بسم الله الرحمن الرحيم
خرَّج الشاب وعقد العزم على إتمام نصف دينه، وذهب لخطبة العروس.. لكنه فوجئ بالرفض.. لماذا؟؛ لأنه سيعيش مع أمه المسنة فى بيتها.. كانت صدمة أعقبها تساؤل: إلى من أترك أمى وأنا وحيدها أو آخر أبنائها؟ وهل من البر أن أترك أمى فى آخر عمرها وحيدة، بينما أسعد أنا فى حياتى مع عروس؟ وهل كل من لديه أم فى مثل ظروف أمى يعزف عن الزواج، ويُعرض نفسه للفساد والانحراف؟
هذه التساؤلات تدور فى عقول كثير من الشباب الذين يسعون للزواج فى حضن العائلة وحنان الأم برًا بأمهاتهم، وتكيفًا مع الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع تكاليف الزواج، وهذا التحقيق دعوة للبر، وإجلاء لمخاوف الفتيات من العيش مع الحماة، وتصحيح للصورة المشوهة للحماة التى أسهمت وسائل الإعلام فى تعميقها لديهن.
تزين المنزل لاستقبالى
تقول أم أسماء (حماة لأربع أزواج وزوجات): حينما أجلس مع صديقاتى وأتحدث عن زوجات أبنائى يقلن: إننى أعيش فى عالم غير عالمهن، فزوجات أبنائى طيبات، وأحس أنهن مثل بناتى، ولأن لى ابنتين متزوجتين؛ فإنى أعلم ما يضايقهن من تصرفات الحموات، فلا أفعله معهن، ولذلك فنحن نعيش فى انسجام بفضل الله تعالى، وبفضل المعاملة الطيبة؛ فإحدى زوجات أبنائى تسكن معى، والأخرى مع زوجها خارج مصر، وأذكر أننى حين سافرت مرة لزيارة ابنى فى أمريكا فوجدت زوجته قد زينت المنزل لاستقبالى، كما لو كانت تستقبل العيد.
كلهن بناتى
تقول أم مدحت (حماة لستة أزواج وزوجات): تزوجت مع حماتى التى أذاقتنى المر، ورغم ذلك عاهدت نفسى ألا أكون كما كانت، وأنا لى ثلاثة أبناء متزوجون، وثلاث بنات متزوجات أيضًا، وأعتبر أن الله رزقنى بثلاث بنات أخريات هن زوجات أولادى، وكذلك أزواج بناتى فكلهم طيبون، وأحبهم جميعًا كما أحب أولادى، ولا أفرق بينهم، وهم أيضًا يتمنون راحتى، ويحاولون إسعادى قدر استطاعتهم.
الحاجة سناء محمد (أم لأربعة أولاد متزوجين): أحب زوجات أولادى كثيرًا ومكانتهن فى قلبى مثل ابنتيَّ، ونحن نعيش كأسرة واحدة، فما ينفعهن ينفعنى، وما يضرهن يضرنى، نحن نعيش فى منزل واحد، ولكن كل أسرة فى شقة منفصلة، مما يتيح الاستقلالية لكل طرف بشكل يريحه فى التعامل مع الآخر، ويحافظ على الود بشكل دائم، وأكثر ما يحافظ على حب الحماة لزوجة ابنها مراعاتها لها، وخاصة فى حالة مرضها أو حاجتها للحنان والحب، ومساعدتها فى شئونها، وعلى الطرفين - زوجة الابن والحماة - أن يراعيا الله فى تصرفاتهما، وأن تتخذ زوجة الابن حماتها أمًا لها، سواء كانت بعيدة عنها أو تسكن معها.
داليا بدوى (زوجة منذ 10 سنوات): تزوجت فى شقة منفصلة عن حماتى، وهى أم فاضلة، زوجى ولدها الوحيد، ولكننا منذ أن تزوجنا كنا نأتى بشكل شبه يومى لزيارة حماتى والجلوس معها من أول النهار، ونعود إلى بيتنا ليلاً، وبعد أن أنجبت شَقَّ الأمر عليَّ؛ لأننا نسكن بعيدًا عنها، فقررت أن أستقر مع حماتى بعد زواج آخر بناتها وأنتقل للإقامة الكاملة معها، وأذكر أن حماتى ساعدتنى فى تربية أبنائى الثلاثة، وتعتبرنى ابنتها الرابعة، وتحبنى وتدافع عنى، فحماى وحماتى كأبى وأمى، وأحس أنى فى بيتى ولست فى بيت حماتى.
أم ثانية
سحر عثمان (زوجة منذ 7 سنوات): حينما خطبنى زوجى أخبرنى أنه سيعيش مع أمه فى شقتها، وقبلت بذلك؛ لأنه إنسان طيب وعشنا 5 سنوات مع حماتى، وكنت أعاملها كأمى وتعاملنى كابنتها، واعتبرت أنى فى بيتى، ولأنى موظفة كنت أذهب إلى عملى وأترك أبنائى فى رعايتها بدلاً من الذهاب بهم إلى الحضانة فى سن مبكرة، وسارت الأمور على ما يرام، ولم نترك حماتى إلا بعد أن جاءت إحدى بناتها للعيش معها، نظرًا لظروف طرأت عليها، فبحثنا عن شقة أخرى وانتقلنا.
عايدة محمد (زوجة منذ 17 سنة): تزوجت فى نفس المنزل الذى تعيش فيه حماتى، وكان لأخى زوجى الأكبر شقة فى الدور الأول، وتعيش والدته معه، ولكن بعد زواجنا انتقلت حماتى للعيش معنا، نظرًا لارتباطها الشديد بابنها (زوجى)، ورحبت بها كأمى، وارتاحت هى للعيش معى، وفى بداية زواجنا كانت حماتى تتضايق من كثرة خروجى، ولكن باتفاقى مع زوجى أفهمتها أننى أخرج للضرورات، ومع ذلك كنت أراعى كل طلباتها واحتياجاتها، وبعد فترة تعودت على الوضع، ولم تعد تتضرر.
ميزات عديدة
الدكتور إلهام فرج - أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنى سويف - تحدثنا عن الحماة والعيش فى دفء العائلة فتقول: منذ فترة لا تزيد عن 50 سنة كان نظام الأسر فى الريف المصري هونظام الأسرة الممتدة، والتى تعنى معيشة الجد والجدة وأبنائهما وأحفادهما فى بيت واحد، ومعيشة واحدة، أما الآن فقد اتجه المجتمع إلى نظام الأسرة النووية الصغيرة، ولكل نظام عيوبه ومميزاته، ولكن نظرًا لظروف المجتمع الاقتصادية قد لا يجد الشاب مسكنًا غير بيت أمه، وقد لا يكون للأم أبناء غيره، فهل يتركها ويتخلى عنها، أم يظل بلا زواج؟
وأقول لكل فتاة ترفض المعيشة مع الحماة أو تبالغ فى الأمر، فترفض مجرد العيش فى منزل واحد ولو بشكل مستقل، أقول لها: إن المعيشة فى أحضان العائلة لها ميزاتها، فهى توفر - إلى حد كبير - الأمان المعنوى والسند الاجتماعى القريب، وقد يكون هناك حل وسط إذا كان هناك مجموعة من الإخوة يعيشون فى عمارة واحدة، وللأم والأب أو كلاهما شقة فيها، فيكون هذا شكل وسط بين النظامين المعروفين للأسرة سابقى الذكر، أما إذا لم يكن هناك سوى العيش مع والدته؛ فإن لذلك أيضًا ميزاته، فالأم تمثل خبرة سنوات وعطاء عمر بالنسبة لولدها وزوجته، كما أنها فى بعض الأحيان هى التى تستضيف الابن وزوجته فى شقتها، إذ لولاها ما استطاع الابن الزواج؛ لأنه ليس لديه شقة، كما أنها فى أحيان أخرى يكون لها معاش خاص، وتساعد فى نفقات المنزل، بل والأجمل والأهم من ذلك أنها تساعد كثيرًا فى تربية ورعاية الأبناء، ويعرف قيمة هذه النعمة من حرم منها.
حلول ممكنة
كما تؤكد د. إلهام على أهمية وعى الفتاة والعروس ومرونتها فى التعامل مع الحماة، سواء كانتا فى مسكن واحد أو فى مساكن مستقلة، وأن يكون لديها قدرة على التكيف مع الواقع وتحمل المسئولية، وأن تساير أمورها مع حماتها، وتحاول إرضاءها، وكذلك الزوج عليه إرضاء الطرفين دون ظلم لإحداهما، وكلمة مهمة أقولها للحماة: إذا كنت ستعيشين مع ابنك فاعلمى أن دورك الآن ليس قياديًا، ولكنه استشارى، فقد تخطيت هذه المرحلة فاتركيها لزوجة ابنك.
وتشير د. إلهام إلى نقطة مهمة، وهى أن وجود الحماة فى نفس المكان ليس هو المشكلة، ولكن المشكلة إذا كانت الشخصية صعبة، فهناك الكثير من الحموات اللاتى يدرن حياة أبنائهن من بعيد، رغم بُعد المسافة وأخريات فى داخل البيوت، ولا يتدخلن فى حياة الأبناء، والمهم أن يتفاهم الزوجان منذ البداية على خصوصيتهما ولا يسمحان بتدخل أحد من عائلتهما فى خلافاتهما إلا عند الضرورة للإصلاح.
وتضيف أن السبب الرئيسى للخوف من الحماة يرجع إلى تصوير وسائل الإعلام للحماة على أنها عدو لدود، وشخص يريد الاستبداد بالسلطة منذ أيام «مارى منيب»، كما أن هناك مثلاً فى تراثنا الشعبى يقول «الحمى عمى»، ولكن على كلا الطرفين الحماة وزوجة الابن أن يقدمان الحب والمودة، وأن يعتبران نفسيهما أسرة واحدة، وأم وابنتها، ولا تبالغان فى توقعاتهما عن بعضهما حتى لا يخالف الواقع هذه التوقعات، فتبدأ المشكلات.