السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد ضرب سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين أروع الأمثلة في الإخلاص وصدقهم مع الله عز وجل، حتى حبب الله لهم الخلق والعباد، وألقى لهم القبول في الأرض، ورفع من شأنهم ، وأعلى ذكرهم .وإليك أيها السني المبارك هذه الأمثلة والنماذج لتكون عوناً لنا على الاجتهاد وتحرى الإخلاص.
عن الربيع بن خثيم أنه قال لأهله : اصنعوا لنا خبيصاً، فصنعوا له فدعا رجلاً به خبل ( فساد في العقل وهو ضرب من الجنون) فجعل يلقمه ولعابه يسيل، فلما ذهب قال أهله : تكلفنا وصنعنا ما ندري هذا ما أكل، فقال الربيع : (( لكن الله يعلم )) [ الحلية 2/107]
كان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجا، ولو رجعت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه
ما فعله. [ السير 4/165]
عن الأعمش قال: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي، فإذا دخل الداخل نام على فراشه. [ السير 4/264]
عن حماد بن زيد قال: كان أيوب في مجلس فجاءته عبرة، فجعل يمتخط ويقول( ما اشد الزكام)) اهـ [ السير 6/20]
وعن ابن واسع: (( إن الرجل ليبكي عشرين سنة، وامرأته معه لا تعلم )) اهـ [ السير 6/122]
عن سلام، قال: كان أيوب السختياني يقوم الليل كله، فيخفي ذلك فإذا كان عند الصبح رفع صوته، كأنه قام تلك الساعة. [ السير 6/17]
عن شعبة، يقول: ما من الناس أحد أقول إنه طلب الحديث يريد به الله إلا هشام صاحب الدستوائي ، وكان يقول: ليتنا ننجو من هذا الحديث كفافا لا لنا ولا علينا. ثم قال شعبة: إذا كان هشام يقول هذا فكيف نحن؟؟ [ السير 7/150]
وعن سهل بن منصور، قال: كان بشر يصلي فيطول ورجل وراءه ينظر، ففطن له فلما انصرف قال: (( لا يعجبك مارأيت مني، فإن إبليس قد عبد الله دهرا مع الملائكة )) اهـ
[ السير 8/361]
وقال محمد بن عبدوية: سمعت الفضيل يقول( ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله عنهما )) اهـ [ السير 8/427]
وقال الشاطبي: (( لا يقرأ أحد قصيدتي هذه، إلا وينفعه الله لأنني نظمتها لله )) اهـ
[ السير 21/263]
وعن نعيم بن حماد سمعت ابن المبارك يقول: ما رأيت أحدا ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة. قلت( الإمام الذهبي): (( ما كان عليه من العلم ونشره أفضل من نوافل الصوم والصلاة لمن أراد به الله )) اهـ [ السير 8/97]
قال عون بن عمارة :سمعت هشاما الدستوائي :يقول والله ما أستطيع أن أقول أني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل. قلت( الإمام الذهبي): والله ولا أنا فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا، وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولا لا لله، وحصلوه، ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم فجرهم العلم إلى الأخلاص في أثناء الطريق، كما قال مجاهد وغيره: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله النية بعد وبعضهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله فهذا أيضا حسن. ثم نشروه بنية صالحة وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا وليثنى عليهم فلهم ما نووا. [ السير 7/152]
وعن الفيض، قال لي الفضيل: (( لو قيللك امرائي، غضبت وشق عليك، وعسى ماقيل لك حق، تزينت للدنيا وتصنعت، وقصرت ثيابك وحسنت سمتك، وكففت أذاك حتى يقال: أبو فلان عابد ما أحسن سمته فيكرمونك، وينظرونك، ويقصدونك ويهدون إليك مثل الدرهم الستوق( المزيف) لايعرفه كل أحد، فإذا قشر، قشر عن نحاس )) اهـ [ السير8/438]
ولما خرج محمد بن عبد الله بن حسن لزم (ابن أبي ذئب) بيته إلى أن قتل محمد، وكان أمير المدينة الحسن بن زيد يجري على ابن أبي ذئب كل شهر خمسة دنانير، وقد دخل مرة على والي المدينة فكلمه وهو عبد الصمد بن علي عم المنصور فكلمه في شيء فقال: عبد الصمد بن علي إني لأراك مرائيا، فأخذ عودا وقال: (( من أرائي فوالله للناس عندي أهون من هذا )) اهـ [ السير7/141]
قال عاصم الأحول: (( كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام فتركهم )) اهـ [ السير4/210]وأما شدة اتهام السلف لأنفسهم، واحتقارهم وازدرائهم لها، برغم كثرة الأعمال، والطاعات والمجاهدات، فحدث ولا حرج. وإليك أيها الحبيب هذه الأمثلة التي تبين كيفية احتقارالسلف الصالح لأنفسهم مهما عملوا من أعمال.
قال الفيض بن اسحاق: قال لي الفضيل: (( تريد الجنة مع النبيين والصديقين، وتريد أن تقف الموقف مع نوح وإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام؟؟ بأي عمل وأي شهوة تركتها لله عز وجل، وأي قريب باعدته في الله، وأي بعيد قربته في الله )) اهـ [ تهذيب الحلية 3/10]
وقال محمد بن واسع : (( لو كان يوجد للذنوب ريح، ما قدرتم أن تدنوا مني من نتن ريحي )) اهـ [ صفوة الصفوة 3/268]
وعن يونس بن عبيد قال : (( إني لأعد مائة خصلة من خصال البر، ما في منها خصلة واحدة )) اهـ [ تهذيب الحلية 1/437]
وقال محمد بن أسلم الطوسي: (( قد سرت في الأرض ودرت فيها، فبالذي لا إله إلا هو ما رأيت نفساً تصلى إلى القبلة شراً عندي من نفسي )) اهـ [ الحلية 9/244]
وعن ابن المبارك قال: (( إذا عرف الرجل قدر نفسه، يصير عند نفسه أذل من كلب )) [ السير 8/399]
قال أبو أمية الأسود: سمعت ابن المبارك: يقول أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شر منهم ثم أنشأ يقول:
الصمت أزين بالفتى ............................. من منطق في غير حينه
والصدق أجمل ................................... بالفتى في القول عندي من يمينه
وعلى الفتى بوقاره ................................... سمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفي علي ................................. اذا نظرت الى قرينه
رب امرئ متيقن ........................................ غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه ......................................... فابتاع دنياه بدينه
[ السير 8/417-418]
وعن وهيب بن بن خالد قال: قال أيوب السختياني: (( إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل)) اهـ [ صفوة الصفوة 3/210]
وعن الحر بن عبد ربه القيسي ، وكان ذا قرابة لرياح بن عمرو القيسي ، قال: كنت أدخل المسجد وهو يبكي، وأدخل عليه البيت وهو يبكي ، فقلت له يوماً: انت دهرك في مأتم، فبكي ثم قال: (( يحق لأهل المصائب والذنوب أن يكونوا هكذ)) اهـ [ صفوة الصفوة 3/261]
وقال السري السقطي: (( ما أحب أن أموت حيث أعرف ، فقيل له: ولم ذاك يا أبا الحسن ؟؟ فقال: أخاف أن لا يقبلني قبريفأفتض)) اهـ. [ الحلية 10/98-99]
وقال خلف بن تميم: سمعت سفيان الثوري بمكة وقد كثر الناس عليه، فسمعته يقول: (( ضاعت الأمة حين احتيج إلى مثلي )) اهـ [ تهذيب الحلية 2/363]
قال مروان بن محمد قال: قال أبو حازم: (( ويحك يا أعرج يدعي يوم القيامة بأهل خطيئة كذا وكذا، فتقوم معهم، ثم يدعي بأهل خطيئة )) اهـ [ صفوة الصفوة 2/393]
كان عامر بن عبد قيس راهب العرب يقول: (( أأنا من أهل الجنة ؟؟ أو مثلي يدخل الجنة )) اهـ [ الحلية1/290]
وكان الربيع بن خثيم يبكي حتى تبتل لحيته فيقول: (( أدركنا أقواماً كنا في جنبهم لصوصاً )) اهـ [ الحلية2/108-109]
وقال مهدي بن ميمون: قال: مطرف لقد كاد خوف النار، يحول بيني وبين أن أسأل الله الجنة )) اهـ [ السي 4/194]
وقال مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير، قال: حبس السلطان ابن أخي مطرف فلبس مطرف خلقان ثيابه، وأخذ عكازا وقال: (( أستكين لربي لعله أن يشفعني في ابن أخي )) اهـ [ السير 4/195]
عبد الله بن بكر: سمعت إنسانا يحدث عن أبي، أنه كان واقفا بعرفة فرق، فقال: (( لولا أني فيهم لقلت قد غفر لهم )). قلت( الإمام الذهبي): كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها. [ السير 4/195]
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.