إحمرّ خجلاً أيُها الورد..~♥
دفعت الباب ودخلت .. خطوات ثابتة .. معطف طويل أسود .. حقيبة سوداء شعر منسدل أسود ..
تفحصها صاحب المحل بنظارته مستغرباً !!
أزالت النظارة بهدوء تام.. ونظرت إليه .. أغرقته العينان البحريتان .. لا شطّ ترسو عليه
نظراتها .. ليتقدم هو ليخدمها ..
سيدتي .. في خدمتك؟!
ابتسمت برقة .. " أعندك طلبي " .. صمت برهة .. " يحضر ما تطلبين في التوّ واللحظة" ..
- " أريد ورداً "!!!!!
تراجع إلى الوراء ..
- " هل تهزأ بي ؟!!! "
- سيدتي أنت في محلّ للأزهار .. وكلّ ما حولك ورد .. أكثر ما نبيعه اليوم هو الورد
الأحمر ..
نظرت نظرة طفوليّة فيها براءة متناهية ..
- " الأحمر " ؟!!!
- " نعم .. سيدتي .. اليوم أجني من هذا الورد ما لا أربحه في عام كامل !!!!!!! "
- " إنّه عيد الحبّ .. داعبت أناملها الندية أوراق وردة .. وهل الحبّ يطلب ليعطى أو
يصنع ليقدم ؟!!
- " إنها طقوس هذا اليوم سيدتي " ...
- " أعرف .. فقد أصبح الحبّ رخيصاً على رفوف المتاجر .. وتطبع به الأوراق ..
ويباع على الإشارات .. وتصنع منه الحلويات .. وتصبغ بأصباغه الدمى .. ويرتديه الناس !!!! "
- " إنها لغة الحبّ سيدتي ..."
- " وهل يحتاج الحبّ إلى لغة أو إشارات أو رموز ؟!! إنّه سموّ وارتفاع ورقي، لا يعرف
التنازل ولا الإسفاف .. ولا الأنانية .. إنّه عطاءواستمرارية .. إنّه إحساس الأرواح بالأرواح"
- " أتأذنين أن أدون ما ذكرت للتوّ على بطاقة ؟!! "
- " الحبّ ليس تافهاً .. أو ضئيلاً لنكتبه .. ثمّ نمحوه مثلما نمحو كتابة لا نريدها "!
أثارت عباراتها فضوله ..
- " طلبك سيدتي"
- "مئة وردة حمراء "
وهو يلتقط الورد مع نصف ابتسامة يدرك هو معناها
- " من تملك جمالك هذا وأنت في العقد الثالث .. لا بدّ أن لديها من الأحباب الكثير "
- " باقة واحدة .. "
- " لا .. كلّ وردة على حدةلو سمحت "
- " لا يعبرّ الورد عن قوة الحبّ إن قدّم متفرقاً "
همست ..
- " ليتك تدرك أنّ الحبّ أسمى من كلمات تقال .. ومن باقات الورد .. هو لغة
العيون .. إن تحاورت صمتت عندها الدنيا .. واختفى حتى الهمس .. هو بذرة تنثر في
القلب .. تسقى بماء الصدق .. تدفئها شمس الود .. شيء استعصى على العشاق أو من
يدعون العشق أن يفهموه .. وكيف من يفهم الشيء لا يجيد الحديث بعد ! "
- " هل قلت شيئاً سيدتي "
- " هل أنهيت ؟!! "
- تفضلي .. وقبل أن تغادر نظرت إليه وقالت\
- " دوّن فوق ورودك بلا رائحة .. وبلا لون "
أوقفت سيارة أجرة ..
- " إلى أين ؟!! "
- " إلى أحبابي ؟! "
- " هل تسخر مني حاملة الورد؟!!"
صمت ممتعضاً ..
- " إلى نهاية الحيّ " .. إربدّ لونه قليلاً .. ولم يصدق وجهتها !!
وصلت تحمل سلّة الورد .. بدأتتستعرض الشواهد .. وتضع الورود .. جدي
العزيز .. جدتي العزيزة .. خالي الغالي .. صديقتي المخلصة .. عمتي الهادئة .. طفل
برصاصة في الخامسة .. فتاة بمرض عضال في العاشرة .. زوجة لم تدفيء بعدزوايا منزلها
الباردة .. شاب في الجامعة .. حبيب لم يقرأ لحبيبته بعدالقصيدة العاشرة .. أديب
مشهور .. أب حنون .. شهيد منفلسطين مغدور بيد مجهول !!! استوقفها شاهد كتب عليه :
إلى حبيبة حياتي :
أحبك والأكوان شاهدة ..
والأم والأصقاع والورد
عينان ما رنتا إلى رجل
إلا رأيت قواه تنهد
وكذاك تتخذ النجوم منازلاً
دون القتاد وينثر العقد
- وضعت وردة وقالت " من أرواح الأرض إلى ملائكة السماء "
أنهت زرع الورود على القبور .. وبدأ الطلّ يداعب أوراق الورد قبل أن تغادر .. نظرت
إلى الخلف وقالت :
بعدتم ولم يبعد عن القلب ذكركم
وغبتم وأنتم في الفؤاد حضور
مضت وعبراتها الهادئة تمتزج بماء المطر وهي تقول " فالتحمر خجلاً أيّهاالورد !! "
/
\