الانجاب حلم كل زوج وزوجة
لا توجد تجربة في حياة الإنسان تضاهي ولادة طفل في أهميتها. وعادة ما يبدأ أي زواج بأحلام كثيرة، يأتي على رأسها حلم الإنجاب، الذي يتبعه خوض تلك التجربة الأهم. ويتعرض بعض الأزواج لاختبار تأخر الإنجاب، ومع الأسف لا توفق نسبة كبيرة منهم في هذا الاختبار، ويخسر بعضهم "دنياه"، والبعض الآخر يفقد جزءًا "غاليا" من دينه، ونسبة لا بأس بها تخسر الاثنين معاً.
من أهم أخطاء التفكير التي يقع فيها بعض من يتألمون لتأخرهم في الإنجاب، التعامل مع هذا التأخر على أنه عقاب من الله - عز وجل -. ولا شك أن هذا منفذ من منافذ إبليس، يتسلل به إلى هؤلاء، ليفسد عليهم دينهم ودنياهم، ويحرمهم من فرص الفوز بأجر الصابرين على الابتلاء، فضلاً عن السعي للأخذ بالأسباب.
نعم، الأخذ بالأسباب هو ما يعنينا. فعلى مدار عام مضى استقبلت صفحة الاستشارات الصحية على شبكة إسلام أون لاين. نت ما يقرب من 100 استشارة حول تأخر الإنجاب من مختلف الدول العربية، أجاب عنها نخبة من مستشاري الصفحة في تخصصي النساء والتوليد و التناسلية والذكورة.
حصدت ردود تلك الاستشارات خبرة لا بأس بها، تضع لنا بروتوكولا للتعامل مع تأخر الحمل أخذا بالأسباب، كما قال ابن رجب - رحمه الله -: "واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدّر الله - سبحانه - المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك"، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب إيمان به.
بداية الرحلة..بعد عام:
هناك مسألة هامة لا بد من الالتفات لها قبل القول بتأخر الحمل، وهي أن التفكير والقلق في هذه المسألة يبدآن بعد مرور عام كامل على الزواج مع عدم استخدام أي موانع للحمل، وفي حال بقاء الزوجين معا يتجامعان جماعا كاملا دون فترات انقطاع كالسفر وخلافه.
بعد مرور هذا العام تبدأ رحلة البحث عن الحمل -في حال عدم حدوثه- والتي نؤكد على أنها مسئولية مشتركة بين الزوجين لا بد أن يتحملا عناءها معا، أيا كان الطرف المتسبب.
وبما أن أسباب تأخر الحمل كثيرة، منها ما هو خاص بالزوج، وأخرى خاصة بالزوجة؛ فيفضل أن تبدأ الرحلة بالفحص الطبي للزوجين على التوازي، حيث يلجأ الزوج إلى طبيب التناسلية والذكورة، والزوجة إلى طبيب النساء والتوليد.
الزوج ومقومات السائل المنوي:
بالنسبة للزوج لا بد من عمل تحليل للسائل المنوي، ويكون هذا التحليل بعد آخر جماع مع الزوجة بأربعة أيام أو خمسة على الأكثر (لا أقل من ذلك ولا أكثر ليكون التحليل سليما). ومن ثم يتم عرض نتائج التحاليل على الطبيب المختص، ليتأكد من صحة مقومات السائل المنوي المطلوبة لحدوث حمل بشكل طبيعي، وهي حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية:
- الحد الأدنى لعدد الحيوانات المنوية هو 20 مليون حيوان منوي لكل مليلتر من السائل المنوي، وتشير أغلبية المراجع إلى أن معدل 20-200 مليون لكل سنتيمتر مكعب من السائل المنوي هو طبيعي، وكل ما هو أدنى من ذلك يعتبر قصورا في الإنتاج (Oligospermia).
- يجب أن يكون 60% من هذه الحيوانات المنوية لها شكل طبيعي وغير مشوه وقادر على الحركة والنشاط. وقد أجمعت منظمة الصحة العالمية ومنظمات الخصوبة والعقم على أن نسبة التشوه في الحيوانات المنوية لدى الرجال الطبيعيين قد تصل إلى 70%، ولا يؤثر ذلك في مقدار خصوبة السائل المنوي.
- أضف إلى هذا درجة لزوجة السائل المنوي، حيث كلما ارتفعت نسبة اللزوجة قلت حركة الحيوانات المنوية ونشاطها. وجدير بالذكر أن ارتفاع نسبة السكر في الدم هو أحد أسباب لزوجة السائل المنوي.
- وأخيرا نسبة القيح المختلط بالدم أي الصديد في السائل المنوي.
الأسباب بنسب واضحة:
حسب ما توصل إليه العلم الحديث، فإن إنتاج الحيوان المنوي الواحد يتم بطريقة معقدة من خلال تناغم وانسجام عدة أعضاء وغدد وهرمونات، وحدوث أي خلل قد يؤدي إلى انهيار هذا النظام الدقيق. ويظهر هذا جليا من خلال نتائج تحليل السائل المنوي، فيقوم الطبيب المعالج بطلب مزيد من الفحوصات ليضع يده على سبب الخلل، الذي يعزى عادة لأسباب كثيرة يمكننا تصنيفها بنسب واضحة كالآتي:
- من 30- 40% من الأسباب تعزى إلى حالة الخصية نفسها وما يصيبها من دوال أو التهاب لغدتها (البروستاتا(... إلخ.
- من 10- 20% من الأسباب هي نتيجة لخلل في ترحيل السائل المنوي من الخصية إلى المخرج الطبيعي، وغالبا ما يكون السبب نتيجة للانسداد في المجاري والقنوات المنوية.
- من 1- 2% فقط من الحالات تكون نتيجة للخلل الهرموني الناتج عن خلل في إفراز الغدة النخامية، والمسئولة عن إفراز الهرمونات التالية: SH، LH، Prolactine، Testosterone.
- تبقى نسبة من 40-50% من الحالات بدون معرفة سبب محدد (idiopathic).
يبقى أن نذكر أنه طالما وضعنا أيدينا على الأسباب فإن العلاج سهل ومتوفر بإذن الله، إما بالعقاقير الطبية أو الأساليب الجراحية في الحالات معروفة السبب، أو من خلال المساعد في الحالات التي لم يحدد لها سبب.
الزوجة والتبويض:
البنون ثمرة الصبر الجميل
أما بالنسبة للزوجة، فيعد اضطراب التبويض والذي يتبعه اضطراب الحيض أهم الأسباب المؤدية لتأخر الحمل. فلا بد أن نعلم أن وجود بييضة لا يكفي لحدوث الحمل، ولكن المهم هو انفجارها والذي يسمَّى التبويض.
واضطراب التبويض تتحكم فيه أشياء ثلاثة هي:
1- الغدة النخامية الموجودة بالدماغ: وهي التي تتحكم في إفراز هرمونات غدد الجسم كلها. ولبيان حالة تلك الغدة وسلامتها، نقوم بعمل أشعة سينية عادية أي ما يسمى أشعة إكس، أو الأشعة المقطعية وهي الأفضل، ومن خلال هذه الأشعة يتضح حجم الغدة.
أما للاطمئنان على سلامة عملها بشكل طبيعي فإننا نلجأ إلى تحاليل الهرمونات الخاصة بها وهي: FSH، prolactin، LH. هذا بالإضافة إلى تحليل لهرموني الغدة الدرقية T3، T4، فهما يؤثران على التبويض في حالة زيادتهما أو نقصهما.
2- المبيضان: وللكشف على سلامتهما لا بد من عمل:
* تحاليل لهرموناتهما: هرمون البروجيستيرون PROGESTERON، وهرمون الإستروجين OESTROGEN.
*أشعة فوق صوتية على المبيضين ابتداء من اليوم العاشر للدورة ومتابعة نمو البييضات، لبيان وجود تكيس بالمبيضين أم لا، حيث أن التكيسات من الأسباب الشائعة لاضطراب الدورة، وهي أمر بسيط ويسهل علاجه.
3- الحالة المزاجية للمرأة: فلها دخل كبير في نزول الحيض وانتظام الدورة الشهرية لأنها تؤثر في عمل الغدة النخامية بالدماغ.
أما في حالة سلامة التبويض، فإن هناك أسبابا أخرى لا تقل أهمية تعمل على تأخر الحمل، مثل:
- انسداد قناتي فالوب ووجود التصاقات بهما.
- وجود أ ورام ليفية (وهي حميدة) بالرحم.
- وجود قطع في عنق الرحم، أو سُمْك في إفراز عنق الرحم.
- أخذ أدوية معينة كالكورتيزونات والأدوية النفسية.
- الإصابة بميكروب التكسوبلازما.
- الالتهابات المهبلية.
- وغير ذلك كثير مما لا يتسع المجال لذكره كله.
وللكشف عن هذه الأسباب، فإن الطبيب عادة ما ينصح بإجراء الفحوصات والتحاليل التالية:
- إجراء الكشف السريري لبيان وضع الرحم وإن كانت هناك لحمية في عنقه مثلا أو أي شيء يمنع الحمل كالالتهابات.
- تحليل TOXOPLASMA ANTI TITRE IGM، وهو خاص بميكروب يمكن أن يجهض الحمل في بعض الحالات، أو يمنع حدوثه.
- تحليل السكر في الدم بعد الأكل بساعتين، لأنه في حالة زيادته يجعل إفراز غدد عنق الرحم سميكا فيعرقل دخول الحيوانات المنوية إلى الرحم.
- تحليل SERUM ANTISPERM ANTI TITRE وهو خاص بالكشف عن احتمال وجود أجسام مضادة في الدم تقوم بقتل الحيوانات المنوية عند دخولها إلى المهبل.
التأكد من عدم انسداد الأنابيب بعمل أشعة بالصبغة على الرحم والأنابيب أو بعمل منظار تشخيصي.
- عمل منظار البطن في حالات الضرورة، فهو يغني عن الأشعة فوق الصوتية حيث ينظر إلى الرحم والأنابيب بالعين المجردة.
وبمجرد أن يضع الطبيب يده على السبب من خلال الفحوصات السابقة، فإنه يتبع بروتوكولا خاصا لعلاج هذا السبب من خلال العقاقير أو الجراحة في بعض الحالات، وربما ينتهي به المطاف للجوء إلى وسائل الإخصاب المساعدة لضمان حدوث الحمل، خاصة مع تقدم سن الزوجة (لمن فوق الثلاثين عاما).
همسة:
يبقى أن نهمس في أذن كل زوجين:
إن الإنجاب نعمة عظيمة يعرفها من حرم منها، ولكنها ليست الهدف الوحيد من الزواج، بل الهدف الأساسي منه هو تحقيق المودة والرحمة وإيجاد السكينة بين الزوجين. قال الله - تعالى -: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" [سورة الروم: آية 21].
وأخيرا نذكر بالتوجه إلى الله - عز وجل - بالدعاء، "فالفرج والروح في اليقين والرضا، والهم والحزن في الشك والسخط" كما روي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وكذلك الإكثار من الاستغفار، فكما قال - تعالى -: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارا" صدق الله العظيم.