كتب احد الاطباء يقول
فى أحد البرامج الدينية التى تبثها الفضائيات اتصلت سيدة عمرها ثلاثون عاما
بالشيخ تستفتيه وهى تبكى هل عليها من إثم
لأنها ذات ليلة منعت زوجها من نفسها فبات غاضبا عليها،
وفى الصباح وأثناء ذهابه إلى عمله وقعت له حادثة فمات فى الحال،
ومن وقتها وهى تشعر بالذنب وتؤنب نفسها،
بالرغم من إخلاصها له وعكوفها على تربية ولديها منه ورفضها الزواج من بعده،
كان ذلك من تسع سنوات وهى طوال هذه السنوات تشعر بالذنب،
لأنه كما تعتقد مات غضبانا عليها،
وأنها لو كانت تعلم أنها لن تراه بعد هذه الليلة لأذاقته من كئوس السعادة ما شاء،
ولأروت قلبه بماء الحب والحنان،
بل لتمنت أن تموت وهى بين أحضانه حتى لا تعيش لحظة الفراق التى حدثت.
ثم استطردت وهى تبكى:
"ولكن يا فضيلة الشيخ لم أقصد التمنع عليه إنما شغلنى صراخ أطفالى.. فأنا أحبه"
أعادتنى شكوى السيدة الى الوراء سنينا عندما ماتت أمى
ونحن نجلس على طبلية الأكل هى عن يمينى لا يفصلنى عنها إلا ابنتى الصغيرة
وعلى يمينها أجلست ابن أخى وفى مقابلها جلست زوجتى وزوجة أخى وأختى،
وانهمك كل منا فى التهام الأكل وانشغلت أمى فى إطعام ابنتى وابن أخى
وبلغ من انهماك الكل فى خاصة نفسه أنى وحتى تلك اللحظة
لم أنظر إلى وجه أمى إلى أن طرق مسمعى صوت زوجتى وهى تقول لأمى:
"مالك يا نينة.. شرقانة؟؟ تشربى؟؟ تفضلى الماء.."،
هنا التفت إلى أمى فإذا هى قد ارتكزت بيديها على الأرض
وأخذت تجاهد لتتنفس.. فسألتها: مالك يا أمى؟؟
فقالت: اطمئن لا شىء فقط كرشة نفس بسيطة
وستزول كثيرا ما حدث ذلك لى فى الأسابيع الأخيرة!! ولم لم تخبرينى؟؟
سألت بصوت غاضب فيه عتاب قاس..
قالت أردت ألّا أشغلك بى؟؟!! تشغلينى.. كيف وأنا طبيب؟؟
طبعا كل هذا بغضب بدى على وجهى
وهرولت لأحضر حقيبة الإسعاف الخاصة بى من السيارة التى تقف أمام البيت،
وسرعان ما عدت لأجد أمى فارقت الحياة!!
لم أصدق.. أهذه أمى التى كانت تتكلم معنا وتضحك قبل دقائق..؟؟
لم لم تقل لنا إنها ستودعنا بعد قليل على الأقل كنت أطعمتها أنا بيدى
بدلا من تشاغلى عنها بنفسى،
أو كنت وقد رأيتها تتألم وتتنفس بصعوبة كلمتها بطريقة أقل غضبا
مما فعلت وأكثر رقة وحنانا،
هكذا قلت لنفسى وقتها وإلى الآن ما زلت أتمنى لو تعود فأضع اللقمة بيدى فى فمها،
وأهتم بها ولا أنشغل عنها ولا أشعرها بغضبى منها الذى هو فى الأساس خوف عليها،
ولكن بطريقة غلط فلعل اللحظة تكون الأخيرة ولا نلتقى بعدها.
ومثل تلك الأرملة المكلومة فى زوجها والتى ما زالت تشعر بالذنب نحو زوجها
ومثلى أنا من ماتت أمه وهى بجواره دون أن يشعر لأنه انشغل ببطنه
وسد جوعته وتعامل معها، بينما تنازع الموت وكأنها لن تموت،
هناك أمثلة كثيرة ومتعددة لمواقف يؤجل أصحابها فعل البر بالآخرين
لأوقات لا يدرون هل يعيشون - هم أو الآخرون - حتى تأتى أو لا!!
بالرغم من أننا جميعا نردد فى كل وقت وحين الكلمة المأثورة
"خير البر عاجلة"،
ولكن معظمنا لا يعمل بها..
ولشد ما كانت تعجبنى كلمات الراحل الدكتور إبراهيم الفقى
عند نهاية كل حلقة من حلقاته التنموية حين يقول:
عيش بالأمل، عيش بالحب، عيش بالإيمان،
عيش اللحظة وكأنها آخر لحظة فى حياتك،
تصوروا لو كل منا تعامل مع اللحظة وما فيها من حدث
على أنها آخر لحظة فى حياته وسيلقى الله عليها..
فأى سعادة ستغمرنا وأى حب سيقربنا من بعضنا البعض؟
فيا كل إنسان أرجوك
إذا أحسست فى لحظة ما أنك تحب شخصا فأخبره وبسرعة
فإن كان الوقت ليلا فلا تنتظر حتى يطلع الصباح
وإن كنت فى الصباح فلا تنتظر حتى يجن الليل،
وإن خطر فى قلبك خاطر أن تشرح قلب زوجتك
أو ابنك أو بنتك أو أبيك أو أمك أو صديقك بكلمة أو هدية،
فلا تتوانى وبادر بفعل الخيرات حتى إذا حدث الفراق
فإن كنت أنت السابق قابلت ربك بأحب الأعمال إليه
وهو إدخال السرور إلى قلب واحد من عباده،
وإن كنت أنت اللاحق فارقك حبيبك وهو عنك راض
وبقيت أنت راضيا عن نفسك لا تنام ولا تقوم على إحساسك القاتل بالذنب..
بل تغمض عينيك وتفتحهما وهما قريرتان بفعلك الخير فى كل الأوقات. |