العيوب المكروهة فى الأضحية
العيوب المكروهة التي لا تمنع الإجزاء وهي :
الأولي : العضباء ، وهي مقطوعة القرن أو الأذن ، لما روى قتادة عن جري بن كليب عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يضحي بأعضب الأذن والقرن . قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : العضب : النصف فأكثر من ذلك . رواه الخمسة . وقال الترمذي : حسن صحيح (66).
قلت : جري بن كليب قال عنه في (( خلاصة التذهيب )) : روى عنه قتادة فقط . وقال أبو حاتم : لا يحتج به . اهـ . ولذلك قال في (( الفروع )) وفي صحة الخبر ـ يعنى خبر العضب ـ نظر .
فأما مفقودة القرن والأذن بأصل الخلقة فلا تكره ، لكن غيرها أولى .
الثانية : المقابلة ، وهي التي شقت أذنها من الأمام عرضاً .
الثالثة : المدابرة ، وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً .
الرابعة : الشرقاء ، وهي التي شقت أذنها طولا .
الخامسة : الخرقاء ، وهي التي خرقت أذنها .
لحديث على رضي الله عنه ، قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء . رواه الخمسة ،وقال الترمذي :حسن صحيح (67).
وأخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي والبزار(68) ، وأعله الدارقطني ، ونقل في (( عون المعبود )) عن البخاري أن هذا الحديث لم يثبت رفعه ، والله أعلم .
السادسة ، المصفرة ، وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، وهكذا في الخبر ، وفي (( التلخيص )) : أنها المهزولة ، وذكرها في النهاية بقيل كذا وقيل كذا .
السابعة : المستأصلة ، وهي التي ذهب قرنها من أصله .
الثامنة : البخقاء ، وهي التي بخقت عينها ، قال في (( النهاية )) : والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة . وفي (( القاموس )) : البخق أقبح العور وأكثره غمصا ، وعلى هذا فإذا كان البخق عورا بينا لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق .
التاسعة : المشيعة ، وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفا ، تكون وراء الغنم كالمشيع للمسافر ، وقيل بفتح الياء لحاجتها إلى من يشيعها لتلحق بالغنم ، وهذه إن لم يكن فيها مخ فلا تجزئ لحديث البراء ، وإن كان فيها مخ ولا تستطيع معانقة الغنم لم تجز أيضا ؛ لأنها كالعرجاء البين ظلعها ، وإن كانت تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة ؛ لحديث يزيد ذي مصر قال : أتيت عتبة بن عبد السلمي فقلت : يا أبا الوليد ، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فما تقول ؟ . قال : ألا جئتني أضحي بها ؟ قلت : سبحان الله ، تجوز عنك ولا تجوز عني . قال نعم ، إنك تشك ولا أشك ، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة ، والكسراء ، فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها ، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفاء وضعفا ، والكسراء التي لا تنقي ، رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه(69) . وقوله : والكسراء التي لا تنفي سبق ذكرها في العيوب المانعة من الإجزاء .
وإنما قلنا : هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي أو الأمر بعدم التضحية بما عاب بها ، ولم نقل : إنها مانعة من الإجزاء ؛ لأن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه خرج مخرج البيان والحصر ؛ لأنه جواب سؤال ، والظاهر أنه كان حال خطبة وإعلان ، ولو كان غير العيوب المذكورة فيه مانعاً من الإجزاء ؛ للزم ذكره لامتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فالجمع بينه وبين هذه الأحاديث لا يتأتى إلا على هذا الوجه بأن نقول :
العيوب المذكورة في حديث البراء مانعة من الإجزاء ، والعيوب المذكورة في هذه الأحاديث موجبة للكراهة غير مانعة من الإجزاء لما يقتضيه سياق حديث البراء ؛ ولأنها دون العيوب المذكورة فيه ، وقد فهم الترمذي رحمه الله ذلك فترجم على حديث البراء : ( باب ما لا يجوز من الأضاحي ) وعلى حديث علي : ( باب ما يكره من الأضاحي ) .
ويلحق بهذه العيوب المكروهة ما يأتي :
الأولى : البتراء من الإبل والبقر والمعز ، وهي التي قطع ذنبها ، فتكره التضحية بها قياسا على العضباء ؛ لأن في الذنب مصلحة كبيرة للحيوان ودفاعا عما يؤذيه ، وجمالا لمؤخره ، وفي قطعه فوات هذه الأمور .
فأما البتراء بأصل الخلقة فلا تكره لكن غيرها أولى .
وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ ؛ لأن ذلك نقص بين في جزء مقصود منها .
فأما إن قطع من أليتها النصف فأقل فإنها تجزئ مع الكراهة قياسا على العضباء ، قال الشافعية : إلا التطريف وهو قطع شي يسير من طرف الألية ، فإنه لا يضر ؛ لأن ذلك ينجبر بزيادة سمنها فأشبه الخصاء .
وأما مفقودة الألية بأصل الخلقة فإن كانت من جنس لا ألية له في العادة أجزأت بدون كراهة ؛ لأنها لا نقص فيها عن جنسها ، وإن كانت من جنس له ألية في العادة لكن لم يخلق لها أجزأت ، وفي الكراهة تردد ؛ لأننا إذا نظرنا إليها باعتبار جنسها قلنا : إنها ناقصة بفقد جزء مقصود لكن لا يمنع الإجزاء لأنه بأصل الخلقة ، وإذا نظرنا إليها باعتبار الخلقة قلنا : إنها ناقصة فلم تكره كالجماء . وعلى كل حال فغيرها أولى منها .
الثانية : ما قطع ذكره فتكره التضحية به قياسا على العضباء ، فأما ما قطعت خصيتاه فلا تكره التضحية به لما سبق من الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى به ، ولأن الخصاء يزيد في سمنه وطيب لحمه .
الثالثة : الهتماء ، وهي التي سقط بعض أسنانها ، فتكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن ، فإن في الأسنان جمالا ومنفعة ، ففقد شيء منها يخل بذلك .
فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره إلا أن يؤثر ذلك في اعتلافها .
الرابعة : ما قطع شيء من حلمات ضرعها ، فتكره التضحية بها قياساً على العضباء.
فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره قياسا على المخلوقة بلا أذن .
وإن توقف ضرعها عن الدر فنشف لبنها أجزأت بلا كراهة ؛ لأنه لا نقص في لحمها ولا في خلقتها ، واللبن غير مقصود في الأضحية ، والأصل الإجزاء وعدم الكراهة حتى يقوم دليل على خلاف ذلك .
هذه هي العيوب المكروهة التي يوجب وجودها في الأضحية كراهة التضحية بها ، ولا يمنع من إجزائها وهي ثلاثة عشر : تسعة منها ورد بها النص ، وأربعة منها رأيناها مقيسة على ما ورد به النص ، وأسأل الله تعالى أن نكون فيها موفقين للصواب هداة مهتدين .
---------------------
(66) رواه الترمذي، كتاب الأضاحي، باب في الضحية بعضباء القرن والأذن، رقم (1504)
(67) رواه أحمد (1/149) والترمذي ، كتاب الأضاحي، باب ما يكره من الأضاحي، رقم (1498)، والنسائي في ( الكبري) رقم (4462) وابن ماجه ، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، رقم (3142،3143).
(68) رواه البزار(2/321) والحاكم (4/249) والبيهقي (9/275).
(69) رواه أحمد (4/185) وأبو داود، كتاب الضحايا باب ما يكره من الضحايا، رقم(2803)، والحاكم (4/250)