هو نوع من الفنون الهندسية الإسلامية التي كانت تتسم بها العمارة في بلاد الشام ومصر وبعض مناطق الجزيرة العربية، حيث تعتمد على تشكيل الكتل الجصية المربعة أو المستطيلة، فتغلب عليها نقوش وزخارف جميلة ذات الوان مختلفة - حيث يدخل فيها الحجر الأبيض مع الأسود أو الوردي.. وكانت تركب فوق أبواب القاعات أو في داخلها. ومن أهم الامثلة التي استخدم بها هذا الحجر هو قصر العظم في دمشق سوريا.
يشار بالذكر إلى ان اصل الكلمة هو يمني، وهو البَلَق - " في لغة أهل اليمن نوع من الحجر، وهو كذلك حجر كلسي في المعجم السبئي، وقد ورد ذكره في النقش المرسوم
المدن السورية منذ القدم بالأبنية الحجرية المتقنة، ولكن كان لكل من المدن السورية طابعها الخاص وحجارتها المميزة. ويلاحظ مثلا انتشار الحجر الأبيض المنحوت في أبنية مدن، مثل حلب وحماه، حيث تكثر فيها مقالع، مثل هذه الأحجار، بينما تطغى الأبنية المشيدة بالحجارة البركانية البازلتية الزرقاء والسوداء في مدن حمص، التي يطلق عليها لقب «أم الحجار السود»، ودرعا والسويداء في جنوب سوريا.
تخصص المعماريون السوريون وأبدعوا في تصميم وبناء الواجهات الفنية، ولقد اشتهرت في العاصمة دمشق نماذج الواجهات المختلفة، ومنها الرخامية والحجر المنحوت وغيرها، وما زالت الكثير من الأبنية القديمة التاريخية تحافظ على واجهاتها التراثية المبنية بفن زخرفي يعود للعصر المملوكي، ويطلق عليه «الأبلق»، الذي يقوم على استعمال حجارة من ألوان مختلفة. وحسب المؤرخين، فإن هذا الفن المعماري انطلق حقا من دمشق وانتشر لاحقا في غيرها من المدن، وكان أول بناء يشاد به هو «قصر الأبلق»، الذي بناه القائد المملوكي الظاهر بيبرس على ضفاف نهر بردى، مكان مباني التكية السليمانية حاليا، ومن ثم انتشر هذا النمط المعماري في الأبنية اللاحقة حتى أوائل القرن العشرين المنصرم ونهاية العصر العثماني، عندما بدأ دخول أنماط العمارة الأوروبية إلى المدن السورية. جامع السنجقدار التاريخي بني بفن الأبلق المعماري
مع وجود عشرات المباني الكبيرة والصغيرة في دمشق وباقي المدن السورية، التي ما زالت تحافظ على فن «الأبلق» في جدرانها، كان لا بد من وجود حرفيين سوريين يعملون في مجال ترميم واجهات المباني المنفذة بهذا الطراز. وعلى الرغم من تناقص عدد هؤلاء، ومنهم من توارث هذه المهنة أبا عن جد، ما زالت هناك مجموعة لا بأس بها من الحرفيين السوريين الشباب المتخصصين بالبناء بـ«الأبلق» اليدوي
الميزات الجمالية لفن «الأبلق»؟
يجيب عن هذا السؤال باحثون في علم الجمال والعمارة، موضحين أن تناوب اللونين الداكن والفاتح يخفف إلى حد ما من ثقل كتلته، لا بالوزن بل بالبصر، وهذه قاعدة معروفة علميا ونظريا, ولذلك جاءت فكرة البناء (الأبلق) كمطلب فني وليس كحاجة وظيفية. ولقد أوضح الباحث الراحل قتيبة الشهابي في كتابه «زخارف العمارة الإسلامية في دمشق» أن أفقية الخطوط تجعل تلك الكتلة تنساب عرضيا حيث يبدو البناء أقل ارتفاعا وأكثر عرضا، إضافة إلى تميزه عن الأبنية المجاورة أو المحيطة به.
أن عمارة العهد المملوكي تميزت بالفن الزخرفي وتنوع أشكاله وتكويناته، فظهرت المداميك الحجرية ذات الألوان المتناوبة المعروفة بـ«الأبلق»، التي أطلقت كمصطلح لغوي عربي فصيح من كلمة «بلق»، التي تعني السواد والبياض في اللون. وكان أول ذكر له في شعر السموأل من القرن الخامس الميلادي عندما بنى له والده حصنا باللونين الأبيض والأسود شمال الجزيرة العربية. وتلاه قصر ابن وردان شرق مدينة حماه السورية في البادية. ولكن فيما بعد تغير هذا النمط مع المحافظة على الاسم، ولم يعد يعتمد على اللونين الأبيض والأسود فحسب، بل صار «الأبلق» تسمية تطلق على نسق في الصفوف الحجرية الأفقية حيث تتناوب الألوان التي باتت تضم، بجانب اللونين الأبيض والأسود، الأحمر والأصفر والترابي أو البني وغير ذلك.
بعد بناء قصر «الأبلق» في دمشق، انطلق هذا الفن المعماري وانتشر نحو مدن سورية أخرى - ولم يقتصر البناء بـ«الأبلق» على سوريا وحدها، إنما انتشر في مناطق أخرى، منها مصر، خاصة القاهرة، عاصمة دولة المماليك، وقد عرف في مصر باسم «الحجر المشهر». ولقد توقف البناء بـ«الأبلق»، واندثر في نهاية العصر العثماني، ولكن ما زالت أبنيته القائمة شاهدا على جمالياته ومهارات بنائيه القدامى، ومنها خان أسعد باشا في سوق البزورية بدمشق القديمة، وجوامع قديمة كثيرة، منها الدقاق في حي الميدان والسنجقدار والمعلق وسنان باشار وغيرها، ومبان أخرى مثل المدارس، وأشهرها المدرسة الجقمقية، والحمامات كحمام التيروزي وغيرها.