كثيرا ما نسمع هذا المثل الذي نتداوله في مجتمعاتنا ونعبر به عن الطباع السيئة التي تعود عليها الإنسان سيء الخلق منذ نشأته وكأنه يفتخر بها ، مثل الغدر والخيانة واستغلال طيبة الناس وحسن تعاملهم فينقض عليهم ويحدث الضرر بهم ، وهناك من يستعمل هذا المثل علي أنه متطابق مع القول الآخر من شب عليه شاب عليه وأن المعنى واحد مع تعدد الأسماء فقط ؟ .
لكني أرى أنها قريبة من بعضها في الظاهر وتختلف عن بعضها في المعنى ، لأن في القول الشائع من شب علي شئ شاب عليه يعني الأمر الظاهر من العادات لدى البشر حتى وإن كانت سيئة وليس فيها خداع ولا إضمار شئ خلاف ما يظهر، أما في القول . الطبع غلاب تفيد من خلال التجارب في الحياة والأمثلة التي تداولها الشراح لهذا المثل كما جاء في القصة الخيالية .. أن ضفدعا وجد عقرب تغرق في مياه البركة فحاول إنقاذها وحملها علي ظهره فأحس بحركة غريبة علي ظهره وهي تريد أن تلدغه فسألها فقالت الطبع غلاب .وكأنها تعتذر ..
ولكن هذا دليل علي أن من وصف به فهو يظهر خلاف ما يبطن أي أنه يظهر الطيبة ويبطن الشر وما طيبته إلا وسيلة لاقتناص الفرصة لتحقيق غرض من أغراضه من خلال طبعه الخسيس الذي تعود عليه ، فهو بهذا يكون إنسان مخادع لا أمانة له ولا ثقة فيه ولا في تعاملاته .
ولكن ما يهمنا هنا هو تعامل الناس بهذا المثل (الطبع غلاب) باعتباره اعتذار عن تصرفاته السيئة التي تضر بالآخرين فهل هذا مقبول ويمكن أن نتسامح فيه .. طبعا لا ولكن علي المجتمع المتمثل في مؤسساته الرسمية أن تعمل علي حماية المجتمع منهم ومن خطرهم بأن تضع لذلك حلولا لإعادة تأهيلهم وتخليص هؤلاء الناس من هذه العادات السيئة بتغيير سلوكهم بالتعليم والتدريب بالمحاضرات والوعظ والإرشاد في كل مناسبة بل يمكن جمعهم في مكان للإصلاح والتهذيب ... ولا نُصغي لمن يشكك في هذه الوسيلة بترديد مقولة الطبع يغلب التطبع ...
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: ( لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسنوا أخلاقكم)، وكيف ينكر هذا في حق الآدمي الذي كرمه الله سبحانه بالعقل وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك، والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق ...
أي ان كل شيء يأتي بالتعلم والمواظبة والممارسة فلا صحة إذن لمقولة الطبع يغلب التطبع ...
نأمل أن أكون وفقت في توضيح صورة هذا المثل الذي ضرره أكبر من نفعه