المجيب
د. سميحة محمود غريب
السؤال
أريد أن أعرف ماذا أفعل بعد أن اكتشفت أن زوجي لم يكن ذلك الشخص الذي كنت أعتقد أنني أعرفه؛ فقد عرفت أنه يعشق النساء ويغازلهن عبر موقع (الفيس بوك)، وينظر إلى مفاتنهن، وهو على علاقة بهن أيضًا عبر الجوال، وهذا بعد عشرة زوجية دامت سبع عشرة سنة.. أصبحت الآن أعرف زوجي، كم من امرأة أحبها وغازلها، وهو لا يعرف أنني أعلم.. أرشدوني إلى حل فأنا أم لطفلين، ولا أريد أن أخرب بيتي، فقد عشت معه الخير والشر، ولم أكن أتوقع منه طعنة في الظهر كهذه.. أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه و سلم تسليماً كثيرا..
إنه مما عمت به البلوى في هذا الزمان، الوسائل التقنية الحديثة من جوال ونت وفضائيات، فبدلاً من استخدامها الاستخدام الأمثل الذي يفيدنا والذي يعود علينا وعلى مجتمعاتنا بالخير والنفع -ونحن أمة الإسلام مُيزنا عن سائر الأمم بالتزكية؛ تزكية الروح وتزكية الجسد وتزكية المال، وأرشدنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى استخدام كل ما هو صالح ونافع،
فقال:
( الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها )
- فإذ بنا نسقط في هذه الهوة، كالجاهل بالسباحة يرمي نفسه في اليم، فحتما تكون النتيجة مفزعة.
أختي الكريمة.. هوني على نفسكِ واستجمعي زمام أمركِ، فواضح من كلامكِ أنكِ قد انشغلتِ بتربية الأبناء، وانفصلتِ روحياًّ عن زوجكِ (اكتشفت أن زوجي لم يكن ذلك الشخص الذي كنت أعتقد أنني أعرفه)، فبات الرجل يشعر بالفراغ والإهمال، فما كان منه إلا أن دخل هذا العالم (السحري)، ربما في البداية على سبيل التجربة وحب الاستطلاع أو التجديد في حياته التي أصابها الملل، فوجد كل ما هو مثير وعجيب، فبدأ ينجرف وسط هذا التيار العاتي، فهو كالغريق الذي في حاجة لمن ينتشله من هذا الضياع وهذا التخبط.
وحسنا ما فعلتِ بالتزامكِ الصمت وعدم مواجهتكِ له (هو لا يعرف أنني أعلم )، فالصبر والحكمة وعدم الانفعال أو المواجهة من الأسباب المعينة- بإذن الله تعالى- في حل هذه المشكلة، لأن المواجهة تجعله يزداد عنادا وتشبثا بهذا الوهم الذي يعيشه، كما أنصحكِ بألا تفشي هذا السر لأي أحد، لأن إفشاءه سيكون من باب التشهير به، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.
أختي الحبيبة.. لاشك أن وضع يديكِ على الأسباب التي أوصلت زوجكِ لهذا السلوك هي أولي الخطوات نحو العلاج، فزوجكِ ما فعل ذلك إلا لعدة أسباب منها وقت الفراغ، الفراغ العاطفي، ضعف الوازع الديني. أما من حيث فائض الوقت، فكيف لرجل يعمل ويكد من أجل توفير احتياجات أسرته، يجد الوقت الذي ينفقه في هذا العبث؟
فزوجكِ يحتاج لملء وقته بما يعود عليه وعلى أسرته بالخير، اشغليه بمشاركتكِ في تربية الأبناء، حدثيه عن مشاكلهم ووسائل حلها، اطلبي منه معاونتهم في استذكار دروسهم، أشركيه في تلبية احتياجات الأسرة وشراء لوازمها، فكري معه في مشروع تجاري يزيد من دخل الأسرة، شاركيه هواياته واهتماماته حتى لو كانت لا توافق اهتماماتكِ، تحدثي معه عن قضايا المسلمين ومعاناتهم، تحاوري معه في بعض القضايا الاجتماعية والثقافية،
تحدثي معه عن الأخطار التي تواجه الأسرة المسلمة، وكيف أن أعداء الإسلام يخططون من أجل إشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم، وكيف أنهم قد استخدموا التقنيات الحديثة من فضائيات وإنترنت في التفنن في لهو الشباب المسلم وإفساد دينه، تحدثي معه في هذه الأمور، واسأليه رأيه، وكيف يمكن الحفاظ على الأبناء من هذه الشرور، اطلبي منه وضع برامج حماية لحجب المواقع المشبوهة حتى لا تقع عين الأبناء على مثلها، اطلبي منه مصادقة الأبناء والتحدث معهم عن هذه الآفات وأخطارها، وهكذا بحيث لا يجد الوقت لينشغل بمثل هذه المحادثات.
أختي المؤمنة.. لاشك أيضاً أن تقوية الجانب الإيماني لزوجكِ عامل مهم، فحاولي أن تشاركيه الأوراد والاستغفار وتلاوة القرآن، استيقظي، وحثي زوجكِ على الاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل، وافزعي إلى الله تعالى بالدعاء، فقد وعد الله من دعاه مضطراً منيباً حال الشدة والكربة أن يستجيب له،
قال تعالى
{ أمن يجيب المضطرة إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم حلفاءالأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرونَ }
وأخلصي الدعاء له سبحانه، وليكن من دعائك:
"اللهم قر عيني بهداية زوجي وصلاحه وتقواه"،
"اللهم اشفِ زوجي، وعافه من هذا البلاء،
اللهم اشرح صدره للإيمان، اللهم ارزقه الهداية،
اللهم أره الحق حقا وارزقه اتباعه، وأره الباطل باطلا وارزقه اجتنابه"،
" اللهم أبعد عنه رفقاء السوء، اللهم جنبه الفواحش والمعاصي،
اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه ".
وإذا أتاحت لك الفرصة أن تسافري معه لأداء مناسك الحج أو العمرة فسيكون لهذا الأثر الكبير في تقوية إيمانه وتوبته. تحدثي مع زوجك عن وسائل تنمية الرقابة الذاتية لدى الأبناء حتى يستشعروها دوما في سرهم وعلانيتهم، وكيف أنهم محاسبون على السمع والبصر
{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }
وأن الله العليم الخبير مطلع على كل ما يفعلونه، فلا شك أنه سيستحي أن ينصح أبناءه بشيء ثم يفعله.
أختي العاقلة.. اعلمي أن زوجك ما دخل هذه المواقع إلا للبحث عن متعة ما يفتقدها في حياته، أو نوع من التغيير يلزمه، أو سعادة خاصة ما عاد يشعرها... فاعملي على إشباع الحاجات العاطفية، وإعادة الحرارة للعلاقة الزوجية بينكما، وذلك بإعادة خطوط الاتصال القلبية والوجدانية، فابدئي التجديد والتغيير في حياتكما.
تفهمي أن للرجل ضعفاً غريزياً أمام المغريات.. فحاولي أن تبدي أمامه كالعروس في رومانسيتها و إثارتها، تزيني له، وتطيبي له، وتفنني في إدخال السرور عليه، هذا هو الإسلام " أن تسره إذا نظر إليها ". ليس فقط في عنايتكِ بمظهركِ وزينتكِ ولمسات الجمال في منزلكِ، بل عبري عن مشاعركِ له، وأعطيه الفرصة للتعبير عن مشاعره هو أيضا. كوني له الحبيبة والصديقة التي تشاركه أحلامه، وتتفهم مشاعره، واظهري إعجابكِ به وبجاذبيته.
أختي الحبيبة.. أعلم أن الأمر ليس بهذه السهولة، ولكنها قضيتك التي يجب أن تجاهدي لتربحيها، فبهداية زوجكِ بإذن الله ستستقر أسرتكِ، ويسعد أطفالكِ، وتشعرين معه بالسكن والمودة والرحمة.. واعلمي أن مع الصبر الفرج، وأن العلاج يستلزم وقتاً، فلا تيأسي، وحاولي التعايش مع الواقع حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا..
أسأل الله جل وعلا أن يهدي زوجك، ويبارك لكِ فيه، ويجمع بينكما في خير إنّه سميع مجيب..