ردت فعل الاهل عند ولادة طفل من ذوي الاحتياجات الخاصه
والجدير ذكره ان الدراسات تبين ان هنالك عدة أنواع من ردود الفعل العائلية لهذا التحول عند إنجاب طفل ذي إحتياجات خاصة بحيث يتم التعامل مع هذا الامر على انه أزمة عائلية كبيرة ولذا فنجدها تمر بخمس مراحل اساسية شبيهة بالمراحل التي يمر بها الانسان عند افتقاده لعزيز أو موت قريب. هذه المراحل هي :
المرحلة الاولى : تصاب الأسرة بحالة من الصدمة والذهول ويرافقها شعور بالفقدان والقلق والبلبلة والخوف الشديد من المستقبل .
المرحلة الثانية: يبدأ الوالدان وأفراد الأسرة بالانتقال من مشاعر الصدمة الى الانكار و التشكيك وعدم الثقة بأقوال الاختصاصيين والاطباء ويبدأ الأهل بالبحث عن مختصين آخرين أملا منهم انهم سوف يشخصون الطفل بشكل عكسي.
في المرحلة الثالثة: ينتقل الأهل من حالة الانكار الى حالة الحزن الشديد والأسى والألم خاصة عندما يعون بأن الأطباء مجتمعون على تشخيص واحد وفي هذه المرحلة تسيطر مشاعر الغضب والاتهام والعجز والوحدة على الأهل.
في المرحلة الرابعة : يكون فيها تحول بسيط واهتمام بالعالم الخارجي فيبدأون بالبحث عن معلومات عن الاعاقة وعن بناء برامج للطفل تلائم حاجياته.
اما في المرحلة الاخيرة: التي يصلها فقط من خطا خطوات سليمة واستمر بالمواجهة دون يأس أو إحباط وبعد أن حصل على مرافقة ودعم من حوله أو من إختصاصيين ،هي مرحلة التقبل فيها يتم تقبل التشخيص للاعاقة وتقبل الشخص ذي الاحتياجات الخاصة فتتحول العائلة لأكثر إنسجاما وتكاتفا .
ومن الجدير ذكره ان هنالك من العائلات من لا تمر كل هذه المراحل حتى النهاية وتبقى عالقة في احداها فهنالك من يبقى لسنوات في حالة انكار ونسمعها او نسمعه يقول : " لا هذا الصبي انصاب بالعين" ، " بكره بصير مليح " او " لازم ما يخرج من البيت عيب الناس بتصير تضحك علينا " وغيرها وغيرها مما يدل على عدم التقدم في المواجهة وعدم التأقلم أو التكيف مع حاجات الطفل الخاصة.
هنالك من العائلات من تتعرض أيضا الى أزمة بسبب إنكار الاعاقة والصعوبة في التكيف معها تؤدي بها أحيانا الى الطلاق وتفكك العائلة إما فعليا عبر الطلاق أو حتى الطلاق المعنوي فكم من العائلات العربية للأسف التي تعيش حالات كهذه بحيث يتشاطرون بيتا واحدا ولكن كل يعيش لوحده فتكون الروابط العائلية روابط مهزوزة وضعيفة .
ويشير الكثير من الأختصاصيين ان بعض الازواج يعايشون أزمة صعبة عند إنجاب طفل ذي إحتياجات خاصة مما يخل بالتوازن العائلي الذي كان قائما حتى لحظة الانجاب لهذا الطفل وتتزايد هذه الازمة خاصة إذا كان الزوجان يعيشان حالة من التوتر الدائم واذا كانت العلاقة الزوجية ضعيفة اصلا فاحتمال تغلبهما معا وتعاونهما لمواجهة الازمة يكون معدوما .
المؤسف في الأمر ان عدم القدرة على المواجهة لدى الازواج تترافق مع إتهامات مشتركة من قبل الاثنين وهذا كجزء من صعوبة وعدم قدرة الزوجين على المواجهة فكل يتهم الآخر بسبب انجاب طفل ذي احتياجات خاصة ولذلك فان التفكك الاسري عند البعض يتلازم مع ظهور هذا الطفل خاصة أن المتهم عادة يرفض تحمل المسؤولية في رعاية هذا الطفل ليبقى طرف واحد من الاطراف متحملا كامل المسؤولية عنه ولذا فيكون الحمل مضاعفا وغالبا ما يكون هذا الطرف في مجتمعنا هو الأم مما يزيد الضغط عليها والألم والغضب الذي قد ينعكس علىصحتها ونفسيتها وكذلك على اسلوب تعاملها مع طفلها واطفالها الآخرين، وبهذا فتكون الازمة مضاعفة والمواجهة اصعب بكثير فتحمل المسؤولية لطفل ذي احتياجات خاصة بشكل منفرد ليست بالمهمة السهلة ان لم تكن مستحيلة خاصة ان ظهور طفل مميز في العائلة يؤدي الى تغيرات كبيرة فيها، فالنظام والاسلوب والروتين الذي كان متبعا وقائما حتى إنجاب هذا الطفل يتغير، ولذا فيجب أن يكون تكاتفا من قبل العائلة كلها وعلى الأقل من قبل الزوجين لمواجهة هذا التغير وكما اسلفنا فان صعوبة المواجهة والتحمل تجعل من البعض ( غالبا الرجال ) يلقون الحمل الثقيل جدا على كاهل طرف واحد وعادة ما تكون الأم.
مع هذا كله من الخطأ ان ننكر وجود عائلات أخرى يكون الأمر فيها عكسيا فهي تقبل الاعاقة بل وهذه الازمة توحد العائلة بعد ان كانوا متفرقين فيجدون هدفا مشتركا يعملون من أجله ويشعرون من خلاله بالمصير الواحد فنجدهم يتكاتفون لمواجهة هذه الازمة التي تعرضت لها العائلة.
من المهم ذكره هنا ان مجمل هذه الانعكاسات على الأسرة وعلى أفرادها وعلاقاتها ونمط حياتها بعد انجاب وتربية طفل ذي إحتياجات خاصة لا يقتصر على أثمان تدفع بها الاسرة فقط وانما ثمن يدفع به الطفل ذو الاحتياجات الخاصة نفسه فكل طفل كما هو محتاج للأكل والماء محتاج للعيش بكنف أسرة دافئة محبة ومستقرة تمنحه الرعاية والاهتمام وتلبي رغباته وحاجاته الاساسية بالأمن والأمان والاستقرار، الا أن وجود طفل في أحضان عائلة تخلى الأب فيها عن دوره وبقيت الأم وحدها أو في اسر غير مستقرة والشيء الوحيد المستقر فيها هو تلك النزاعات والشجارات المستمرة بين الأم والأب أو تواجد الطفل في ظل أسرة يتقاذف فيها الواحد مع الآخر الاتهامات او إنها أسرة تعاني من العصبية والعنف وتتقن ليس فن الحوار وإنما فن الخرس الزوجي والعائلي. إن نمو طفل في ظل هذه الأجواء لهو السبيل المؤكد لاحداث أضرار جسيمة على تطوره النفسي والاجتماعي والذهني السليم وان مميزات هذه الاسرة تجعل الطفل عرضة لتطوير شخصية غير متوافقة بل في بعض الأحيان تعاني ليس فقط من عدم توافق نفسي وانما خللا وإعاقة علما بان الطفل ذا الاحتياجات الخاصة يحتاج لرعاية أكبر وإهتمام خاص وتعامل مميز يتأثر بشكل كبير من حياة اسرية مشحونة وعلاقة زوجية بين أهله تتسم بالسلبية مما يصعب عليهم مهمة التطور التي بكل الأحوال هو يعاني من إعاقة ما فيها وبهذا فان الوالدين يتحولان لمعيق لتطور الأطفال بدلا من أن يكونا عاملا داعما له .
وفيما يلي أقدم بعض التوجيهات الاساسية في الجانب الأسري والعائلي والتي هي ضرورية لرعاية نوعية لأطفال ذوي إحتياجات خاصة وعلينا ان نأخذها بعين الاعتبار ونعكف على تحقيقها بقدر المستطاع لأن في ذلك ضمانا لراحتنا وبالاساس لراحة ابنائنا الذين طالما ندعي بأنهم أهم ما نملك فإن كانوا فعلا كذلك.
فهذه دعوة مني للتكاتف ومحاولة تحقيق بعض من هذه التوجيهات والتوصيات :
1- العمل الجدي والدؤوب لإقامة علاقات عائلية سليمة داخل العائلة .
2- المشاركة والتعاون يجب ان يكونا سيدا الموقف بين الزوجين وذلك بدلا من تراشق التهم وتحميل المسؤولية لواحد دون الآخر .
3- بناء جسور من الحوار بين الزوجين وبين الوالدين والاولاد وبين الاولاد أنفسهم، فالصمت الزوجي والظن بأن الآخر يجب أن يفهم لوحده هو قمة الخطأ الذي يودي كثيرا من الأحيان الى علاقات متوترة جدا .
4- العكوف على إيجاد وقت يتم قضاؤه مع العائلة وذلك بالرغم من الإنشغال بالعمل والتعليم وغيرها فقضاء وقت أسري مشترك له سحر خاص على ترابط الاسرة وقربها العاطفي وتكاتفها ،وتشير الاحصائيات أن ما يسمى بوقت الجودة اي الذي يقضيه الوالدان مع الابناء هو 14 دقيقة في اليوم .
5 التفكير الايجابي فابدلآ من التعامل مع طفل ذوي إحتياجات خاصة على انه تحد يجب ان نعمل سوية على مواجهته بحيث تتحول العائلة الى طاقم عمل متكاتف ومتعاون وبذلك تقوى العلاقات الاسرية بدلا من اضعافها .
وأخيرا اوصي بضرورة التوجه الى استشارة الاختصاصيين في حال تعثرت السبل ولم نقدر لوحدنا مواجهة المصاعب وعدم معرفة كيفية التعامل مع طفل ذو حاجات خاصة .
ومن المهم ان نقوي إيماننا بالله سبحانه وتعالـى والثقة به والتوكل عليه والاستعانة به فلا حول ولا قوة لنا الا به وعلينا ان نعلم ان انجاب الطفل ذي الاحتياجات الخاصة هو ابتلاء وامتحان نكرم فيه أو نهان ويمكننا عبر هذا الابتلاء التكفير من ذنوبنا والتفكير بذلك بالجانب الايجابي وليس السلبي فقط والنظر الى صاحب الاحتياجات الخاصة على انه لا بد ويمتلك نقطة ضوء يتميز بها مما يتوجب علينا ان نكتشفها فيه فقد تضيء الأرجاء من حوله .