أنتْ تَكذب أذآ أنتْ تجلِس ِفي حضن إبْليس
إن الكذب هو ثمرة تغلب ( الأنا )، أي الانانية الحيوانية في الانسان، على الضمير، أي المراقب الاعظم لسلوك الانسان، والرادع للانا حينما تريد تجاوز خط احمر موضوع لها من قبله، لذلك وقبل ان يشرع الانسان في الكذب عليه ان يحيّد الضمير او يسقطه من حساباته وتلك عملية ليست سهلة في البداية، خصوصا اذا كان الانسان قد نشأ في جو صحي وصحيح . ان مفهوم تحييد الضمير يشبه مفهوم فض البكارة في المجتمعات العربية والاسلامية، من حيث الطبيعة، فكلاهما صعب وعسير ولكن ما ان يتم ذلك حتى تنتهي البكارة الى الابد، وينتهي الضمير بان يصبح ملوثا بدم الكذب وكل ما ينتج عنه من آثام، ان المراة التي فضت بكارتها بشكل غير مشروع وبارادتها لا تجد فيما بعد سببا يمنعها من القيام بما تريد بعد ان تجاوزت عقدة البكارة، وكذلك اللص والقاتل حينما تصل جرائمهما الى حد عقوبة الاعدام لا يجدان سببا للتردد او الخوف من ارتكاب المزيد من الجرائم.
والكذب يشبه تماما تجاوز المراة عقبة البكارة او اللص عقبة الاعدام، فما ان تنجح الانانية في التغلب على الضمير، وتسكته او تحيده، حتى تبدأ آليات الكذب بالتوالد على طريقة الارانب، فلا حد سيوقف التوالد ولا قوة ستمنعه، وستصبح كل كذبة ممهدا لاطلاق كذبة اخرى، ومخدرا اضافيا للضمير الانساني . لقد سقط الرادع وأزيل المانع وعبدت الطرق لسير عربات الكذب بانسيابية تامة.
لنرى ما سيحدث وما سيظهر من آليات الكذب:
1 – من يكذب مرة سيكذب مرات ومرات، الم تزل بكارة النفس التي كانت المانع الرئيس لممارسة بغاء الضمير؟
2 – من يكذب أمامك ملفقا الاتهام لغيرك، سيكذب أمام غيرك ملفقا تهما لك.
3 – من يكذب بطيبة ( كذبة بيضاء ) سيكذب بدافع خبيث لاحقا.
4 – من يكذب للتخلص من مأزق سيكذب للتخلص من حالات عادية.
5 – من يكذب يفترض أن من يلفق كذبة حوله يضمر له شرا ويريد الإساءة إليه، فيبادر بالقيام بعملية استباقية ويلفق كذبة ضد ذلك الشخص، مع انه غير واثق من نية الشر لدى الطرف الآخر! وهكذا يتحول نمط التفكير الاستباقي إلى آلية لديه يستخدمها كلما رأى شخصا لا يبتسم له بإطلاق أكاذيب لا يحدها شيء!
6 – إن الكذاب يحقق بترويج الأكاذيب بعضا من أهدافه، ولذلك تتعزز لديه نزعة تحييد الضمير، ودفنه إن أمكن، ويتوسع نطاق أكاذيبه ومن تشمله تلك الأكاذيب، ويصبح الجميع أهدافا مرشحة لهجمات أكاذيبه الاستباقية.
7 – من اخطر آليات الكذب الوقوع في مستنقع مرضي، فحينما تتسارع الأكاذيب وتصبح قاعدة للسلوك تعبر عن حالة مرضية نفسية خطيرة أكثر مما تعبر عن سوء نية اجتماعية او سياسية . فالكذاب يجد في الكذب تنفيسا عن ضغوط داخلية تدمر استقراره النفسي، لأنه يضعه في جو بهيج من التلذذ بنجاحه في الطعن بأشخاص غالبا ما يكونون أرقى منه، أو أن (خصومه) كبار الفكر والتكوين ولا يستطيع دحرهم ثقافيا او منطقيا أو جسديا، غير أن هذا التلذذ مؤقت تماما كتناول المخدر او الخمر، الذي يمنح المريض شعورا بالراحة وتوقف الألم، لكنه ما أن ينتهي حتى يعود الألم وربما اشد مما كان، فيلجأ للمزيد من المخدرات والخمر لإسكات الألم!
في هذه الحالة يصبح الكذب آلية مرضية مدمرة للشخص الكذاب ذاته، تستهلك فكره وجسده بعد أن استهلكت ضميره قبل ذلك، وكما في حالة بعض الأمراض العصابية فأن المريض عاجز عن منع توتراته أو كبحها، فلا يجد متنفسا إلا الصراخ العدواني، خصوصا حينما يكون تحت تأثير مخدر ما أو في حالة سكر شديد، إن الكذاب إذا لم يكن مدمنا على السكر سيصبح كذلك، فهو المدخل الأسرع لتخيل النصر أو لكبح الشعور بالعار حينما يباغته الضمير المنوّم بصرخة استنكار!