ندامة الجمري على طلاق زوجته أفضى به شعراً تناقلته الأجيال
«أبغض الحلال إلى الله الطلاق» مهما كان هذا حديثا صحيحا أو حسناً أو ضعيفا فإن ذلك لا يعنينا هنا. فالطلاق غير مستحب مهما كان لصالح الزوجين أو لأحدهما عندما يتعرض عش الزوجية إلى عدم وفاق بين الزوجين، بعد أن جذبهما الأمل والعزيمة على بناء هذا العش، يشد أطرافه وعماده حب نقي، وتزكية الأصدقاء ورغبة في رابطة متينة بين عائلتين، توخى كل منهما صلاح مشروع الزواج عن قناعة من كل الأطراف بصلاح النبتة والتربة وريّها وموالاة أطرافها بالدعم والمتابعة، وعقد الآمال بالوئام والنتاج الحسن. ولكن وكما قالوا: «تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن»، تضيق الصدور ويستشري الملل ويدب التصدع في جدار المشروع وينهار البناء، ويُنسى الفضل الذي قام عليه هذا التقارب والاتحاد، ويمضي كل إلى غايته:
فإذا أنكر خل خله
وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته
لا تقل شئنا فإن الله شاء
إن ضيق الصدور يعصف اليوم كثيرا بالشباب، واليسر عامل مساعد له، والأنانية ركاب لمن لا يفكر في روابط الزواج، فيسيطر القلق ومحدودية التفكير على جهاز الابحار فتغرق السفينة، ويصعب العثور على رابط مختلف ينهي القلق ويبشر بأمل مضمون، فكل زمن يشكل أدواته من تفكير أفراده وتطلعاتهم. ولا أعتقد وجود مفرد علم كامل الأوصاف، وقد يبزغ الخلاف بين الزوجين فيرى ان في الطلاق حلاً لجلب السعادة إلى كل منهما، وينسيان الفضل بينهما، فلا يخطر ببال كل منهما حسنات الآخر فيندم.
الشاعر سالم الجمري رحمه الله كان رجلا مزواجاً، يذكر أنه طلق زوجه ثم جمعتهما الصدقة في لقاء أسري، فحن كل منهما إلى الآخر حيث سرت المرأة وحيته كالأخريات اللواتي تجمعهن بالشاعر قربى وجوار، وربما كانت مناسبة عيد جمعتهم. أما الشاعر فإنه أفضى بمشاعره شعراً تناقلته الأجيال، وكان يعبر عن الندم والأسى، إذ يقول:
عَدّي بشوفك من سنيات مضيت
يا فايق الخود الحسان الخردات
واليوم من شفتك عيوني برّقت
وتذكرت نفسي ليالٍ ماضيات
ورغم قرب هذه الحادثة بما لا يزيد على خمسين عاماً، إلا أنه حيكت روايات عن هذا الموقف الذي لقي استحسانا من كثير، حتى أن بعض المغنين شدوا بهذه الأبيات ورددها المتأثرون بالموقف حزنا على فراق بعد وئام.
ومن الرواة من رد الحدث إلى جوار وقع بعد الطلاق حدث صدفة بعد أن عرف كل من الزوجين أن منزليهما متجاوران.
وللبيتين السابقين تكملة وهي:
شوفك شفا لفْواد وعظامي صحت
إلا جروحي في فوادي باقيات
يا فرحتي يا كبر حظي والبخت
يوم سْمحت نفسك لنا بمواجهات
الله يا دنيا تقضَّت وانقضت
مرت لياليها شراغة وبهوات
غنّت ليال السعد لي وتزخرفت
يوم اقبلت حظي بها قيّل وبات
وياما استهلَّت وعْطفت لي وامطرت
ويا ما سقتني من ثنايا صافيات
إنه يتذكر أيام وليالي السعادة الزوجية التي أظلتهما حينا وأغدقت عليهما نعيم السعادة الزوجية، التي يعلل زوالها بالأبيات التالية:
وخلاف ذا يوم اشمأزّت وادبرت
ما فادها زقري سعت لي بالشتات
تنكّرت عقب الوداد ومزّعت
ثوبي وثوب الغي ترفيه الرفاة
أوقات السعادة تبدلت، فدوام الحال من المحال، إن لم تكن مواجهة الظروف هذه ومقاومتها قوية، ويبرئ الشاعر نفسه من الأمر بالسوء في قوله «ما فادها زقري» أي ندائي متمسكاً بالوفاق، فقد تنكرت لياليه له. ثم يفلسف طبيعة الحب بأنه قد يتغير لاستهدافه بالتصدع:
والحب فيه القول وافعال الشمت
وراعيه ما يسلم من أقوال الوشاة
ليت المحبة في محاكمها انصفت
خلت موازين الهوى متعادلات
إلى قوله في ختام القصيدة يصف موقفه من المقابلة:
ما يلام قلبي يوم شافك وابتهت
يا ابو حجاجين سُمُرْ ومقرّنات
جرحك برى وجروح قلبي ما برت
داخل ضميري لك جروح ساطيات
كثير ممن استحبوا الطلاق ندموا ندامة الجمري، فالطلاق كثيرا ما يحدث ساعة غضب وتسرع وتعجل، واعتماداً على أن كسر الزجاج لا يجبر، وقد تعددت وسائل جبر الزجاج اليوم، ولكن التمسك بالأمثال حبل رث في كثير من حالاته.
لا هند، لامي، لا ليلى التي تذكر
يخلق شراته ولا عينت انا بِشْرِ
عاشرت قبله وعقبه في زمان مر
ولا غير حبه يا ملا عذب الجمري
سقاني ثمان سنين من مبسمه كوثر
وعشرٍ سقاني علقم المر والصبر
وان مر تذكاره على القلب وتذكر
برحت دموعي على صفح الوجن تجري
أفرق الضيق عند الناس واتغشمر
واجحد عواقي ومن يعلم ومن يدري