إذ تفتقد معظم الدوائر
والجهات والجماعات الجرأة في
اﻻعتراف بالخطأ، والتصريح به، بيد أن
العالم الغربي قد اعتاد على عكس
ذلك، فبمجرد أن توجد ظاهرة قد
انتشرت، كسرقة السيارات –مثﻼً- ترى
وسائل اﻹعﻼم والبرلمانات والندوات
تُدار حول هذه الظاهرة وأسبابها
وطرق معالجتها .. الخ.
بينما العالم اﻹسﻼمي يميل إلى نوع
من التكتم؛ فاﻻعتقاد السائد يقول بأن
وأد المشكﻼت هو في التكتم عليها
لمساعدتها على الزوال بحجة أن الزمن
كفيل بحلها، لكن الزمن عنصر محايد قد
يضاعف المشكلة، وقد يساعدعلى حلها
بحسب ما نقدّمه نحن، والشفافية تحتاج
إلى مناخ من الحرية يسمح بطرح
المشكلة والتعامل معها بوضوح.
ومن أخﻼقيات اﻷخطاء: الصبر على
التصحيح، والدأب في ذلك، وفي
المقابل الصبر على اﻷخطاء التي تحتاج
إلى زمن طويل قد ﻻ يكفي عمر الفرد
فيها على تصحيحها لمساعدة اﻷجيال
القادمة على حلها، ومن كانت في يده
فسيلة فليغرسها للناس والمستقبل
واﻷجيال، وإن من أدوائنا حرص الفرد
على انفراده بالتصحيح دون السماح
للشركاء، أو مساعدة اﻵخرين للقيام
بالحلول والتصحيح، فاﻷخطاء ﻻ يمكن
أن تزول بين عشية وضحاها، وﻻ يمكن
أن تزول بقرار، وإن كان القرار مؤثراً؛
ﻷن جزءاً من تربية الناس وشخصياتهم
ﻷن جزءاً من تربية الناس وشخصياتهم
وعاداتهم تتطلب توافر الجهود والدأب
على المراجعة،وتحتاج إلى قرارات
ذاتية بتجاوز الخطأ والتفوق عليه.
والخطأ يحتاج ﻷسلوب حكيم لبثّ
اﻹصﻼح، و يحتاج للنظر اﻹيجابي حتى
لﻸخطاء، والكأس نصف الممتلئ
تستطيع أن تقول عنه ذلك، وتستطيع
أن تقول إن نصفه فارغ، ولما قال
بعض الصحابة في الذي شرب الخمر:
لعنه الله ما أكثر ما يُؤتى به، قال النبي
صلى الله عليه وسلم" :إنه يحب الله
ورسوله." أخرجه البخاري، فانظر كيف
استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم-
أن يرى ويُري أصحابه الوجه اﻵخر.
ومن أخﻼقيات اﻷخطاء تفهّم دوافع
اﻵخرين، كما في قصة حاطب بن أبي
بلتعة حينما أرسل خطاباً للمشركين
فحماه النبي -صلى الله عليه وسلم-
وتفهّم دوافعه في حرصه على أهله
بمكة، فإنّ تفهّم دوافع اﻵخرين يعطي
اﻹنسان اعتداﻻً وجرعة من حسن
الظن بهم، حتى مع حصول الخطأ
منهم، مما يهيئ الجو لتجاوز اﻷخطاء
وتداركها، والتعامل بذكاء معها.
ولكي نعالج اﻷخطاء بذكاء وأخﻼقية
يجب أن نتذكر أخطاءنا تجاه اﻵخرين،
وأن نتحلّى بالصبر على الناس وعلى
أخطائهم وعلى أنفسنا قبل ذلك، يقول
النبي صلى الله عليه وسلم" :المؤمن
الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم،
خير من المؤمن الذي ﻻ يخالط الناس
وﻻ يصبر على أذاهم،" وأن نغضي
ونتغافل عن بعض ما ﻻ يضر تجنباً
للضرر اﻷكبر لفقه أولويات المراجعة
والتصحيح، وعلينا أﻻّ نجعل من أنفسنا
معايير للخطأ والصواب، وأن نرى
اﻵخرين بإيجابية وحسن ظن، وأن
نتسامح معهم ونعوّد أنفسنا على ذلك،
والرفق الرفق .. فـ " الرفق ﻻ يكون في
شيء إﻻ زانه." رواه مسلم.
وأخيراً: لنبدأ بأنفسنا وذواتنا، وننشغل
بها، ولنراجع حساباتنا قبل أن ننشغل
باﻵخرين؛ فإن الطريق إلى التصحيح
العام يمر عبر التصحيح الفردي الخاص
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ . }
لنفسي أبكي لستُ أبكي لغيرها ==
لنفسي من نفسي عن الناس شاغلُ
د . سلمان بن فهد العودة