في هذه الأيام يوم أن جاورت أبداننا -التي تحمل نفوسنا- جاورت الخرسانة والحديد التي تذاب بالنار، وتصهر به، فاكتسبت من مجاورتها الهيجان والغرور، والإفساد والتخريب، والتحريق
الحمد لله مقلب الدهور والأيام، ومغير الأحوال والأزمان، ومبقي معالم الدين العظام على مرور الليالي والأعوام، والصلاة على خير الرسل والأنام وعلى آله وصحبه الأماجد أولي النواهي والأحلام وبعد:
فما أجمل تلك الليالي والأيام، التي عشناه في بيت الطين، بين الآباء والأمهات، والإخوان والأخوات.
كانت حياة بسيطة بكل المقاييس، بسيطة في الفرش والثياب، والمأوى والكساء، والطعام والشراب؛ لكن مع بساطتها كانت كبيرة في معانيها وعبرها وتربيتها. نفوس أهلها كانت بسيطة لكنها كانت أبية أريبة لبيبة، لا تحرص على حمل حقد ولا ظغينة، ولا بغضاء ولا شحناء.
عاشوا بسطاء بكل معاني البساطة، لكنهم عاشوا عظماء يتلذذون بأيامهم وليليهم أكثر من غيرهم، تجد بينهم إقامة الدين، والمحافظة على شعائره العظام، على قلة العلم والتعليم، وتجدهم أهل إكرام للضيف، وإغاثة للملهوف، ونصرة للمظلوم، مع التعاون، والتناصح، والتآزر، والتواد.
يجمعهم مسجد واحد، وسخينة(1) واحدة، وأب واحد، وأم حانية.
أيام عجيبة غريبة؛ فهل يا ترى لبيت الطين تأثير؟! أم للوقت الذي كان فيه بيت الطين، أم ماذا؟!
هل لأننا خلقنا من طين فنحن لبيت الطين، ونأنس به، فعندما نكون قريبين منه ملامسين له يذهب عن نفوسنا علوها وقهرها، ولقَسِهَا(2)؟
أم أننا في هذه الأيام يوم أن جاورت أبداننا -التي تحمل نفوسنا- جاورت الخرسانة والحديد التي تذاب بالنار، وتصهر به، فاكتسبت من مجاورتها الهيجان والغرور، والإفساد والتخريب، والتحريق؟!
قد أدري، ولا أدري!!
على العموم: ما أجمل تلك الأيام! وما أجمل الأخوة التي كنا نعيشها في بيت الطين ويوم كان الوئام، والصفاء، والألفة والمحبة هي السائدة بين الأهل والجيران، والأحباب والخلان.
فهل ستعود تلك الأيام، وتنقشع ظلمة تلك النفوس التي تحمل الحقد والأظغان، ويسود الصفاء والإخاء؟
أرجو من الله اللطيف أن يعيد الإخاء والصفاء، والمحبة والوفاء، ويديم الألفة واللقاء