التاريخ ملىء بمواقف بسطاء غيروا مسار بلدانهم ودخلوا التاريخ كعظماء بسبب موقف عظيم اتخذوه فى حياتهم كان سببا فى إصلاح حال البشر.
إذا كنت تعرف من هى روزا باركس، فهذا يعنى أنك ستريحنى من عناء الحديث عنها.. أما إن لم تكن تعرف من هى، فعليك الوقوف معنا دقائق معدودات أمام الحاسوب كى نتعرف عليها قليلا..
ففى عام 1955 استقلت الخياطة البسيطة روزا باركس حافلة أمريكية لتعود إلى البيت، وفى الحافلة وجدت مقعدا فارغا فجلست عليه، وبعد قليل دخل ركاب آخرون ووقف أمامها رجل متوقعا أن تقوم هى لتعطيه مكانها، عكس الأعراف فى كل مكان فى العالم، حيث إن الرجل هو الذى يقوم عادة للمرأة.
ولكن فى هذه الحالة كان الرجل يتوقع العكس، لسبب بسيط هو أنه أبيض البشرة بينما روزا باركس سوداء، وكان قانون الخمسينيات فى هذه المقاطعة وغيرها من المقاطعات الجنوبية ينص على أن السود يتخلون عن مقاعدهم للبيض، وأن عليهم الدفع من الباب الأمامى ثم التراجع والدخول إلى الحافلة من الباب الخلفى.
وكثيرا ما كان سائقو الحافلات يغلقون الباب ويتركون الركاب السود على حافة الطريق، وفى هذا المأزق قررت باركس أن تتخذ موقفا عظيما يكون سببا فى رفع معاناة الملايين من السود، وهو ألا تقوم للرجل الأبيض.
فقط أن ترفض الخضوع لهذا القانون العنصرى الجائر، فهاج الركاب وتوقف سائق الحافلة، ولكن باركس رفضت التحرك من مقعدها وأصرت على العصيان، وأخذت تنفذه بهدوء ومدنية.
بعد دقائق وصلت الشرطة وألقت القبض عليها لخرقها قانون الولاية، لكنها كانت مستعدة لكل شىء.
وفى كتابها (القوة الهادئة) Quiet Strength الذى صدر فى عام 1994، كتبت باركس: ظللت أفكر بأمى وأجدادى، وكيف كانوا أقوياء، وكنت أدرك إمكانيات الإهانة، ولكنى أيضا شعرت أنى أُعطيت فرصة لعمل شىء أتوقعه من الآخرين.
وبعد هذا العصيان الذى قامت به روزا باركس تغير تاريخ أمريكا، لأن محاكمتها استمرت 381 يوما وانتشرت أخبار القضية فى كل مكان، وقاطع السود المواصلات وصعود الحافلات لمدة سنة، وخلالها بدأت حركة الحريات المدنية للسود.
وفى النهاية أقرت المحكمة بمخالفة قانون إعطاء الأولوية للركاب البيض للدستور الأمريكى.
ولكن جاء هذا بعد أن اشتعل البلد، ودخل مرحلة اضطر فيها أن يراجع القوانين التى تعامل السود كمواطنين أدنى.
روزا باركس لم تتخيل أن الحافلة التى كانت تجلس فيها ستتحول إلى رمز تفخر به أمريكا، حيث تضيف فى كتابها أنها تريد أن يعرف القراء أن إيمانها بالله وقوتها الروحية هى التى جعلتها تعيش وتتصرف بهذا الشكل، وأنها لم تكن مركز الحدث، بل كانت جزءا من الحركة ضد العنصرية والظلم.
من هنا تأتى أهمية عدالة الدساتير المنظمة لحياة وتحركات الشعوب، فالدساتير ليست مطلبا ترفيا، بل هى آلية تحافظ على حقوق الأقلية وتصونها ضد ديكتاتورية وعنصرية الأغلبية، فهذه امرأة واحدة بموقف واحد غيرت مجرى التاريخ. ولذا يجب ألا نستخف بالقوة العجيبة الكامنة فى الإنسان، والتى تخرج وتنير العالم عندما يقرر الإنسان أن ينتصر أخلاقيا حتى قبل أن تبدأ المواجهة.
لقد ماتت الخياطة الأمريكية وعلى صدرها أعلى الأوسمة؛ حيث حصلت على الوسام الرئاسى للحرية عام 1996م، والوسام الذهبى للكونجرس عام 1999م، وهو أعلى تكريم مدنى فى البلاد، وفوق هذا وسام الحرية الذى أهدته لكل بنى جنسها عبر كلمة (لا)..أشهر (لا) فى تاريخ أمريكا، ومن ثم علينا نحن المصريين ــ حكاما ومحكومين ــ ألا نستخف بهذه الكلمة الصغيرة إذا أردنا أن نصنع مجدا جديدا يشهد به العالم.. فقط تنقصنا الشجاعة لتصحيح مسارنا وإنقاذ وحدتنا. |
آخر تعديل كابتن محمد المصرى يوم
15 - 10 - 2014 في 04:03 PM.