أمية بن أسكر و ابنه كلاب وقصّتهما مع عمر بن الخطاب
كلاب أتريد الجنة؟ إنها قدمي
ملخّص القصة أشتاق أمية لابنه كلاب الذي رحل للثغور ومن شدّة شوقه وحزنه أراد أن يدعو عليه فلم تطاوعه نفسه فدعا على عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-..
إليكم القصّة
و إليكم ردّة فعل عمر بن الخطّاب تجاه الشيخ أميّة بن أسكر و ابنه كلاب.
كان أمية بن أسكر شيخًا كبيرًا في المدينة المنورة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه أدرك كبار الصحابة الصالحين -رضي الله عنهم تعالى أجمعين- ، كان له ولد ٌ اسمه " كِلابْ "كان من أحسن ما ترى من الشباب ، في صلاحه وتقواه ، وحرصه على طاعة والديه يوم من الأيام كان كلاب يمشى في طرقات المدينة فلقي اثنين من الصحابة فسألهما عن أى الأعمال أفضل في الإسلام قالا: الجهاد في سبيل الله فمضى من ساعته إلى عمر قال له يا أمير المؤمنين: أرسل بي إلى الثغور.
قال عمر : أحيٌ والداك ؟ .
قال : نعم .
قال : اذهب فاستأذنهما، فذهب إلى والديه الشيخين الكبيرين ، فإذا هما لا يطيقان لفراقه صبرًا، فلم يزل بهما يقبل أيديهما ويلثم قدامهما حتى رضي له بذلك ، فعاد " كِلابٌ " إلى عمر ،وأخبره بإذن والديه فأرسله عمر رضي الله عنه، و مضى " كِلابْ " إلى الثغور وبقي أبواه، ومرت الأيام واشتدّ شوق الوالد إلى ولده - فقد كان يساعده في وضوئه يقرب إليه طعامه يمشى معه في حاجاته يؤانسه في مجلسه- فصار البكاء رفيقه في ليله ونهاره فجلس أمية بن أسكر يومًا في ظل شجرة فإذا حمامةٌ تحنو على أفراخها ، فنظر إليها فتذكر ولده " كِلابْ " فأخذ يبكي ويقول :
لمن شيخان قد نشدا كلابا ..كتاب الله لو عقلا الكتابا
تركت أباك مرعشة يداه ..وأمك لاتسيغ لها شرابا
طويلا شوقه يبكيك فردا ..على حزن ولا يرجوا الإيابا
فإنك والتماس الأجر بعدي ..كباغ ِ الماء يتبع السرابا
ثم اشتد حزنه على ولده حتى أصابه ما أصاب يعقوب عليه السلام _ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم _فعمي. فلما عمي اشتد عليه البلاء وصار يتذكر ولده ويراه بين يديه في كل حين فأخذ من شدة مافى قلبه يريد أن يدعوا على ولده لكن نفسه لم تطاوعه فأخذ يدعو على عمر بن الخطاب ويقول في شعره:
سأستعدى على الفاروق ربا ..له دفع الحجيج إلى بساق
وادعوا الله مجتهدا عليه .. ببطن الاخشبين إلى زقاق
إنِ الفاروق لم يردد كلابا .. على شيخين هامهما بواق
وينشد الأشعار في ذلك ، حتى سمعه رجلٌ من قرابته .
قال ما خبرك يا أبا كلاب؟ فأخبره بخبره ،
قال: قم فاذهب معي ، فأخذ بيده يسوقه -وهو الأعمى-ومضى به حتى أدخله المسجد ، وأقبل إلى حلقة عمر بن الخطاب وأجلسه فيها والشيخ لايدرى أنه في مجلس عمر بن الخطاب ثم قال له صاحبه يا أبا كلاب- وأمية لا يدري أين هو- أنشدنا من أشعارك ؟ ولشدة تعلقه بولده بدأ ينشد ويقول :
سأستعدى على الفاروق ربا ..
وذكر الأبيات..
فنظر إليه عمر وقال من هذا؟
قالوا: هذا أبو كلاب أميــه بن أسكر.
قال: ما خبره؟
فأخبروه بخبره وقالوا: أرسلت ولده إلى الثغور
قال: ألم يأذن؟
قالوا: أذن على مضض.
فقام عمر من حلقته إلى ديوانه، فأرسل مباشرة إلى الثغور ، إذا وصلكم كتابي هذا فابعثوا إلي " كِلابْ بن أمية بن أسكر الكناني" على دواب البريد وهي تقطع مسافة أسبوع في يوم أو نصف يوم حتى ( ليعود في أقل وقت ممكن إلى والده)
جاء " كِلاب " بين يدي عمر فدخل عليه ،
فقال له عمر : يا كِـلابْ ما بلغ برك بأبويك ؟
قال : والله يا أمير المؤمنين ، ما كنت أعلم أن شيء يفرحهما إلا فعلته قبل أن يطلباه مني، وما أعلم شيء يحزنهما إلا تركته قبل أن ينهياني عنه .
قال : إيهٍ ، أكمل .
قال : و والله يا أمير المؤمنين إني لأرعاهما كما ترعى الطير أفراخها .
قال : إيهٍ ، أكمل.
قال : والله يا أمير المؤمنين إني إذا أردت أن أحلب من الناقة لبناً أقبلت بالليل إلى أغزر ناقة ٍ في الإبل ، ثم أنختها و عقلتها حتى لاتتحرك طوال الليل، قال : ثم إذا أصبحت جئت قبل الفجر فأقمتها وبعثتها ثم أمضي إلى البئر فاستخرج منه الماء البارد وآتي الناقة فأغسل ضرعها في الماء حتى يبرد اللبن داخل الضرع ثم إذا أذن الفجرحلبت منها ، ثم أقبلت بلبنها إلى أبي فيشربه سائغا باردا .
قال عمر : كل هذا لأجل أن تسقيه اللبن؟،
فقال له عمر: افعل كما كنت تفعل.
فمضى كِلابٌ "إلى ناقةٍ من الإبل ، ثم أناخها . صنع بها ما كان يصنع ، ثم أقبل بعد ذلك باللبن فوضعه بين يدي عمر بن الخطاب ،فلما رآه عمر بين يديه
قال : خذوا كلاب فادخلوه في غرفه وأغلقوا عليه الباب ثم أرسل إلى أمية بن أسكر أن أقدم إلي ، فما هو إلا أن جاء الشيخ يجر خطاه- قد عظم همه واشتد بكاؤه وطال شوقه- حتى وقف أمام أمير المؤمنين .
فلما رآه عمر قال له:يا أمية ما بقي من لذاتك في الدنيا ؟ .
قال: والله يا أمير المؤمنين ما بقيت أفرح لشيء ولا أحزن لشيء ، كل شيءٍ في الدنيا لا أريده،
قال : أقسمت عليك أن تخبرني ما بقي من لذاتك في الدنيا
قال : والله ما بقي لي لذات
قال : أقسمت عليك أن تخبرني بأعظم ما تريد من الدنيا،
قال له أمية : وددت والله يا أمير المؤمنين أن ولدي " كِلابْ " بين يدي أضمه ضمه ، وأشمه شمه قبل أن تخرج روحي من جسدي.
فقال له عمر : سيسرك الله بولدك إن شــــاء الله،ثم أقبل عمر إلى اللبن ، وناوله إياه قال : خذ هذا قوي به جسدك قال : ما لي إليه حاجه
قال : أقسمت عليك أن تشرب فلما قربه أبو كلاب ورفعه إلى فيه ، أخذ ينتفض وينتفض ويبكي
ويقول:والله يا أمير المؤمنين إني لأشم في هذا اللبن رائحة يـدي ولـدي " كِلابْ " فـبـكى عمر ، وأخرج " كِلابْ " إليه ودفعه بين يديه،
فسمع الشيخ صوت ابنه فبدأ يتلمس ويبكي حتى احتضن ابنه فأخذ يقبله ويجذبه إليه بقوة وعمر ينظر إليهما ويبكي و ينتفض من شدة البكاء حتى أخذ طرف عمامته وغطي وجهه عن الناس .
وقال
يا كلاب أتريد الجنة؟ إنها تحت قدمي هذا الشيبة وتلك العجوز .
كلاب أتريد الجنة؟ إنها قدمي
رضي الله عنك يا ابن الخطّاب