كيف لا ..؟ وهو شهرُ الخيراتِ والبركات ،
وشهرُ العِباداتِ والطَّاعات .. !
يفرِحوا بقُدومِهِ ؛ لأنَّه ضَيْفٌ عَزيزٌ عليهم ، يَمُرُّ سريعًا .
يصومون نَهارَه ، ويقومونَ ليلَه ، ويُكثِرون مِنَ الدُّعاءِ فيه ،
فيه يَبرُّونَ الآباءَ ، ويَصِلونَ الأرحامَ ، ويُحسِنونَ للجيران ،
ويتلونَ القُرآنَ ، ويتصدَّقونَ ، ويَذكرونَ اللهَ كثيرًا ، ويستغفرون ،
ومِن ذنوبِهم يتوبون .
وفي الوقتِ الذي يفرحون فيه بضيفِهم ، ويُكرمونَهُ ، ويُحسنونَ ضيافَتَهُ ،
تستقبلُهُ ثُلَّةٌ أُخرى بحَفاوةٍ وترحيبٍ ليس له مَثيل .
تُرَى لِمَ ..؟!!
ليُتابِعوا فيه القنوات ، ويَعكفوا أمامَ الشَّاشات ،
فوازير ، وأفلام ، ومُسلسلات .
يفرحون بقُدومِ شهرِ رمضان ؛ لأنَّ المُسلسلاتِ تُعرَضُ فيه لأوَّلِ مرة .
مُسلسلاتٌ جديدة ، وفوازيرُ يزعمونَ أنَّها تُساعِدهم على التَّفكير ، وتُنَمِّيه عِندهم .
نَهارُهم نَوْمٌ ، وتَضييعٌ للصَّلَواتِ ، ولَيْلُهُم سَهَرٌ أمامَ الفضائيات ،
يُقلِّبونَ بين القنواتِ ، ويَستمتعونَ بمُشاهدةِ المَاجِنات .
– ماذا تستفيدون مِن ذلك ..؟!!
أفيه طاعةٌ لِرَبِّكم سُبحانه وتعالى ..؟!! أم فيه طاعةٌ للشَّيْطان ..؟!!
إنَّكم في غيرِ رمضان قد لا تُشاهِدونَ التِّلفاز ، ولا تجدون وقتًا لِمُتابعةِ البرامِجِ
المُفيدةِ ، فَضلاً عن المُسلسلات .
فما بالُكم أصبحتم عاكِفين عليه في شهرِ الطَّاعات ..؟!!
كيف تُضَيِّعون أيَّامًا مَعدودةً يا أٌهل القرآن ..؟!!
كيف تعصونَ فيها اللهَ ، وهو يراكم ، ويَعلمُ بِكم ، ولا يَخفَى عليه أمرُكم ..؟!!
أَيَسُرُّكم أنْ يَأتِيَكم مَلَكُ المَوتِ وأنتم تُشاهدون القنوات ..؟!!
أم تُحِبِّونَ أنْ يَأتِيَكم وأنتم تُمسِكونَ بمُصحفِكم وتقرأونَ آياتٍ مِنَ القُرآن ،
أو تقفونَ على سِجَّادَتِكم تُصلِّون رَكعاتكم تتقرَّبونَ بها للرَّحمَن ..؟!!
لا تقولوا : أننا نشاهِدُها للتَّسليةِ .
وهل في عُمُرِ الإنسانِ وقتٌ يُضَيِّعُهُ في التَّسليةِ والَّلهوِ ..؟!!
ثُمَّ أخبروني ، ما الذي تُشاهدونَهُ في القنوات ..؟
أنبياءٌ وصَحابة ..؟!! أم تُشاهِدونَ مُمَثِّلينَ ومُمَثِّلاتٍ ، ومِمَّن تَخضعنَ بالكلمات ، وتَظهرنَ مُتَبَرِّجاتٍ سافِرات ..؟!!
لا تقولوا : مُسلسلاتٌ دِينية ، وحِكاياتٌ تاريخية ، تُعَلِّمُنا ، وتزيدُ ثقافَتَنا ،
وتَرفعُ هِمَّتَنا .
وأين ذَهَبَت كُتُبُ التَّاريخ ..؟! وأين ذَهَبَت كُتُبُ المَشايخِ والعُلَماءِ ،
مِمَن عاصَروا الأحداثَ ، فلم يُزَيِّفوها لنا كما يَحدُثُ بالمُسلسلات ..؟!
إنَّها حُجَجٌ فارِغَة .
ولتعلموا – أنَّ أعَينكم ستُسألاً عَمَّا تُشاهدوانِهِ ، وستُسألاً أُذُناكم
عَمَّا تَسمعوونهِ ، وهكذا كُلُّ عُضوٍ مِن أعضائِكم ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء/36 .
كم مِن شخصٍ قبلَكم قد مات ، وكان يتمنَّى أنْ يبلُغَ رمضان ، وقد حالَ بينه وبين رمضان الموت ، وأنتم قد بلَّغَكم اللهُ رمضان ، ولا تضمنوا أتعيشوا لرمضان القادِم أم لا تُدركوه.
فاغتنموا أوقاتَ الطَّاعات ، فالعُمُرُ يجري سريعًا ، والحياةُ قصيرةٌ جدًا ، ونحنُ بأَمَسِّ الحاجةِ ولو لحسنةٍ واحدةٍ تُنَجِّينا مِنَ النار .
وليس الكلامُ لَكم وَحدكم ، بل لِكُلِّ مَن جلسَ أمامَ الشَّاشاتِ في شَهرِ الخَيْرِ والطَّاعات ، سواءٌ كان ذلك ليلاً أو نَهارًا . فلو لاحظتِ الوقتَ في رمضان ، لرأيتموه يَمُرُّ بسُرعةِ البَرْقِ .
احذروا – مِن أنْ يَجذِبَكم التِّلفاز ، ويُضَيِّعَ وقتَكم ، ولو ببرامِجَ مُفيدة ، فأنتِ مُحاسَبةٌ على كُلَّ لَحظةٍ مِن لَحَظَاتِ عُمُرِكم ، يقولُ نَبِيُّنا مُحمدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربع : عن عُمُرِه فيمَ أفناه ....... )) صحيح الترغيب .
ولتعلموا – أنَّ دُعاةَ الفِتنةِ يُكَرِّسونَ أوقاتَهم قبل رمضان ، ويتفنَّنونَ في إخراجِ المُسلسلاتِ والبرامَجِ التي تُضَيِّعُ الأوقاتَ ، وتُثيرُ الشَّهَواتِ ، وتُوجِدُ الشُّبُهاتِ ، في شهر التَّقَرُّبِ مِن رَبِّ البَرِيَّاتِ .
فإنْ تابعتم برامِجَهم ومُسلسلاتِهم ، فقد ساعدتم على تحقيقِ أهدافِهم الدَّنيئة .
ألَا تعلمون أنَّ هؤلاءِ مِمّن يُحِبُّونَ إشاعةَ الفواحِشِ في المُجتمعِ المُسلِم ..؟!
بل هم مِمَّن يُشيعونها بما يُقدِّمونَ في قنواتِهم ، وبما يَعرِضون على شاشاتِهم ..؟!
وقد قال رَبُّنا سُبحانه وتعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ النور/19 .
فلتنتبهوا – لِمَا يُحيكُهُ لَكم الأعداءُ مِن مُؤامراتٍ وخِداعاتٍ ، بِزَعمِ الاستفادةِ مِنَ القنواتِ ، وقضاءِ أمتعِ الأوقاتِ أمامها .
لتُحاولوا قَدْرَ الإمكانِ أنْ تتزوَّدو مِنَ الصَّالِحاتِ في شَهر الطَّاعاتِ ، وليكُونا لَكم وِرْدٌ يَوميٌّ مِنَ القُرآنِ ، بحيثُ تختمونَهُ ولو مرةً في شهر رمضان ، ولو زاد عددُ الخَتماتِ لكانَ أفضل ، مع التَّدَبُّرِ وحُسنِ التِّلاوة .
ولتحرصوا على قيامِ الليل ( التَّراويح ) مع الجماعةِ بالمَسجدِ إنْ أمكنكم ذلك .
ولا تنسوا تعجيل الفِطرِ وتأخيرِ السّحور ، فهو سُنَّةٌ عن نبيِّكِ مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، (( عجِّلوا الإفطارَ ، وأَخِّروا السّحور )) صحيح الجامع .
ولتحتسبوا الأجرَ في أعمالِ بيتِكم ، وفي إعدادِ وجبتيْ الفِطر والسّحور ، فإنَّكم مأجورون – بإذن اللهِ – على ذلك .
وأُذَكِّرُكم – أخيرًا – بحديثِ نبيِّنا محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ ، ومَن قام ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ )) مُتَّفَقٌ عليه ، (( مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ )) رواه مُسلِم