هوَ قيس بن الملوَح بِن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة العامري ، من بلاد نجد من قبيلة بني عامر
ولد في سنة ( 440 هـ ) في عهد خلافة عبد الملك بن مروان
من خلفاء بني أُمية
شاعر غزل عربي نشأ مترعرعا فطنا ذكيا ورث عن أبي
الشعر أبوه ببلدة إسمها القطيف قرب ديار نجد فتفوق في
الأدب فكان رجلا رزينا دمث الأخلاق محبا للمكارم
و كان مديد القامة جعد الشعر أبيض اللون ..
لقب بالمجنون و لكنه لم يكن مجنونا بل سمي بذلك لـهيامه في حب ليلى العامرية التي نشأ معها و ترعرعا سويا و كانا صديقا الطفولة و الصِبا ، و لم ينله الجنون و الهزال إلا من العشق و الهيام ..
هي قصة حب خالدة تغنى بها الشعراء و لهجت بها كل لغات الأرض ، فقد سرت قصة الحب السرمدي
( قيس وَ ليلى ) بين الناس مسرى الليالي و الأيام حتى غدت أسطورة يرويها التاريخ فـيستأنس بها البشر في كل الأقطآر .
وقيس هو ابن عم ليلى و قد تربيا معا منذ الصغر و كانا يرعيان مواشي أهليهما و رفيقا لعب في أيام الصبا و كان يعشقها
و هم لا يزالون صغارا كما يظهر في شعره :
تعلقْتُ لَيْلَى وَ هْيَ ذات تمائِم . . . وَ لَم يَبْدُ للأترآب مِن ثَدْيها حَجْمُ
صَغيِرَينِ نَرْعَى البَهْمَ يآ لَيْتَ أنَّنآ . . . إلى اليوم لم نَكبَر وَ لم تكبر البَهْمُ
عشقتك يا ليلى و انت صغيرة . . وَ أنا إبن سبع ما بلغت الثمانيا
و كما هي العادة في البادية عندما كبرت ليلى حجبت عنه فـاشتد
به الوجد و هو يتذكر أيام الصبا البريئة و يتمنى لها ان تعود كما كانت لينعم بـالحياة جوارها ، فلا لعب بريء و لا ضحكات طفولية
وَ لا دعابات متبادلة بل صمت و إحساس بـالوحدة .
هام قيس على وجهه ينشد الأشعار المؤثرة التي خلدتها ذاكرة الأدب له في حب إبنة عمه الممتنع
هام بها عشقا حتى فقد عقله و قال فيها من الشعر ما تغنت به الأجيآل في عالمنا العربي على إمتداده وَ أصبح مضرب المثل في العشق العفيف الرآئع ..
وَ إني لمجنونٌ بليلى موكَّل . . . وَ لستُ عزوفاً عن هواها وَ لا جلدا
إذا ذُكرت ليلى بكيتُ صبابةٍ . . . لتذكارها حتَّى يملُّ البُكآ الخدآ
كان قيس يكبرها بـأربعة أعوآم فقد ولدت ليلى عآم ( 444 هـ ) وَ كآنت من أجمل نسآء قومهآ وَ أفضلهُن وَ أكرمهُن وَ كانت تُكنى
بـ ( أم مالِك ) ..
تبلورت علاقة حبهما مع مرور الأيآم حتى بلغ منهما الحب مبلغه
فـاحتفظت ذاكرتهما بمواقف باسمة شهد عليها التاريخ وَ المكان
لكنها في الوقت ذاته لم تتجاوز الخطوط الحمراء التي حرمها
الشرع و العرف فـظلا تحت وطأة العشق العذري ردحا من الزمن .
نهآري نهآر الناس حتَّى إذا بدآ . . . لي الليل هزتني إليكِ المضاجع
أقضي نهآري بالحديثِ وَ بالمُنى . . . وَ يجمعني الهم بالليل جآمع
لقد ثبتت في القلبِ منكِ محبَّةً . . . كما ثبتت في الراحتين الأصآبع
لما شاعت قصة حبهما بين الناس غضب والد ليلى كثيرا وَ شكى أمر قيس إلى الخليفة
فكتب الخليفة إلى عامله بـإهدآر دم قيس إن هو زار ليلى أو
اقترب من ديارها فحزن قيس وَ تحسَّر وَ قآل :
فإِن يحجبوها أو يحل دون وصلها . . . مقالة وآشٍ أو وعيد أميري
فلن يمنعوآ عيني من دآئم البُكآ . . . وَ لم يذهبوا ما قد أجن ضميري
فلما يئس قيس من زيارة ليلى خرج هائما في القفار حتى أشرف على الهلاك فـلحقه أهله وَ دعوه فلم يستجب لهم
وَ ظل هكذا حال قيس هائماً باكياً وَ أشتهر أمره بين العرب
فخاف والدها من الفضيحة
وَ ارتحلو بعيدا عن ديار بني عآمر ، فأصبح قيس يزور
آثار ديارها وَ يبكي على أطلال محبوبته :
أمر على الديآر ديار ليلى . . . أقبَّل ذآ الجدار وَ ذآ الجدارا
وَ مآ حُب الديار شغفن قلبي . . . وَ لكن حُب من سكن الديارا
مر وقت طويل لم يسمع عنها أي شيء فمرض وَ اعتلت صحته حتَّى أشرف على الهلاك وَ دخل عليه
والده فوجده هائماً ينشُد في حُب ليلى فما هان على أبيه وَ أخذ جماعة من قومه يصحبهم قيس إلى
ديار ليلى وَ نزلوا ضيوفاً على أبيها وَ تحادثا في أمر قيس وَ ليلى وَ دفع والد قيس خمسون ناقة
حمراء مهراً لليلى فلم يقبل أبوها وَ رفض أن يزوجها قيس وَ ذلك لحُكم العادات العربية التي تنبُذ
العشق حينما تكتشفه فتعاقب صاحبيه بـ الحرمان من بعضهما كأبسط عقاب يلحق بهما ..
وَ جآء في الوقت ذاته قوم من ثقيف يخطبون ليلى لـ رجُل يُدعى
( ورد بن محمد ) وَ كان رجلاً جميلاً
فقال أبوهآ : نُخيَّرها بين الأثنين ، وَ دخل على ليلى وَ قال لهآ : إن لم تختاري ورداً لنمثلن بك فاختارته
وَ هي كارهه وَ مُجبرة فخرج على القوم وَ قال لهم : إن ليلى قد اختارت ورداً .
غضب والد قيس وَ خرج وَ معه قيس وَ قام عليه أبناء عمه يحادثوه في النسيان وَ جلس إليه والده
ينصحه وَ يرجوه ان يكُف عن حب ليلى وَ ذكرها وَ كان يعده بأنه سيزوجه بـ أجمل النساء وَ أكملهن
فـأكثر عليه والده العتاب فحزن قيس وَ أنشد يقول :
تعشقت ليلى وَ ابتليتُ بحبها . . . وَ أصبحتُ منها في القفارِ أهيمُ
وَ أصبحتُ فيها عاشقاً وَ مولَّهاً . . . مضى الصبر عني وَ الفُراقُ مقيمُ
فيا أبتي إن كُنت حقاً تُريدُني . . . وَ ترجوا حياتي بينكم أقيمُ
فجد لي بليلى وَ اصطنعني بقربها . . . أصيرُ لها زوجاً وَ أنت سليمُ
لليلى على قلبي من الحُبَّ حاجِزٌ . . . مُقيمٌ وَ لكن اللسان عقيمُ
وَ تنهشني من حُب ليلى نواهشٌ . . . لهنَّ حريقٌ في الفُؤادِ عظيمُ
إلى الله أشكوا حُب ليلى كمآ شكى . . . إلى الله فقد الوآلدين يتيمُ
يتيمٌ جفاهُ الأقربونَ فعظمهمُ . . . ضعيفٌ وَ حُب الوالدين قديمُ
وَ إن زماناً فرَّق الدهر بيننا . . . وَ بينكِ يا ليلى فذاكَ ذميمُ
فبكى والد قيس رحمة له وَ لأنه لا يستطيع أن يزوجه ليلى لمنع والدها لهم .
نصحه الناس أن يأخذ إبنه إلى الحج لعل الله يشفيه مما ألم به من حُب ليلى ، فلما طلب منه والده أن ان يتعلَّق بـ أستآر الكعبة
وَ يدعوا الله أن يشفيه منها وقف قيس في نهدةٍ صارخاً في البيت
وَ أهله :
( اللهُمَّ زدني لليلى حُباً وَ بِها كلَفاً وَ لا تُنسني ذكرها أبداً ) فـبوغت أبوه وَ التفتت إليه الجموع
مُستنفرة وَ مُستغربة فـمثل هذا الدُعاء لم يعهدوه وَ لم يسمعوا بمثله في هذا الموقف .
دعا المحرمون الله يستغفرونه . . . بمكة شُعثاً كي تُمحى ذنوبها
وَ ناديت يا رحمَن أول سُؤلتي . . . لنفسي ليلى ثُم أنت حسيبها
يقر بعيني قربها وَ يزيدني . . . بها كلفاً من كان عندي يعيبُها
وَ كم قائِلٍ قد قالَ تُب فعصيته . . . وَ تِلكَ لعمري توبَةٌ لا أتوبُها
وَ ما هَجَرَتكِ النَّفْسُ يَا لَيْل أنَّها . . . قَلتْكِ وَ لَكِن قَلَّ مِنكِ نَصيبُها
فيا نفسُ صبراً لستِ والله فاعلمي . . . بأوَّل نفسٍ غَابَ عنهَا حَبيبُها
وَ لما رجع قيس إلى قومه شاع بين الناس ما فعله في البيت فوصل الخبر إلى ليلى وَ شاقها أن تجتمع به ثُمَّ قالت :
لم يكُن المجنون في حالة . . . إلا وَ قد كنتُ كما كانَ
لكنهُ باحَ بسر الهوى . . . وَ إِني قد ذُبتُ كتمانَ
لم تمضي إلا عدَّة أيآم حتَّى زوَّج المهدي إبنته من ورد بن محمد ليرتاح من عآر أشعار قيس فيها .
فـ اعتزل قيس الناس وَ هام في الوديان ذاهلاً لا يفيق من ذهوله إلا على ذِكر ليلى ، وَ قد عاش بقية
حياته مطروداً من مضارب بني عامر وَ كان وحيداً يسكُن الصحراء مجنوناً هائماً ينشُد الأشعار
وَ يأنس بالوحوش وَ يتغنَّى بـ حبَّه العذري بها حتَّى بلغ حد الجنون وَ أصبح يتقلَّب من ناحية إلى ناحية
شاكياً إلى كُل إنسآن فيها مآ فيه من ألم لـ فقد محبوبته ، أمآ ليلى فقد احتظن فُؤادها قسوة العشق
وَ مرارة الفُراق وَ انفطر قلبها ألماً على قيس فـ مُنذُ أن تزوَّجت ورداً وَ رحلت معه لم تجف لها دمعة
وَ لم تبرد لها لوعة حُبَّاً في قيس وَ خوفاً عليه ..