خلق الله الزوجين وجعل بينهما المودة والرحمة ليسكن كل منهما للآخر.
فالعناصر الأساسية للحياة المتناغمة أوجدها الخالق. ويبقى على الزوجين
المحافظة على حياتهما بحسن عشرتهما إذ إن المشكلات الزوجية لابد منها
في كل بيت، وهي في الحقيقة إن تمت إدارتها بشكل جيد، فهي من عناصر
التقارب بين الزوجين، عندما يتفهم كل منهما وجهة نظر الآخر، ويحسن
الحوار معه، فيبقى الحفاظ على الود والتفاهم بينهما.ومن المهم أن يدرك كلا
الزوجين أن المشكلات الزوجية تنشأ في الأساس نتيجة التباين في الأفكار بينهما،
فكلاهما خرج من بيئة مختلفة عن الأخرى، وبالتالي لديه أسلوبه الخاص وأفكاره
وأنماط نشأ عليها منذ طفولته؛ لذا فإن لكلا الزوجين احتياجات واهتمامات مختلفة،
قد تكون من أهم عناصر الخلاف بينهما. وفي الواقع أن اتباع مبدأ شعرة معاوية
بينهما في الحياة عامة وفي الخلافات خاصة، يعد مبدأً أساسياً لتفادي الكثير من
المشكلات. ويكون ذلك بأن يرخي أحد الزوجين الشعرة، كلما شدها الآخر، ويشدها
عندما يرخيها الطرف الثاني حتى لا تنقطع ويقطع معها الود والتفاهم بينهما.
وشعرة معاوية عبارة تعني الأسلوب الحكيم في التعامل وإدارة المواقف مع الآخرين،
فتحمل في طياتها الأسلوب الإبداعي في التعامل مع الناس، فكلما شدوا أرخيت،
وكلما رخوا شددت. وهي أجدر أن تطبق بين الزوجين قبل تطبيقها مع من حولنا.
فلو كان حال البيوت تحت هذا الشعار، لكانت الخلافات تحت السيطرة، ولسلمت
البيوت من الكثير من الشرور.
ومن الأساليب العملية التي تنطوي تحت هذا الشعار: إنصات كل زوج للآخر،
والحوار الهادئ معه، والمبني على الاستماع للفهم لا للدفاع, فهذا من أهم قواعد
النجاح في الحياة الزوجية. وذلك قبل أن تتحول المشكلة الصغيرة ككرة الثلج
المتدحرجة التي تسقط من أعلى وهي صغيرة، وتكبر عندما تتدحرج وتجذب إليها
الكثير مما حولها، فتكون بحجم هائل ومتشعب لا يحمل الثلج فقط بين جنباته
المتضخمة.
فأينما وجد الحوار، وجدت الأسرة المطمئنة التي تعي بوجود المشكلة، فتحددها
وتطرحها للحوار لتنهيها قبل أن تتفاقم. تحت مظلة الخلاف لا يفسد من الود قضية.
إذ إن حالة الإحباط والشقاق التي تحدثها المشكلات الزوجية، تجعل من الزوجين
عرضة لسوء التفسير والمبالغة في الحكم على سلوكيات الطرف الآخر.
وكثيرا ما يشير أحد الزوجين أن شريكه لا يمكن أن يتغير. بينما الواقع يثبت أن تغير
أحد الزوجين يصنع تغيراً في الآخر بطريقة غير مباشرة. فبمجرد أن يرخي أحدهما
عندما يغضب ويشد الآخر، فذلك في حد ذاته تغييراً ايجابياً عليه وعلى زوجه
وحياتهما كلها. لكن المشكلة الأكبر عندما يتحدث أحدهما عن استنزاف كل السبل
في تغيير الآخر، فيكون التركيز على الجهد المبذول في الماضي والحاضر أكثر
من نوعية الجهد.
وقد تتعرض شعرة معاوية
رضي الله عنه - لخطر الانقطاع في بيت الزوجية في
عدة مواقف، خاصة عندما تكون اللغة السائدة رفع الصوت، وتبادل الملامات
بالأخطاء، بدلا من الاعتراف بالخطأ الذي هو من سبل امتصاص المشكلات. كما
أن الحديث الدائم عن الحقوق والوقوف على الهفوات بأن يعود أحدهما أو كلاهما
للماضي في كل هفوة حاضرة ليؤكد جذور المشكلة وعمقها.
ويتأزم الموقف أكثر بإطالة فترة الخصام. فالزوجان يبتعدان عن بعضهما عند
الخصام لا لأجل الخصام ذاته، بل نتيجة الأفكار السلبية التي تسيطر عليهما نتيجة
للخصام والتي تعمل على تفسير أي سلوك بشكل سلبي يترك أثره في النفس.
ولا تشكل الخلافات الزوجية الخطر الأكبر على شعرة العلاقات والود، بل إنه عندما
تختفي الخلافات من المنزل لا لوجود التفاهم والتناغم، إنما لحلول الصمت وتجاهل
كلا الزوجين الآخر، وكأنه يعيش في عالمه الخاص دون وجود من يشاركه فيه.
وعندها لا تسكن الخلافات فقط، بل يسكن البيت صمتاً تدوي فيه المشاعر السلبية
وتهدد بالخطر البيت بمن فيه.
فإذا كان معاوية -رضي الله عنه - قد حكم الشام أربعين سنة، متجاوزاً بمبدئه هذا
كل العقبات والفتن. أفلا يستطيع الزوجان أن يتجاوزا بشعرة معاوية الخلافات
الزوجية بينهما
م/ن