الحمد لله والصلاة على رسوله وبعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمابعد
فقدذكر صاحب كتاب تفضيل الكلاب على بعض من لبس الثياب مايلي قال :
حدّثني عبد الله بن محمد الكاتب قال: حدثني أبي عن محمد بن خلاد قال:
قدم رجلٌ على بعض السلاطين وكان معه حاكم أرمينية منصرفا إلى منزله، فمر في طريقه بمقبرة، فإذا قبرٌ عليه قبةٌ مبنية مكتوب عليها، هذا قبر الكلب
فمن أحب أن يعلم خبره فليمضِ إلى قرية كذا وكذا فإنّ فيها من يخبره، فسأل الرجلُ عن القرية فدلّوهُ عليها فقصدها وسأل أهلها، فدلّوه على الشيخ فبعث إليه وأحضره وإذا شيخ قد جاوز المائة سنة
فسأله فقال: نعم كان في هذه الناحية ملِك عظيمُ الشأن وكان مشهورا بالنُزهةِ والصيد والسفر،
وكان له كلب قد ربّاه وسمّاه باسم، وكان لا يُفارقه حيث كان، فإذا كان وقت غدائه وعشائه أطعمه مما يأكل فخرج يوما إلى بعض منتزهاته وقال لبعضِ غلمانه: قل للطباخ يصلح لنا ثريدةَ لبن فقد اشتهيتها، فأصلحوها، ومضى إلى مُتَنزَّهاته
فوجد الطباخ فجاء بلبن وصنع له ثريدة عظيمة ونسيَ أن يغطّيها بشيء،
واشتغل بطبخ شيءٍ آخر فخرج من بعض شقوق الحيطان أفعى فكَرعَت من ذلك اللبن ومجّتَ في الثريدة من سمُّها
والكلبُ رابضٌ يرى ذلك كلّه ولو كان في الأفعى حيلة لمنعها ولكن لا حيلة للكلب في الأفعى والحيّة،
وكان عند الملك جارية خرساء زمنا قد رأت ما صنعت الأفعى، ووافى الملك من الصيد في آخر النهار
فقال يا غلمان أول ما تقدمون إلى الثريدة
فلما قدموها بين يديه أومأت الخرساء إليهم فلم يفهموا ما تقول،
ونبح الكلب وصاح فلم يلتفتوا إليه وألحّ في الصياح ليعلمهم مراده فيه، ثمّ رمى إليه بما كان
يرمي إليه في كل يوم، فلم يقربه ولجَّ في الصياح فقال لغلمانه: نحُّوه عنّا فإن له قصة،
ومدّ يده إلى اللبن فلما رآه الكلب يريد أن يأكل،
وثب إلى وسط المائدة داخل فمه في اللبن وكرع منه فسقط ميِّتا وتناثر لحمه،
وبقي الملك متعجّبا منه ومن فعله!!!!
فأومأت الخرساء إليهم فعرفوا مرادها بما صنع الكلب فقال الملك لندمائه وحاشيته أن شيئا قد فداني بنفسه لحقيقٌ بالمكافأة وما يحمله ويدفنه غيري، ودفنه بين أبيه وأمّه وبنى عليه قبة وكتب عليها ما قرأت، وهذا ما كان من خبره.