السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شهر رمضان بصيامه وقيامه وسائر طاعاته، ميدان لسياحة قلب المؤمن في جملة من التوقف عبر هذه المدرسة القرآنية أمام أسماء الله الحسنى وصفاته العلى
واستشعار معاني أسماء الله الحسنى والتعبد لله بمقتضى معانيها التي هي من أقوى محققات التوحيد في قلب العبد، ومما يزيد القلب معرفة بالرب جل وعلا، وما أحوجنا إلى إعمال قلوبنا في عباداتنا ليعظم أثرها في حياتنا وعلى إيماننا.
ومن الأهمية بمكان أيضا العلم والعلمل بكيفية التعبد لله بأسمائه الحسنى وفي رمضان خاصة لما لهذه المدرسة الربانية من أثر على النفوس، وعلينا أن نعي كيف يمكن أن يكون لنا رمضان /سببا للقرب من الرحمن، فمن أسماء الله الحسنى التي يستشعرها الصائم الموحد بصيامه اسما (الحكم والحكيم أي أنه الحكيم في أفعاله وأقواله وقدره، فيضع الأشياء في محالها بحكمته وعدله". وللحكيم معنيان: أحدهما: الحاكم الذي له الحكم المطلق الكامل من جميع الوجوه، والخلق كلهم محكومون، له الحكم كله، وإليه يرجع الأمر كله، يحكم على عباده بقضائه وقدره، ويحكم بينهم بدينه وشرعه، ثم يوم القيامة يحكم بينهم بالجزاء بين فضله وعدله، فلا حاكم إلا الله، إذ لا يجوز تحكيم قانون ولا نظام سوى حكم الله، قال تعالى:﴿ أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون ﴾المائدة: 50{وللحكيم معنى آخر، وهو ذو الحكمة، والحكمة ضد السفه، وهي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها. ولذلك كانت أحكام الله الكونية والشرعية والجزاء مقرونة بالحكمة ومربوطة بها، فلم يخلق سبحانه شيئًا عبثًا، ولم يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون، فما أعطى الله شيئًا إلا لحكمة، ولا أنعم بنعمة إلا لحكمة، ولا أصاب بمصيبة إلا لحكمة، وما أمر الله بشيء إلا لحكمة، والحكمة في فعله والتزامه، ولا نهى عن شيء إلا لحكمة والحكمة في تركه واجتنابه.
قال تعالى مقررًا هذه الصفة العظيمة صفة الحكمة: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون، فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم" المؤمنون: 115، 116.
وللحكيم معنى ثالث وهو المحكم الذي أحكم كل شيء خلقه، فما في خلق الرحمن من تفاوت ولا تناقض ولا خلل، صنع الله الذي أتقن كل شيء، وليس في شرعه من تناقض ولا اختلاف، قال تعالى: "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا" [النساء: 82][3]. فالحكيم له الحكم كله، وإليه يرجع الأمر كله، ويحكم بدينه وشرعه، ومن شرعه أن فرض على المؤمنين الصوم في هذا الشهر، فالله جلا جلاله هو الذي حكم بفرضية الصيام على عباده ولا معقب لحكمه، وواجبنا كمؤمنين التسليم والانقياد وربنا تبارك وتعالى أحكم الحاكمين، "أليس الله بأحكم الحاكمين"، والتسليم والانقياد لحكم الله يتحقق للصائم، عندما يصوم إيماناً بفرضية الصيام عليه وينوي صيام الشهر كله جازماً من أول دخوله.
فصيام شهر رمضان، فرض بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". إلى قوله: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس وبينات من الهدىٰ والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو علىٰ سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم ٱالعسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علىٰ ما هداكم ولعلكم تشكرون"،البقرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام". وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا رأيتموه فصوموا"، وأجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض، لكون صيام رمضان الركن الرابع من أركان الإسلام.