15 رحالاً قطعوا 200 كيلو متراً في 12 يوماً
تجربة شبابية تعيش حياة الأجداد الصحراوية
الرحالة وصلوا إلى مناطق فيها كثير مما يروي
حياة الأجداد، وطريقة عيشهم، ومفردات يومهم، وتفاصيل نهارهم، صورة مكتملة الأركان عايشها البعض، ولم يحالف الحظ آخرين، ويرى كثيرون أن إعادة إحياء التراث والثقافة الإماراتية القديمة، هي السبيل لتأكيد المعاني والقيم السامية التي ظل يتسم بها المجتمع قديماً، كالتعاضد والتعاون والصبر على الشدائد وتحملها، فضلاً عن ذلك، فالماضي يعني ببساطة تاريخنا الذي يجب أن نعتز به، ونتعلم منه، لمجابهة عثرات المستقبل وتقلبات الزمن.
في هذا الإطار كان لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، الفضل في إعادة هذه الثقافة إلى الواجهة المعرفية والحياتية للمجتمع الإماراتي، من أجل إيجاد جيل جديد من الشباب، يكون التاريخ زاداً له، ليمزجه مع تقدم المعارف والعلوم التي توفرها له الدولة، وانطلاقاً من ذلك جاء تنظيم المركز للرحلة الاستكشافية لصحراء الإمارات عبر الهجن، والتي قطع خلالها 15 رحالاً، 200 كيلومتر، في 12 يوماً، سعياً إلى نقل صورة جديدة لجمال الطبيعة الإماراتية، وما تحويه من كنوز ومعارف قلّ من يدركها.
ترسيخ الهوية
في البداية، أوضح إبراهيم عبدالرحيم مدير إدارة الفعاليات في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، وأحد المشاركين في الرحلة، أن المركز وفي إطار خططه وتوجهاته للاهتمام بالتراث الإماراتي، والعمل على إحيائه، يسعى إلى تعزيز الأنشطة والفعاليات التي تعمل على ترسيخ الهوية الوطنية والانتماء لدى الشباب، وإتاحة الفرصة أمامهم للتعرف على حياة الأجداد والآباء، ولذلك جاءت هذه الرحلة الاستكشافية بالهجن، التي استمرت 12 يوماً، بمشاركة 15 شاباً إماراتياً، وبعض من الجنسيات الأخرى، لتعزز هذا التوجه. برنامج تدريبي
وقال إن المشاركين في الرحلة خضعوا لبرنامج تدريبي تعرفوا خلاله على كيفية الاعتناء بالهجن، وقراءة الخرائط واستخدام الأساليب الملاحية التقليدية، وتم توثيق الرحلة بشكل كامل، لعرضها على الجمهور وتوسيع رقعة التعريف بالتاريخ الثقافي والتراثي للإمارات، لافتاً إلى أن مشاركة بعض الرحالة من جنسيات أخرى، أعطت زخماً كبيراً للرحلة، وجسدت تعاوناً كبيراً وتبادلاً للخبرات، خاصة وأن الصحراء الإماراتية تبدو مجهولة لدى الكثيرين، ومؤكداً على مواصلة المركز تنظيم رحلات أخرى في المستقبل، تكون أكثر عدداً وأطول مسافة.
خدمات لوجستية
وأضاف انه كان هناك حرص كبير من المركز، على توفير الخدمات اللوجستية للرحالة، في كل وجهة يتمركزون بها، إذ تم توفير الخيم للمبيت، خاصة وأن الطقس كان بارداً جداً، مصحوباً بأمطار غزيرة، بدلت اصفرار الصحراء إلى اللون الأخضر، مشيراً إلى أن الرحلة عرّفت الفريق بتفاصيل جديدة للبيئة الصحراوية الإماراتية من حيث تضاريسها وواحاتها وكثبانها الرملية، التي شوهدت عبر المسافات المقطوعة، بين صحراء دبي وحدود إمارة الشارقة، وصولاً إلى الفجيرة، وبما يمثله ذلك من تنوع في التضاريس. طبيعة برية
وذكر فهد سعيد الرميثي مالك هجن وأحد المشاركين، أن الرحلة كانت ناجحة بكل المقاييس، رغم ما حلّ بالفريق من تعب وإجهاد في بعض الأحيان، فضلاً عن الطقس الذي كان في بعض أوقاته حاراً نهاراً وبارداً ليلاً، إضافة إلى هطول الأمطار التي جعلت الرمال أكثر رطوبة، مشيراً إلى جمال الطبيعة الذي تجلى في ظهور الحيوانات البرية؛ كالثعالب والأرانب والغزلان والقنافد، ما أعطى زخماً ممتعاً للرحلة.
وانطلاقاً من اهتمامه بالهجن كونه مربياً لها، أكد أن الإبل بصفة عامة حساسة جداً، وتشعر بصاحبها وحسن تعامله معها، لذلك فهي تبذل جهداً كبيراً إرضاءً له، من هنا يتجلى جمال العلاقة بين الطرفين، ويجب على راكبها أن يكون حريصاً على ألا ترهق بفعل الأحمال الزائدة، أو بسلوك الدروب الوعرة صعوداً وهبوطاً، أو المليئة بالحصى، وذلك ما روعي أثناء الرحلة، موضحاً أنه دائماً كان يتذيل القافلة ليراقب أحوال الإبل بدقة، حرصاً منه على اكتمال الرحلة بشكل إيجابي وناجح، ومؤكداً مشاركته في رحلات قادمة، لما فيها من معانٍ سامية كالصبر والتحمل، وتجربة عيش الأجداد، ومعرفة مدى معاناتهم الحياتية.
رحالة عالمي
وأشار أحمد القاسمي الرحالة اليمني الشهير، الذي قطع أكثر من 40 ألف كيلومتر حول العالم، واستعان به المركز كونه أحد الرحالة الذي عرف بتعدد رحلاته الاستكشافية حول العالم، لينقل خبرته لزملائه، إلى تعاونه مع مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، بغرض التجهيز لهذه الرحلة منذ 6 أشهر، لافتاً إلى أنه كانت له مشاركات سابقة مع رحالة هجن إماراتيين، تسلقوا فيها أعلى قمة جبل في افريقيا على ظهور الجمال، وتلك كانت المرة الأولى التي يصعد فيها 4 إماراتيين إلى مستوى 5 آلاف متر فوق سطح البحر، وسجلت باسم الإمارات.
وأشار إلى أن الغرض من الرحلة، توثيق طريقة عيش الأجداد في الصحراء، ونقل المعاني السامية من صبر وتحمل للشدائد، للجيل الجديد. وقال محمد عبدالله بن دلموك، إنها المشاركة الأولى له في مثل هذه الرحلات، وكانت مغامرة ممتعة جداً، إذ استفاد كثيراً من التعامل مع الرحالة ذوي الخبرات، وتعرّف على كثير من التفاصيل الحياتية للصحراء، وذلك هو الغرض الذي نظمت من أجله الرحلة.
جنسيات مختلفة
ولفت إلى عدد المشاركين منهم 10 رحالة إماراتيين، و5 من جنسيات مختلفة: أميركا، ومصر، والجزائر، وعمان، وباكستان، تعاونوا جميعاً من أجل هدف مشترك، وتأكيداً على إبراز روح المشاركة الفعالة، وتبادل الثقافات، وحب المعرفة، وذلك ما قدمته لنا هذه التجربة، مؤكداً أنه لن يتردد في المشاركة في رحلات قادمة، لتعظيم استفادته وتطوير خبراته الشخصية والحياتية.
وأضاف فارس الهاجري ذو الـ 19 عاماً، إنها التجربة الأولى له، ومن خلالها تعرف على البيئة الصحراوية الإماراتية، وما يميزها من تنوع وثراء لم يكن يتخيله، لذا يجب على الشباب المحاولة في مثل هذه التجارب، لصقل شخصياتهم، عبر زاد معرفي مستمد من ماضي الأجداد. واكد أن الرحالة قطعوا نحو 200 كيلومتر في الصحراء، بمعدل 40 إلى 50 كيلومتراً يومياً، مروراً على مناطق كثيرة، وبالاستعانة بـ 16 جملاً.
أكبر المشاركين
أوضح علي يوسف السويدي 64 عاماً، وأكبر المشاركين عمراً، أن الرحلة، كانت مفيدة جداً على أرض الواقع، بفعل معايشة الرحالة لحياة الأجداد، في رحلة مجدولة تبدأ مع خيوط الفجر الأولى حتى الواحدة ظهراً، ثم فترة راحة قصيرة لمعاودة المسير حتى يحل الليل، فيمكثوا في مخيمات أعدها المركز لهم للمبيت، ومن ثم معاودة الكرّة مرة أخرى مع بداية يوم جديد.
ولفت إلى أعمار المشاركين الذين شكلوا مزيجاً بين الشباب ومتوسطي العمر وكبار السن، وهو ما أعطى رسالة مهمة مفادها تواصل الأجيال للاستفادة من خبرات الجميع، وتأكيداً على قيمة التعاون، والالتفاف حول هدف واحد، لتحقيق النجاح، وذلك ما تفعله دبي، بأفكارها الخلاقة، ومشاركة الجميع فيها.