{1} الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه أَضَلَّ أَعْمَالهمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه وَعَبَدُوا غَيْره وَصَدُّوا مَنْ أَرَادَ عِبَادَته وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيِّتِهِ , وَتَصْدِيق نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الَّذِي أَرَادَ مِنْ الْإِسْلَام وَالْإِقْرَار وَالتَّصْدِيق { أَضَلَّ أَعْمَالهمْ } يَقُول : جَعَلَ اللَّه أَعْمَالهمْ ضَلَالًا عَلَى غَيْر هُدًى وَغَيْر رَشَاد , لِأَنَّهَا عُمِلَتْ فِي سَبِيل الشَّيْطَان وَهِيَ عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة
{2} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ , وَاتَّبَعُوا أَمْره وَنَهْيه . وَذُكِرَ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ كَفَرُوا } . .. الْآيَة أَهْل مَكَّة , { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } . .. الْآيَة , أَهْل الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24245 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن وَهْب الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل مَكَّة { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } قَالَ : الْأَنْصَار .
{2} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
يَقُول : وَصَدَّقُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد
{2} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
يَقُول : مَحَا اللَّه عَنْهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ سَيِّئ مَا عَمِلُوا مِنْ الْأَعْمَال , فَلَمْ يُؤَاخِذهُمْ بِهِ , وَلَمْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهِ
{2} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
يَقُول : وَأَصْلَحَ شَأْنهمْ وَحَالهمْ فِي الدُّنْيَا عِنْد أَوْلِيَائِهِ , وَفِي الْآخِرَة بِأَنْ أَوْرَثَهُمْ نَعِيم الْأَبَد وَالْخُلُود الدَّائِم فِي جِنَانه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24246 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن وَهْب الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : أَمْرهمْ . 24247 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : شَأْنهمْ. 24248 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : أَصْلَحَ بَالهمْ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : حَالهمْ . 24249 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ حَالهمْ. وَالْبَال : كَالْمَصْدَرِ مِثْل الشَّأْن لَا يُعْرَف مِنْهُ فِعْل , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تَجْمَعهُ إِلَّا فِي ضَرُورَة شِعْر , فَإِذَا جَمَعُوهُ قَالُوا بَالَات.
{3} ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اِتَّبَعُوا الْبَاطِل وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّبَعُوا الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ إِضْلَالنَا أَعْمَال الْكَافِرِينَ , وَتَكْفِيرنَا عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , جَزَاء مِنَّا لِكُلِّ فَرِيق مِنْهُمْ عَلَى فِعْله . أَمَّا الْكَافِرُونَ فَأَضْلَلْنَا أَعْمَالهمْ , وَجَعَلْنَاهَا عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة وَهُدًى , بِأَنَّهُمْ اِتَّبَعُوا الشَّيْطَان فَأَطَاعُوهُ , وَهُوَ الْبَاطِل . كَمَا : 24250 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى ابْن أَبِي زَائِدَة , وَعَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَا : ثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي خَالِد أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول { ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اِتَّبَعُوا الْبَاطِل } قَالَ : الْبَاطِل : الشَّيْطَان . وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ , وَأَصْلَحْنَا لَهُمْ حَالهمْ بِأَنَّهُمْ اِتَّبَعُوا الْحَقّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ رَبّهمْ , وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه مِنْ النُّور وَالْبُرْهَان .
{3} ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ
يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : كَمَا بَيَّنْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس فِعْلِي بِفَرِيقِ الْكُفْر وَالْإِيمَان , كَذَلِكَ نُمَثِّل لِلنَّاسِ الْأَمْثَال , وَنُشَبِّه لَهُمْ الْأَشْبَاه , فَنُلْحِق بِكُلِّ قَوْم مِنْ الْأَمْثَال أَشْكَالًا .
{4} فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْب الرِّقَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِفَرِيقِ الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } بِاَللَّهِ وَرَسُوله مِنْ أَهْل الْحَرْب , فَاضْرِبُوا رِقَابهمْ .
{4} فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
وَقَوْله : { حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ } يَقُول : حَتَّى إِذَا غَلَبْتُمُوهُمْ وَقَهَرْتُمْ مَنْ لَمْ تَضْرِبُوا رَقَبَته مِنْهُمْ , فَصَارُوا فِي أَيْدِيكُمْ أَسْرَى .
{4} فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
يَقُول : فَشُدُّوهُمْ فِي الْوَثَاق كَيْلَا يَقْتُلُوكُمْ , فَيَهْرُبُوا مِنْكُمْ .
{4} فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
وَقَوْله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } يَقُول : فَإِذَا أَسَرْتُمُوهُمْ بَعْد الْإِثْخَان , فَإِمَّا أَنْ تَمُنُّوا عَلَيْهِمْ بَعْد ذَلِكَ بِإِطْلَاقِكُمْ إِيَّاهُمْ مِنْ الْأَسْر , وَتُحَرِّرُوهُمْ بِغَيْرِ عِوَض وَلَا فِدْيَة , وَإِمَّا أَنْ يُفَادُوكُمْ فِدَاء بِأَنْ يُعْطُوكُمْ مِنْ أَنْفُسهمْ عِوَضًا حَتَّى تُطْلِقُوهُمْ , وَتُخَلُّوا لَهُمْ السَّبِيل . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي قَوْله : { حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق , فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَنْسُوخ نَسَخَهُ قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 قَوْله { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } 8 57 . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24251 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن عِيسَى الدَّامْغَانِيّ , قَالَا : ثَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج أَنَّهُ كَانَ يَقُول , فِي قَوْله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } نَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 . 24252 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } قَالَ : نَسَخَهَا { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 . 24253 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } نَسَخَهَا قَوْله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } 8 57 . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } إِلَى قَوْله : { وَإِمَّا فِدَاء } كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا لَقُوا الْمُشْرِكِينَ قَاتَلُوهُمْ , فَإِذَا أَسَرُوا مِنْهُمْ أَسِيرًا , فَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يُفَادُوهُ , أَوْ يَمُنُّوا عَلَيْهِ , ثُمَّ يُرْسِلُوهُ , فَنُسِخَ ذَلِكَ بَعْد قَوْله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } 8 57 . أَيْ عِظْ بِهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ النَّاس لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ . 24254 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , قَالَ : كُتِبَ إِلَى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي أَسِير أُسِرَ , فَذَكَرَ أَنَّهُمْ اِلْتَمَسُوهُ بِفِدَاءِ كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ أَبُو بَكْر : اُقْتُلُوهُ , لَقَتْل رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ , أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا . 24255 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْب الرِّقَاب }. .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : الْفِدَاء مَنْسُوخ , نَسَخَتْهَا : { فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم } . .. 9 5 إِلَى { كُلّ مَرْصَد } س 9 5 . قَالَ : فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَهْد وَلَا حُرْمَة بَعْد بَرَاءَة , وَانْسِلَاخ الْأَشْهُر الْحُرُم . 24256 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } هَذَا مَنْسُوخ , نَسَخَهُ قَوْله : { فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 . فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَهْد وَلَا ذِمَّة بَعْد بَرَاءَة . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مُحْكَمَة وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ , وَقَالُوا : لَا يَجُوز قَتْل الْأَسِير , وَإِنَّمَا يَجُوز الْمَنّ عَلَيْهِ وَالْفِدَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24257 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَتَّاب سَهْل بْن حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا خَالِد بْن جَعْفَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : أُتِيَ الْحَجَّاج بِأُسَارَى , فَدَفَعَ إِلَى اِبْن عُمَر رَجُلًا يَقْتُلهُ , فَقَالَ اِبْن عُمَر : لَيْسَ بِهَذَا أُمِرْنَا , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق , فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } قَالَ : الْبُكَاء بَيْن يَدَيْهِ فَقَالَ الْحَسَن : لَوْ كَانَ هَذَا وَأَصْحَابه لَابْتَدَرُوا إِلَيْهِمْ. 24258 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن عِيسَى الدَّامْغَانِيّ , قَالَا : ثَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه قَتْل الْمُشْرِك صَبْرًا , قَالَ : وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَة { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } . 24259 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَا تَقْتُل الْأُسَارَى إِلَّا فِي الْحَرْب يُهَيَّب بِهِمْ الْعَدُوّ . 24260 - قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : كَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز يَفْدِيهِمْ الرَّجُل بِالرَّجُلِ , وَكَانَ الْحَسَن يَكْرَه أَنْ يُفَادَى بِالْمَالِ . 24261 - قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الشَّام مِمَّنْ كَانَ يَحْرُس عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , وَهُوَ مِنْ بَنِي أَسَد , قَالَ : مَا رَأَيْت عُمَر رَحِمَهُ اللَّه قَتَلَ أَسِيرًا إِلَّا وَاحِدًا مِنْ التُّرْك كَانَ جِيءَ بِأُسَارَى مِنْ التُّرْك , فَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُسْتَرَقُّوا , فَقَالَ رَجُل مِمَّنْ جَاءَ بِهِمْ : يَا أَمِير الْمُومِنِينَ , لَوْ كُنْت رَأَيْت هَذَا لِأَحَدِهِمْ وَهُوَ يَقْتُل الْمُسْلِمِينَ لَكَثُرَ بُكَاؤُك عَلَيْهِمْ , فَقَالَ عُمَر : فَدُونك فَاقْتُلْهُ , فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مُحْكَمَة غَيْر مَنْسُوخَة , وَذَلِكَ أَنَّ صِفَة النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر مَوْضِع فِي كِتَابنَا إِنَّهُ مَا لَمْ يَجُزْ اِجْتِمَاع حُكْمَيْهِمَا فِي حَال وَاحِدَة , أَوْ مَا قَامَتْ الْحُجَّة بِأَنَّ أَحَدهمَا نَاسِخ الْآخَر , وَغَيْر مُسْتَنْكَر أَنْ يَكُون جُعِلَ الْخِيَار فِي الْمَنّ وَالْفِدَاء وَالْقَتْل إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِلَى الْقَائِمِينَ بَعْده بِأَمْرِ الْأُمَّة , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْل مَذْكُورًا فِي هَذِهِ الْآيَة , لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ بِقَتْلِهِمْ فِي آيَة أُخْرَى , وَذَلِكَ قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 . بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ كَانَ يَفْعَل فِيمَنْ صَارَ أَسِيرًا فِي يَده مِنْ أَهْل الْحَرْب , فَيَقْتُل بَعْضًا , وَيُفَادِي بِبَعْضٍ , وَيَمُنّ عَلَى بَعْض , مِثْل يَوْم بَدْر قَتَلَ عُقْبَة ابْن أَبِي مُعَيْط وَقَدْ أُتِيَ بِهِ أَسِيرًا , وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَة , وَقَدْ نَزَلُوا عَلَى حُكْم سَعْد , وَصَارُوا فِي يَده سَلَمًا , وَهُوَ عَلَى فِدَائِهِمْ , وَالْمَنّ عَلَيْهِمْ قَادِر , وَفَادَى بِجَمَاعَةٍ أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أُسِرُوا بِبَدْرٍ , وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَة بْن أَثَال الْحَنَفِيّ , وَهُوَ أَسِير فِي يَده , وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ ثَابِتًا مِنْ سِيَره فِي أَهْل الْحَرْب مِنْ لَدُنْ إِذْن اللَّه لَهُ بِحَرْبِهِمْ , إِلَى أَنْ قَبَضَهُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمًا ذَلِكَ فِيهِمْ , وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَنّ وَالْفِدَاء فِي الْأُسَارَى , فَخَصَّ ذِكْرهمَا فِيهَا , لِأَنَّ الْأَمْر بِقَتْلِهِمَا وَالْإِذْن مِنْهُ بِذَلِكَ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ فِي سَائِر آي تَنْزِيله مُكَرَّرًا , فَأَعْلَمَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ الْمَنّ وَالْفِدَاء مَا لَهُ فِيهِمْ مَعَ الْقَتْل .
{4} فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
وَقَوْله : { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَاضْرِبُوا رِقَابهمْ , وَافْعَلُوا بِأَسْرَاهُمْ مَا بَيَّنْت لَكُمْ , حَتَّى تَضَع الْحَرْب آثَامهَا وَأَثْقَال أَهْلهَا , الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ بِأَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللَّه مِنْ شِرْكهمْ , فَيُؤْمِنُوا بِهِ وَبِرَسُولِهِ , وَيُطِيعُوهُ فِي أَمْره وَنَهْيه , فَذَلِكَ وَضْع الْحَرْب أَوْزَارهَا , وَقِيلَ : { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } وَالْمَعْنَى : حَتَّى تُلْقِي الْحَرْب أَوْزَار أَهْلهَا . وَقِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : حَتَّى يَضَع الْمُحَارِب أَوْزَاره. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24262 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى : وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } قَالَ : حَتَّى يَخْرُج عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَيُسْلِم كُلّ يَهُودِيّ وَنَصْرَانِيّ وَصَاحِب مِلَّة , وَتَأْمَن الشَّاة مِنْ الذِّئْب , وَلَا تُقْرِض فَأْرَة جِرَابًا , وَتَذْهَب الْعَدَاوَة مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , ذَلِكَ ظُهُور الْإِسْلَام عَلَى الدِّين كُلّه , وَيَنْعَم الرَّجُل الْمُسْلِم حَتَّى تَقْطُر رِجْله دَمًا إِذَا وَضَعَهَا . 24263 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالْحَرْبِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمُحَارِبُونَ. 24264 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } قَالَ الْحَرْب : مَنْ كَانَ يُقَاتِلهُمْ سَمَّاهُمْ حَرْبًا .
{4} فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
وَقَوْله : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ قَتْل الْمُشْرِكِينَ إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي حَرْب , وَشَدّهمْ وَثَاقًا بَعْد قَهْرهمْ , وَأَسْرهمْ , وَالْمَنّ وَالْفِدَاء { وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ } هُوَ الْحَقّ الَّذِي أَلْزَمَكُمْ رَبّكُمْ وَلَوْ يَشَاء رَبّكُمْ , وَيُرِيد لَانْتَصَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَيَّنَ هَذَا الْحُكْم فِيهِمْ بِعُقُوبَةٍ مِنْهُ لَهُمْ عَاجِلَة , وَكَفَاكُمْ ذَلِكَ كُلّه , وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره كَرِهَ الِانْتِصَار مِنْهُمْ , وَعُقُوبَتهمْ عَاجِلًا إِلَّا بِأَيْدِيكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24265 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ } إِي وَاَللَّه بِجُنُودِهِ الْكَثِيرَة كُلّ خَلْقه لَهُ جُنْد , وَلَوْ سَلَّطَ أَضْعَف خَلْقه لَكَانَ جُنْدًا.
{4} فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
يَقُول : لِيَخْتَبِركُمْ بِهِمْ , فَيَعْلَم الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ , وَيَبْلُوهُمْ بِكُمْ , فَيُعَاقِب بِأَيْدِيكُمْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ , وَيَتَّعِظ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِمَنْ أَهْلَكَ بِأَيْدِيكُمْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ حَتَّى يُنِيب إِلَى الْحَقّ .
{4} فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيل اللَّه } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْكُوفَة { وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا } بِمَعْنَى : حَارَبُوا الْمُشْرِكِينَ , وَجَاهَدُوهُمْ , بِالْأَلِفِ ; وَكَانَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَأهُ { قُتِّلُوا } بِضَمِّ الْقَاف وَتَشْدِيد التَّاء , بِمَعْنَى : أَنَّهُ قَتَلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ بَعْضهمْ بَعْد بَعْض , غَيْر أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ الْفَاعِلُونَ. وَذُكِرَ عَنْ الْجَحْدَرِيّ عَاصِم أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأهُ " وَاَلَّذِينَ قَتَلُوا " بِفَتْحِ الْقَاف وَتَخْفِيف التَّاء , بِمَعْنَى : وَاَلَّذِينَ قَتَلُوا الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ . وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقْرَأهُ { قُتِلُوا } بِضَمِّ الْقَاف وَتَخْفِيف التَّاء بِمَعْنَى : وَاَلَّذِينَ قَتَلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , ثُمَّ أَسْقَطَ الْفَاعِلِينَ , فَجَعَلَهُمْ لَمْ يُسَمَّ فَاعِل ذَلِكَ بِهِمْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ " وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا " لِاتِّفَاقِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء , وَإِنْ كَانَ لِجَمِيعِهَا وُجُوه مَفْهُومَة. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَات عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَعْدَاء اللَّه مِنْ الْكُفَّار فِي دِين اللَّه , وَفِي نُصْرَة مَا بَعَثَ بِهِ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهُدَى , فَجَاهِدُوهُمْ فِي ذَلِكَ { فَلَنْ يُضِلّ أَعْمَالهمْ } فَلَنْ يَجْعَل اللَّه أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا ضَلَالًا عَلَيْهِمْ كَمَا أَضَلَّ أَعْمَال الْكَافِرِينَ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة عُنِيَ بِهَا أَهْل أُحُد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24266 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه فَلَنْ يُضِلّ أَعْمَالهمْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ يَوْم أُحُد وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْب , وَقَدْ فَشَتْ فِيهِمْ الْجِرَاحَات وَالْقَتْل , وَقَدْ نَادَى الْمُشْرِكُونَ يَوْمئِذٍ : أُعْلُ هُبَل , فَنَادَى الْمُسْلِمُونَ : اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ , فَنَادَى الْمُشْرِكُونَ : يَوْم بِيَوْمٍ , إِنَّ الْحَرْب سِجَال , إِنَّ لَنَا عُزَّى , وَلَا عُزَّى لَكُمْ , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ . إِنَّ الْقَتْلَى مُخْتَلِفَة , أَمَّا قَتْلَانَا فَأَحْيَاء يُرْزَقُونَ , وَأَمَّا قَتْلَاكُمْ فَفِي النَّار يُعَذَّبُونَ " . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَاَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه فَلَنْ يُضِلّ أَعْمَالهمْ } قَالَ : الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْم أُحُد .
{5} سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِح بَالهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سَيُوَفِّقُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْعَمَلِ بِمَا يَرْضَى وَيُحِبّ , هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيله , { وَيُصْلِح بَالهمْ } وَيُصْلِح أَمْرهمْ وَحَالهمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .
{6} وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ
يَقُول : وَيُدْخِلهُمْ اللَّه جَنَّته عَرَّفَهَا , يَقُول : عَرَّفَهَا وَبَيَّنَهَا لَهُمْ , حَتَّى إِنَّ الرَّجُل لَيَأْتِي مَنْزِله مِنْهَا إِذَا دَخَلَهَا كَمَا كَانَ يَأْتِي مَنْزِله فِي الدُّنْيَا , لَا يُشْكِل عَلَيْهِ ذَلِكَ . كَمَا : 24267 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : إِذَا نَجَّى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ مِنْ النَّار حُبِسُوا عَلَى قَنْطَرَة بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار , فَاقْتَصَّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض مَظَالِم كَثِيرَة كَانَتْ بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ يُؤْذَن لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْجَنَّة , قَالَ : فَمَا كَانَ الْمُؤْمِن بِأَدَلّ بِمَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّة حِين يَدْخُلهَا . * -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ } قَالَ : أَيْ مَنَازِلهمْ فِيهَا. 24268 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ } قَالَ : يَهْتَدِي أَهْلهَا إِلَى بُيُوتهمْ وَمَسَاكِنهمْ , وَحَيْثُ قَسَمَ اللَّه لَهُمْ لَا يُخْطِئُونَ , كَأَنَّهُمْ سُكَّانهَا مُنْذُ خُلِقُوا لَا يَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهَا أَحَدًا . 24269 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ } قَالَ : بَلَغَنَا عَنْ غَيْر وَاحِد قَالَ : يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , وَلَهُمْ أَعْرَف بِمَنَازِلِهِمْ فِيهَا مِنْ مَنَازِلهمْ فِي الدُّنْيَا الَّتِي يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهَا فِي عُمْر الدُّنْيَا ; قَالَ : فَتِلْكَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ } .
{7} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
وَقَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّه يَنْصُركُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , إِنْ تَنْصُرُوا اللَّه يَنْصُركُمْ بِنَصْرِكُمْ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَجِهَادكُمْ إِيَّاهُمْ مَعَهُ لِتَكُونَ كَلِمَته الْعُلْيَا يَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ , وَيُظْفِركُمْ بِهِمْ , فَإِنَّهُ نَاصِر دِينه وَأَوْلِيَاءَهُ . كَمَا : 24270 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّه يَنْصُركُمْ } لِأَنَّهُ حَقّ عَلَى اللَّه أَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ , وَيَنْصُر مَنْ نَصَرَهُ .
{7} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
وَقَوْله : { وَيُثَبِّت أَقْدَامكُمْ } يَقُول : وَيُقَوِّكُمْ عَلَيْهِمْ , وَيُجَرِّئكُمْ , حَتَّى لَا تَوَلَّوْا عَنْهُمْ , وَإِنْ كَثُرَ عَدَدهمْ , وَقَلَّ عَدَدكُمْ .
{8} وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا } بِاَللَّهِ , فَجَحَدُوا تَوْحِيده { فَتَعْسًا لَهُمْ } يَقُول : فَخِزْيًا لَهُمْ وَشَقَاء وَبَلَاء . كَمَا : 24271 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ } قَالَ : شَقَاء لَهُمْ . وَقَوْله : { وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ } يَقُول وَجَعَلَ أَعْمَالهمْ مَعْمُولَة عَلَى غَيْر هُدًى وَلَا اِسْتِقَامَة , لِأَنَّهَا عُمِلَتْ فِي طَاعَة الشَّيْطَان , لَا فِي طَاعَة الرَّحْمَن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24272 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ } قَالَ : الضَّلَالَة الَّتِي أَضَلَّهُمْ اللَّه لَمْ يَهْدِهِمْ كَمَا هَدَى الْآخَرِينَ , فَإِنَّ الضَّلَالَة الَّتِي أَخْبَرَك اللَّه : يُضِلّ مَنْ يَشَاء , وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء ; قَالَ : وَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ جُعِلَ عَمَله ضَلَالًا , وَرَدَّ قَوْله : { وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ } عَلَى قَوْله : { فَتَعْسًا لَهُمْ } وَهُوَ فِعْل مَاضٍ , وَالتَّعْس اِسْم , لِأَنَّ التَّعْس وَإِنْ كَانَ اِسْمًا فَفِي مَعْنَى الْفِعْل لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الدُّعَاء , فَهُوَ بِمَعْنَى : أَتْعَسَهُمْ اللَّه , فَلِذَلِكَ صَلُحَ رَدّ أَضَلَّ عَلَيْهِ , لِأَنَّ الدُّعَاء يَجْرِي مَجْرَى الْأَمْر وَالنَّهْي , وَكَذَلِكَ قَوْله : { حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق } 47 4 مَرْدُودَة عَلَى أَمْر مُضْمَر نَاصِب لِضَرْب .
{9} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ
وَقَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهِمْ مِنْ الْإِتْعَاس وَإِضْلَال الْأَعْمَال مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كَرِهُوا كِتَابنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَخِطُوهُ , فَكَذَّبُوا بِهِ , وَقَالُوا : هُوَ سِحْر مُبِين .
{9} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ
وَقَوْله : { فَأَحْبَطَ أَعْمَالهمْ } يَقُول : فَأَبْطَلَ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا , وَذَلِكَ عِبَادَتهمْ الْآلِهَة , لَمْ يَنْفَعهُمْ اللَّه بِهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة , بَلْ أَوْبَقَهُمْ بِهَا , فَأَصْلَاهُمْ سَعِيرًا , وَهَذَا حُكْم اللَّه جَلَّ جَلَاله فِي جَمِيع مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ أَجْنَاس الْأُمَم , كَمَا قَالَ قَتَادَة . 24273 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَتَعْسًا لَهُمْ } قَالَ : هِيَ عَامَّة لِلْكُفَّارِ .
{10} أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ دَمَّرَ اللَّه عَلَيْهِمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَلَمْ يَسِرْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْكِرُو مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَاب فِي الْأَرْض سَفَرًا , وَإِنَّمَا هَذَا تَوْبِيخ مِنْ اللَّه لَهُمْ , لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يُسَافِرُونَ إِلَى الشَّام , فَيَرَوْنَ نِقْمَة اللَّه الَّتِي أَحَلَّهَا بِأَهْلِ حَجْر ثَمُود , وَيَرَوْنَ فِي سَفَرهمْ إِلَى الْيَمَن مَا أَحَلَّ اللَّه بِسَبَأٍ , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : أَفَلَمْ يَسِرْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ سَفَرًا فِي الْبِلَاد فَيَنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة تَكْذِيب الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا الرَّادَّة نَصَائِحهَا أَلَمْ نُهْلِكهَا فَنُدَمِّر عَلَيْهَا مَنَازِلهَا وَنُخَرِّبهَا , فَيَتَّعِظُوا بِذَلِكَ , وَيَحْذَرُوا أَنْ يَفْعَل اللَّه ذَلِكَ بِهِمْ فِي تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ , فَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَة اللَّه فِي تَصْدِيقك .
{10} أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا
ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَأَخْبَرَهُمْ إِنْ هُمْ أَقَامُوا عَلَى تَكْذِيبهمْ رَسُوله , أَنَّهُ مُحِلّ بِهِمْ مِنْ الْعَذَاب مَا أَحَلَّ بِاَلَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم , فَقَالَ : { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالهَا } يَقُول : وَلِلْكَافِرِينَ مِنْ قُرَيْش الْمُكَذِّبِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَذَاب الْعَاجِل , أَمْثَال عَاقِبَة تَكْذِيب الْأُمَم الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلهمْ رُسُلهمْ عَلَى تَكْذِيبهمْ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24274 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالهَا } قَالَ : مِثْل مَا دُمِّرَتْ بِهِ الْقُرُون الْأُولَى وَعِيد مِنْ اللَّه لَهُمْ .
{11} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْفِعْل الَّذِي فَعَلْنَا بِهَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ : فَرِيق الْإِيمَان , وَفَرِيق الْكُفْر , مِنْ نُصْرَتنَا فَرِيق الْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَتَثْبِيتنَا أَقْدَامهمْ , وَتَدْمِيرنَا عَلَى فَرِيق الْكُفْر { بِأَنَّ اللَّه مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه وَلِيّ مَنْ آمَنَ بِهِ , وَأَطَاعَ رَسُوله. كَمَا : 24275 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : وَلِيّهمْ . وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا " و " أَنَّ " الَّتِي فِي الْمَائِدَة الَّتِي هِيَ فِي مَصَاحِفنَا { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله } 5 5 . " إِنَّمَا مَوْلَاكُمْ اللَّه " فِي قِرَاءَته .
{11} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
وَقَوْله : { وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ } يَقُول : وَبِأَنَّ الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ لَا وَلِيّ لَهُمْ , وَلَا نَاصِر.